مرة أخرى.. كيف تستطيع المنتجات الوطنية المنافسة؟

د.عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

بقلم: عقل أبو قرع

لم تحقق جميع حملات تشجيع الإقبال على المنتجات الوطنية النجاح المطلوب أو الأهداف المتوخاة، والدليل على ذلك هو مواصلة الإقبال ولو بدرجات متفاوته على المنتجات المستوردة سواء أكانت من إسرائيل أو من غيرها، وما زالت رفوف محلات التسويق الكبيرة تمتلئ بالمنتجات غير المحلية، وما زال التجار يستوردونها وما زال المستهلك الفلسطيني يقبل عليها، وهذا يشمل المنتجات الغذائية والأدوية والأدوات والأجهزة، وغير ذلك.
ورغم مجالات التطور الكبيرة التي حققتها المنتجات الوطنية، سواء من ناحية النوعية أو الإنتاج الكمي أو حتى في مجالات التسويق، ما زال المستهلك الفلسطيني، أو جزء مهم من المستهلكين الفلسطينيين يقبل على المنتجات الخارجية بأنواعها، ولا يعتبر المنتجات الوطنية أولوية، هذا رغم كل الحملات والنداءات المتكررة من أجل دعم والإقبال على المنتجات الوطنية، وحتى رغم أن هناك منتجات وطنية ومنها الأدوية يتم تصديرها وبنجاح إلى دول عديدة في العالم، عربية وغير عربية، وبالتالي لماذا لا يزال المستهلك الفلسطيني لا يعطي الأولوية للمنتج الوطني إذا كانت الأسعار متقاربة؟ ومن هي الجهات المسؤولة عن ذلك؟
فهذا يحدث رغم التوجه الحكومي الرسمي والشعبي للابتعاد عن المنتجات أو البضائع الإسرائيلية التي تشكل النسبة الأكبر من وارداتنا وبالتالي من استهلاكنا، وبالتالي التوجه نحو المنتج الوطني، حيث تبرز صناعات وطنية شكلت معلماً مهماً وتطورت خلال السنوات الماضية، من حيث الجودة والنوعية، ومنها الصناعات الغذائية والدوائية، التي لا يمكن للمستهلك الفلسطيني الاستغناء عنهما، بالإضافة إلى صناعات أخرى تتعلق بالإنشاءات والخدمات والتكنولوجيا، وغيرها.
ومن أجل أن ينجح الإقبال على وتشجيع المنتجات الوطنية، من المفترض أن يبتعد عن الجانب العاطفي الانفعالي الذي نعتاد عليه، وبأن تأخذ إستراتيجية الأولوية للمنتجات الوطنية عدة أمور وجوانب، من أهمها الحاجة إلى وجود مرجعية أو إطار وطني شامل يقف ويتابع التنفيذ، وينسق الخطوات، ويدرس الظروف والبدائل، ويحدد المعيقات والمشاكل، ويعمل على وضع الأسس الموضوعية لضمان استمرار الإقبال على المنتج الوطني، وهذا الإطار من المفترض أن يعمل على أرضية الفوائد أو الإيجابيات التي يمكن أن تؤدي إليها حملات تشجيع المنتجات الوطنية للناس، سواء على صعيد الفرد، أي المستهلك الفلسطيني، أو التاجر أو القطاع الخاص أو القطاع العام، أو حتى على صعيد الاقتصاد بشكل عام، من إنتاج وتشغيل وبطالة وتصدير، وما إلى ذلك.
ومنها كذلك التوجه إلى المستهلك أو المواطن الفلسطيني، والذي هو اللبنة الأساسية لنجاح هذه الحملات، كما هو كان وسوف يكون حجر الأساس لنجاح حملات أخرى، في الماضي أو في المستقبل، هذا المواطن، من المفترض أن يتم التواصل معه وبشكل فعال، سواء من أجل توعيته أو إقناعه بأهمية وفوائد هذه الحملات، وبأن يتم التبيان له أهمية ذلك من النواحي المختلفة، أو حتى إرشاده للبدائل المتوفرة، التي يتم تصنيعها محلياً، سواء أكانت هذه البدائل منتجات غذائية أو دوائية أو مستحضرات تجميل أو مواد بناء وإنشاءات أو خضراوات أو فواكه، وما إلى ذلك.
وكذلك التوجه إلى التاجر أو المستوردين من التجار، وإعلامهم بوجود البدائل الوطنية التي تتمتع بالجودة والسلامة والسعر المناسب، والتي يمكنهم إحضارها وعرضها في محلاتهم ومن ثم بيعها إلى المستهلك أو الزبون، الذي اعتاد أن يتعامل معهم. وإذا حدث وأن قمت بزيارة إلى محلات تجارية في إحدى المدن أو القرى الفلسطينية، فإنك سوف تجد بضائع خارجية من أنواع مختلفة، وإذا سألت التجار أو الموردين عن ذلك، فسوف تكون الإجابة بعدم وجود بدائل، أو بضعف الجودة، أو باستمرارية طلب المستهلك للبضائع الأجنبية، أو حتى بعدم اقتناع التاجر بجدوى أو فعالية أو أهمية حملات الإقبال على المنتجات الوطنية.
ولكي ينجح المنتج الوطني كبديل، ومن ثم يبقى أو يستديم كبديل للمنتج الأجنبي، من المفترض أن يكون ذلك على أسس صحيحة، أهمها التركيز على الجودة أو النوعية، أي كفاءة وفائدة المنتج أسوة بالمنتجات المستوردة، وبالإضافة إلى الجودة أو النوعية، التركيز كذلك على سلامة أو على أمان أو على عدم خطورة المنتج الوطني، ولتحقيق ذلك كان من المفترض العمل المتواصل من قبل الجهات المعنية، لترسيخ هاتين الصفتين للمنتج الوطني، أي الجودة والسلامة، في أذهان المستهلك الفلسطيني، والتاجر الفلسطيني والمنتج وصاحب القرار.
وبالطبع هناك المؤسسات أو الجهات أو الدوائر الرسمية، أي دوائر القطاع العام، أو دوائر السلطة، والتي هي من ضمن القطاعات الحيوية لنجاح حملات تشجيع المنتجات الوطنية وبشكل عملي، تلك الجهات التي من المفترض أن تساند أو تدعم وتواكب ذلك، ومن ثم توفر له الغطاء السياسي والقانوني والعملياتي، وتلك الجهات هي التي تراقب وتفتش وتوفر الآلية اللازمة للمتابعة، وهي الجهات التي تمنح التراخيص وتراقب وتضبط المعابر، وتتأكد من الالتزام بالمواصفات والشروط.
ومن الأمور الأخرى التي يجب أخذها بعين الاعتبار موضوع الأسعار، أو التلاعب بها، ودون رقابة أو أخذ الاعتبار لوجود رقابة، سواء من حيث رفعها، أو ربما من حيث تخفيضها وإغراق السوق بمنتجات إسرائيلية مثلاً بأسعار رخيصة لإبعاد المستهلك عن المنتجات الوطنية، كما يبدو أنه حدث في حالات معينة في الماضي، من خلال إغراق السوق الفلسطيني بالخضار والفواكه الإسرائيلية، والادعاء أنه لا يوجد بديل أو كمية كافية من الإنتاج الوطني المشابه، وبالتالي من المفترض أن تعمل الجهات الرسمية والشعبية وبحزم في هذا الصدد؛ لكي لا تحدث عملية إغراق الأسواق بمنتجات أجنبية مختلفة.
وبالإضافة إلى السوق المحلي، ولكي تصل المنتجات الفلسطينية إلى الأسواق الخارجية وتنافس وتنجح، يجب أن تلبي مواصفات وشروط تلك الأسواق، وهذا على سبيل المثال، ولتصدير منتجات زراعية فلسطينية إلى أسواق أوروبية أو أميركية، يلزم إجراء الفحوصات الضرورية لبقايا المبيدات والمواد الكيميائية في المحاصيل الزراعية أو منتجات التصنيع الغذائي، واتباع المواصفات فيما يتعلق بالتعبئة والتغليف والتخزين وما إلى ذلك. وهذا يعني وجود المختبرات المؤهلة والمعتمدة لإجراء الفحوصات، ويعني كذلك وجود الكفاءات المدربة والمعدة للقيام بذلك، ويعني أيضاً توفر المصداقية والنزاهة والاعتراف بذلك من الجهات المستوردة، والأهم كذلك وجود الجهة التي ترعى وتدعم إستراتيجية التصدير وفتح أسواق جديدة.
ومن أجل منافسة مستدامة من المنتجات الوطنية، من المفترض أن تعمل كافة الأطراف ذات العلاقة، سواء أكانت جهات رسمية أو مؤسسات شعبية، على تشكيل إطار يحوي خبراء ومختصين وناشطين، يعمل على وضع أسس علمية، تكفل الاستمرار والاستدامة والتوسع في حملات تشجيع المنتجات الوطنية، وأن تشمل هذه الأسس توفير البدائل، والتركيز على جودة المنتجات المحلية، ومراقبة الأسعار، وإعطاء الأفضلية للمنتج الوطني، وإجراء الفحوصات المخبرية، والتركيز على مواصفات وطنية تحمي المنتج المحلي، وكذلك تفعيل التواصل مع المستهلك والتاجر ومع المورد أو المستورد.