المعركة على وعي الرأي العام العالمي

-عوكل-e1574975107402.jpg
حجم الخط

بقلم طلال عوكل

 

 

 

كالعادة، حين تقوم اسرائيل بإجراءات او جرائم مخالفة للقانون الدولي يكون الموقف الأميركي، على ذلك من خلال تعبيرات دبلوماسية لا تعني شيئاً ولا تزعج الفاعل او حتى تترك لديه مجالاً للتفكير او التردد.
اسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها كل الوقت والولايات المتحدة تواصل التزاماتها تجاه حماية الدولة اليهودية ورعايتها، وتحصين مناعتها العسكرية وتفوقها على كل من حولها. أما المخالفات والانتهاكات الإسرائيلية الفظة فإنها لا تستحق من الناطقين الأميركيين سوى تعبيرات من نوع التعبير عن القلق، او التحذير او الدعوة الى ضبط النفس.
انتوني بلينكن وزير الخارجية الأميركي، يكتفي بالتعبير عن غضبه ويعد بتعزيز مكافحة معاداة السامية بعد اكتشاف رسم للصليب المعقوف الذي كان شعارا للنازية في مصعد وزارة الخارجية.
لا اعرف معنى اكتشاف، إلا ان هذا الرسم قد تم نقشه حديثا طالما ان مصعد وزارة الخارجية، يستخدم كل لحظة، ولذلك بدلا من ان يعبر عن غضبه بهذه اللغة التي تتساوق مع اللغة والاتهامات الإسرائيلية التقليدية لكل من يعارضها او ينتقدها، كان حريا بالوزير ان يأمر بتشكيل لجنة تحقيق فورية لمعرفة من يقف وراء ذلك. على الأرجح ان الوزير بلينكن لديه شكوك كما لدينا بأن الفاعل ربما ينتمي لفئة موالية لإسرائيل، في محاولة لتحريض الدبلوماسية الأميركية لمواجهة الموجة العارمة التي تجتاح الولايات المتحدة، في هذه الأوقات، وتتخذ طابعا معاديا لإسرائيل.
الولايات المتحدة، خصوصا بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة تحولت الى ساحة نشاط متزايد معاد لإسرائيل، وضاغط على الحزب الديمقراطي والإدارة، لرفع الخصوصية عن العلاقة بين الدولتين، ومحاصرة الدولة العبرية، مرة أخرى، تصدر منظمة «هيومن رايتس ووتش» الأميركية بياناً يدعو لمعاقبة مجرمي الحرب الإسرائيليين، بعد ان وصفت في وقت سابق اسرائيل بدولة فصل عنصري بينما استبقتها الى ذلك مؤسسة «بتسيلم» الإسرائيلية لحقوق الإنسان.
الجبهة المسيحية بدأت تتحرك هي الأخرى، فمقابل المسيحانيين الانجليكانيين يصدر الاتحاد العالمي للكنائس عن إحدى الطوائف بيانا صريحا يصف اسرائيل بدولة فصل عنصري «ابرتهايد».
الحراك في المجتمع الأميركي لا يزال على اشده، فلقد قررت الحكومة الإسرائيلية تجنيد وتجريد حملة واسعة وشرسة للضغط على شركة «بن اند جيري» لإرغامها على تغيير موقفها، والعودة للعمل في المستوطنات.
وفي الأضل، فإن الأمم المتحدة وبضغط من الولايات المتحدة كانت قد منعت نشر القائمة السوداء، التي تتضمن اسرائيل من بين الدول التي تنتهك كل القوانين الدولية وتحوم حولها شبهات جرائم حرب وجرائم ضد القانون الإنساني، وفي داخل الحزب الديمقراطي تتسع دائرة النشاط للضغط على الإدارة الأميركية لوقف تقديم الأسلحة لإسرائيل، وإلا فهي شريكة للكيان الإسرائيلي في تعطيل العدالة الدولية، وحماية مرتكبي جرائم الحرب.
الحرب في المجتمعات الأميركية والأوروبية، جادة وفاعلة، عنوانها المضاد لإسرائيل حركة المقاطعة وأدواتها الإسرائيلية متعددة، وتحظى بإمكانيات هائلة. اسرائيل وصفت حركة المقاطعة بأنها حركة إرهابية ومعادية للسامية، وعلى الرغم من الفارق الهائل بين الإمكانيات المتوفرة والتي توظفها حركة المقاطعة، واهمها الحوار والإقناع، وبين ما توظف اسرائيل من إمكانيات، إلا ان حركة المقاطعة تسجل المزيد والمزيد من الانتصارات والإنجازات، والأساس في هذه النجاحات، يعتمد على السياسات التي تنفذها الحكومات الإسرائيلية، بكل أدواتها، والوقائع التي تفرضها على الأرض وتخالف القوانين الدولية، وحتى مواقف وسياسات الدول الحليفة لإسرائيل.
المعركة على الرأي العام والوعي الجمعي الدولي أمر مهم جداً، إذ لا تستطيع الحكومات والحكام في الدول الديمقراطية الغربية، إدارة سياسات داعمة لـ»الابرتهايد» او متواطئة معه، ومع ما يرتكبه الاحتلال من جرائم حرب. وفي المقابل، فإن اسرائيل والتي لا يمكن ان تجمع بين طابعها اليهودي واحتلالها والديمقراطية، ستكون مصدر عار على الديمقراطيات والقيم الغربية، وهي لا تستطيع ان تبدل طبيعتها، ولا حتى ان تستمر في تضليل العالم.
الحكام في الدول الغربية الرأسمالية عدا كونهم يديرون أنظمة استعمارية في الجوهر، ولأسباب ودوافع استعمارية أيضا يتحملون الإهانات من اسرائيل، التي لا تتورع عن التجسس عليهم كما اظهر برنامج «بيغاسوس» الذي لم يكن الأول الذي توظفه اسرائيل في عالم الجاسوسية حتى على حلفائها.
في آخر ما ورد لفضح العنصرية اليهودية، بيان وقع عليه اكثر من ألف أكاديمي وفنان وسياسي عالمي، اطلقوا عليه اسم وثيقة إعلان مبادئ، الوثيقة تطالب بإدانة اسرائيل ومعاقبتها على جرائم الفصل العنصري هذه المرة وليس على جرائم حرب تمارسها على كل ارض فلسطين التاريخية، وتقول الوثيقة، ان اسرائيل أنشأت نظام فصل عنصري على كامل ارض فلسطين وأعلنت على الملأ ادعاءها السيادة اليهودية والحقوق اليهودية الحصرية من خلال تبني الكنيست قانون القومية.
تحقيقات مجلس حقوق الإنسان والجنائية الدولية بدأت تتحرك، والمطلوب فلسطينياً التعاون ليس كما حدث مع تقرير غولدستون، ومطلوب أيضا تفعيل دور الجاليات الفلسطينية والعربية والامتناع عن استخدام لغة العنجهية، وإجادة بناء خطاب الضحية الذي يعبر عن الواقع.