الشيـخ جـرّاح: التفاعـل الدولي مع السكان الفلسطينيين يجعل «الحل الوسط» صعباً

C619D187-8362-4CA4-8F52-0E435A743C9F-e1548772995239.jpeg
حجم الخط

بقلم: نير حسون


كان هذا نقاشاً استثنائياً في القاعة د في المحكمة العليا. في الخارج كانت عشرات طواقم الإعلام والدبلوماسيين والنشطاء اليساريين وحفنة من نشطاء اليمين، من بينهم عشرات الأشخاص من سكان الشيخ جراح، الذين جاؤوا إلى المحكمة في محاولة أخيرة لمنع إخلائهم من بيوتهم. في بداية النقاشات، التي انتهت بدون قرار حاسم، حاول القضاة بكل الطرق جعل الطرفين يتوصلان إلى اتفاق تصالحي من خلال استخدام الضغط غير المعتدل بصورة واضحة.
أساس الاتفاق، الذي اقترحه القاضي اسحق عميت والقاضية دفنه براك – ايرز والقاضي نوعم سولبرغ، هو أن الفلسطينيين سيبقون في البيوت كمستأجرين محميين.
ليس هذا فقط، بل سيتم الاعتراف بهم كمستأجرين محميين من الجيل الأول، أي أيضا الأبناء والأحفاد يمكنهم البقاء في البيوت. في المقابل سيدفعون 1500 شيكل في السنة لشركة "نحلات شمعون"، التي تطالب بإخلائهم.
الفلسطينيون والشركة تحفظوا على هذا الاقتراح، وأمر القضاة العائلات بتقديم قائمة لأصحاب الحقوق على العقارات خلال سبعة أيام من أجل أن يستطيعوا بلورة اتفاق بين الطرفين.
المشكلة ليست المال، بل الاعتراف بملكية "نحلات شمعون". لذلك، رفض الفلسطينيون. ممثلو المستوطنين طلبوا اعترافا واضحا من الفلسطينيين بملكيتهم للأرض دون أن يستطيعوا طرح المزيد من الادعاءات في المستقبل.
الفلسطينيون رفضوا ذلك بشدة. في الاتفاق كانت هناك مشكلات أخرى. مثلا، من سيتم الاعتراف به كمستأجر محميّ في كل عقار، حيث إنه على الأغلب يدور الحديث عن عدد من الإخوة الذين سيرثون البيت، وفقط واحد منهم يمكن أن يكون محميّاً. ثانيا، الإيجار المحمي لا يمنع الإخلاء بشكل مطلق. مثلا، في حال نجح المستوطنون في استصدار رخصة بناء لمشروع إخلاء – بناء، فإنه يمكنهم إخراج الفلسطينيين مقابل سكن بديل.
رئيس هيئة المحكمة، القاضي عميت، كان متفائلاً، واعتقد أنه يمكن حل المشكلات عن طريق "الدبلوماسية البناءة". "سنكتب أن المدعين يعلنون أنهم السكان المحميون، وأن المدعى عليها مسجلة كمالكة". وبذلك نكون حللنا المشكلة، هكذا ضغط على الطرفين. "هذه التسوية ستعطينا مهلة لبضع سنوات جيدة، وحتى ذلك الحين إما أن تكون هناك تسوية للأراضي وإما يكون سلام. لا نعرف ماذا سيحدث، هل يمكن الاتفاق على ذلك؟".
من الواضح أن عميت والقضاة الآخرين غير متحمسين للتوقيع على إخلاء العائلات من بيوتها. "نقول، هيا ننزل من مستوى المبادئ إلى مستوى الممارسة. يجب أن يواصل الناس العيش هناك، هذه هي الفكرة، لنحاول التوصل إلى اتفاق عملي دون هذه التصريحات أو تلك. رأينا كم هذا يهم وسائل الإعلام. نريد حلا عمليا".
لكن كلما تقدم النقاش وجد القضاة صعوبة في جعل الطرفين يتوصلان إلى تفاهمات.
في نهاية المطاف استجابوا لطلب محامي الفلسطينيين، لكنهم أمروا المحامين بعدم الخروج من القاعة.
عبّر القضاة عن قلقهم بأنه في الخارج ستكون جهات تحرض الطرفين على رفض الصفقة. "أنتم ستبقون هنا تحت الإقامة الجبرية، ولكن دون أصفاد الكترونية"، قال القاضي عميت باستهزاء. جمهور غير فلسطيني، لا يعرف عن قرب الاعتقالات والإقامة الجبرية، ربما كان سيستمتع أكثر بهذه النكتة.
بعد الاستراحة تم استئناف النقاش، لكن القضاة يئسوا من إمكانية التوصل الآن إلى تسوية. وبدلاً من ذلك أمروا الطرفين بالبدء في تقديم ادعاءاتهم حول الموضوع.
النقاش في لب موضوع ملف الشيخ جراح هو حدث غير عادي، حيث في الغالب يتم رفض ادعاءات الفلسطينيين لأسباب تقنية كثيرة مثل التقادم وانتهاء الجلسة وافتراض الصواب الإداري وما شابه.
المحامي ارشيد والمحامي أبو حسين استغلا الفرصة وبدآ في إحصاء الصعوبات وعدم المنطق في حقيقة أن شركة أجنبية لنشطاء يمين كانت المالكة لحي سكني في شرق القدس. جميع ملفات الإخلاء حتى الآن ترتكز على دعامتين: الأولى، تسجيل الأراضي على أنها أراضٍ يهودية، وأن ذلك تم في العام 1972. والثانية، التوصل إلى ترتيب جلسة استماع في المحكمة العليا في الثمانينيات وافق الفلسطينيون كما يبدو فيها على الاعتراف بملكية اليهود للأرض.
تقريبا في جميع الجلسات التي عقدت منذ ذلك الحين تم الادعاء بأن الفلسطينيين لا يمكنهم الاعتراض على هذين الأمرين. هذه المرة سمح لهم ذلك. ارشيد وأبو حسين قالا، على سبيل المثال، إن التسجيل في العام 1972 نبع من خطأ أو تزوير، حيث لا يوجد للمستوطنين أي وثائق تدل على ملكيتهم، وأن القيّم العام في وزارة العدل منح الأرض ليهود دون صلاحيات، وأن حكومة الأردن نقلت الأرض إلى السكان، الأمر الذي هو من صلاحيتها، حتى أن وزير العدل في العام 1968، شمشون يعقوب شبيرا، تعهد بأنه حتى لو تمت إعادة أملاك يهودية قبل العام 1948 فلن يتم إخلاء أي مستأجرين من بيوتهم. المحامي إيلان شيمر، ممثل "نحلات شمعون"، رفض جميع هذه الادعاءات. وقال إن السكان الحاليين ليس بالضرورة أنهم يرتبطون بالمستأجرين الذين تم إسكانهم هناك من قبل الحكومة الأردنية؛ وأن المدعى عليهم غيروا ادعاءاتهم على مر السنين وهم في كل مرة يطرحون ادعاء دفاع جديدا.
"لا يمكن طرح ادعاء التزوير بعد خمسين سنة" قال، وأضاف: "هم يريدون منا إلغاء جميع القرارات منذ الأزل".
بعد النقاش الأساسي ظهر أن القضاة أقل تحمّساً لاتخاذ قرار، وأنهم يصممون أكثر على إيصال الطرفين إلى تسوية.
"خلافا لما أردنا، انتقلتم إلى المسار القانوني، لكن لم نفقد الأمل بعد"، قال عميت.
قرّر القضاة أنه يجب على الطرف الفلسطيني أن يقدم للمحكمة قائمة بأسماء من يستحقون السكن المحميّ في كل عقار.
أغلبية المشاركين في الجلسة افترضوا أن القصد هو استخدام هذه القائمة في الجلسة القادمة لإجبار الطرفين على التوصل إلى تسوية تشمل استئجارا محميا وإلغاء عملية الإخلاء.
في الختام، تركز النضال القانوني في الشيخ جراح على مسألة واحدة وهي هل يدور الحديث عن نزاع مدني بسيط على العقارات مثلما يدعي المستوطنون، أم عن جزء من جهود الدولة وأذرعها الرسمية (القيم العام ومسجل الأراضي وشرطة إسرائيل) وأذرعها غير الرسمية (شركة نحلات شمعون) من أجل طرد الفلسطينيين وتهويد الحي؟
هذه جهود ترتكز على قوانين تمييزية وظالمة. من نافل القول إنهم في أرجاء العالم، باستثناء إسرائيل، يتبنون الرؤية الفلسطينية ويرفضون الافتراض بأن النزاع هو نزاع شخصي.
وجد القضاة صعوبة في اتخاذ قرار حول أين تقف المحكمة العليا في هذه المسألة.
من جهة، يبدو أنهم غير متحمسين ليبدؤوا مرة أخرى النقاش المبدئي، ومن جهة أخرى، هم لا يريدون أن يوقعوا على إخلاء مئات الأشخاص من بيوتهم.
على الأقل ليس الآن؛ لأن الشيخ جراح تحول إلى رمز، وهو يقف في مركز اهتمام الإعلام والدبلوماسية.
أيضا الفلسطينيون يوجدون في ورطة. أصبح الشيخ جراح رمزاً قوياً في الخطاب الفلسطيني. وأصبح سكانه أبطالاً. هذه المكانة ستصعب عليهم الموافقة على حل وسط، حتى لو ضمن ذلك عدم إخلائهم من بيوتهم. الضغط عليهم في الوقت الذي تبقّى إلى الجلسة القادمة سيكون كبيرا. يبدو أن القضاة يدركون ذلك أيضا. والدليل على ذلك هو طريقة وداع رئيس الهيئة للمحامين: "إذا التقينا في المرة القادمة فليكن هنا عدد أقل من الأشخاص. هذا ليس بسبب وجود مشكلة. نحن على استعداد لاستئجار ستاد تيدي، لكن الجميع يعرفون ما هي المشكلة".

عن "هآرتس"