تونس الخضراء أمام امتحان عسير!!

حجم الخط

بقلم: المحامي إبراهيم شعبان

 

قرر الرئيس التونسي، قيس سعيد، المنتخب بشكل ديموقراطي حر في عام 2019 أن يجمد عمل البرلمان لمدة شهر واحد استنادا للمادة 80 من الدستور التونسي لعام 2014، وفي ذات الوقت أقال الحكومة التونسية ورئيسها وتولاها بنفسه، كما عزل كثيرا من المسؤولين التونسيين، وقرر الحاكم العرفي منع التجول في تونس ومنع التجمعات العامة، وتعهد أستاذ القانون الدستوري بالحفاظ على الحقوق والحريات العامة وحقوق الإنسان.
الغريب في الأمر ان الشعب التونسي بأغلبيته قابل هذه الإجراءات الاستثنائية بسعادة وحبور، وخرج الكثير منهم للترحيب بها عبر شوارع تونس وعبروا بشكل واضح عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن تأييدها رغم ان البعض وصفها بالإجراءات الإنقلابية. ويبدو ان الشعب التونسي الذي كان رائدا في ” الربيع العربي ” وطرد عليا بن الحسين زين العابدين بعد حكم بوليسي لفترة ثلاثة وعشرين عاما، قد عانى الأمرين من أوضاع معيشية صعبة وبطالة واسعة وتردٍ للخدمات العامة وفقدان الثقة في مجلس النواب وأعمال الحكومة. حتى أن أشخاصا معروفون بتأييدهم للخط الديني في تونس انتقدوا تصرفات الخط السياسي للإخوان المسلمين الذي قاد لهذه الأزمة الدستورية.
وبالرجوع للمادة الثمانين من القسم الخاص برئيس الجمهورية في الدستور التونسي الجديد، نراها تنص بشكل صريح على ” لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الإستثنائية ، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب، وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب. ويجب أن تهدف هذه التدابير إلى إلى تأمين عودة السير العادي لدواليب الدولة في أقرب الآجال. ويعتبر مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم طيلة هذه الفترة. وفي هذه الحالة لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس نواب الشعب كما لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد الحكومة. وبعد مضي ثلاثين يوما على سريان هذه التدابير وفي كل وقت بعد ذلك، يعهد إلى المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو ثلاثين من أعضائه البت في استمرار الحالة الإستثنائية من عدمه. وتصرح الحكومة بقرارها علانية في أجل أقصاه خمسة عشر يوما. وينهي العمل بتلك التدابير بزوال أسبابها ، ويوجه رئيس الجمهورية بيانا في ذلك إلى الشعب “.
في هذه الحالة البسيطة أو يفترض أنها بسيطة والتي لا تخفى على فطنة المواطن البسيط، وفي ظل توافر نصوص مشابهة للنص التونسي بشكل أو بآخر، ذهب الحكام العرب الأشاوس إلى استخدام سلطات مطلقة تجاه شعوبهم وعطلوا كثيرا من أوجه القضاء وحصنوا القرارات الإدارية التي تخرق الحقوق والحريات العامة، كل ذلك باسم المصلحة العامة والدفاع عن أمن البلاد في وجه الخطر الوشيك والزاحف.
واضح أن اللجوء لهذه الصلاحية لرئيس الجمهورية التونسية هي صلاحية اختيارية جوازية وليست إلزامية. وهي صلاحية مؤقتة موسومة بشهر بل بثلاثين يوما على وجه التحديد وإن كان يمكن تمديدها بدون سقف زمني، إذا أجازتها المحكمة الدستورية بطلب من رئيس مجلس نواب الشعب أو بطلب من ثلاثين نائبا وليست بشكل تلقائي كما يعتقد البعض. وهذه مشكلة دستورية كبرى تقوض الدستور التونسي برمته. هذه المادة تعطي صلاحية تقديرية واسعة لرئيس الجمهورية التونسية في تقصير أو إطالة مدة الإجراءات الإستثنائية. وغير مفهوم بل اشبه بالأحجية، وهي كيف لمجلس نواب الشعب في ظل تجميده أن يكون في حالة انعقاد دائم كما قرر النص.
ويبدو لي أن الرئيس التونسي قيس بن سعيد أخذ بالجانب الشكلي من المادة الثمانين من الدستور التونسي، وغلّبه على الجانب الموضوعي للمادة ذاتها. بكلام آخر قيس بن سعيد أخذ بالمفردات الصريحة وطرح جانبا روح الدستور ومضمونه وجوهره. وهما أمران متنازعان في تفسير القاعدة القانونية وبخاصة أن الألفاظ وعاء المعاني كما يقال. أي أن الرئيس التونسي أخذ بالصلاحيات الشكلية اللفظية التي منحه إياها وقلده بموجبها الدستور التونسي أن يتخذ التدابير( كلمة غامضة ) للسير العادي لدواليب الدولة. وايا كان فليس من المعقول وليس من السديد رغم معاناة الرئيس من الإخوان المسلمين أن تؤول هذه المادة لهذا المعنى الشاذ والغريب وغير المألوف. فلا يعقل أن المشرع التونسي الدستوري حينما وضع هذا النص وصاغه قصد منه أن يقلد رئيس الجمهورية ايا كان مذهبه واتجاهه السياسي كل هذه الصلاحيات الضخمة من تشريعية وبرلمانية وإدارية, لاننا سنغدو أمام دولة بوليسية يراسها شخص يحتكر القوة بأطرافها. وقديما قال أساتذة القانون الدستوري وما زالوا يقولون وقيس بن سعيد واحدا منهم أن اجتماع سلطتين في الدولة في يد واحدة يقود للإستبداد والطغيان، فما بالك بكل هذه الصلاحيات المجتمعة في يد الرئيس التونسي الذي شلّ جميع المناصب الأخرى مع أنه أبقاها شكلا وذلك حينما حظر حلّ مجلس نواب الشعب.
رغم ما يعتور الإجراءات التونسية الرئاسية من حرف القاعدة الدستورية عن هدفها وغايتها، إلا أن هذه الإجراءات لاقت سرورا بالغا في المجتمع التونسي وردات فعل إيجابية. حتى أن المذيعة والصحفية والكاتبة والأديبة التونسية كوثر البشراوي المحجبة والمحسوبة على الخط الديني ، خرجت بفيديو تنتقد فيه حركة الإخوان المسلمين نقدا حادا وتقول فيهم كلمات قاسية بل وصفتهم بالوهابيين الذين يسعون لسدة الحكم الناكرين لغيرهم ووجودهم.
مهما يكن من أمر، فالنقاش القانوني بات خلفنا. المهم ماذا سيحدث لحركة النهضة ( الإخوان المسلمون ) في تونس وماذا بالمقابل سيحدث لقيس بن سعيد كرئيس جمهورية تونس المنتخب. الوضع ليس سهلا في تونس وبخاصة في زمن الكورونا وغلاء المعيشة وفساد مستشرٍوإفلاس مالي وملف الحقوق والحريات العامة. هذا هو سؤال المليون لقيس بن سعيد الذي دخل أو أدخل نفسه في مواجهة شرسة أم سيدعو إلى انتخابات جديدة. وقديما قالوا ” ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه ” .