على باب منزله في حي الشجاعية شرق مدينة غزة المكتظّ بالسكان، يجلس الطفل صالح حميد "7 سنوات" على كرسيه المتحرّك، ويده المصابة ملتفّة حول عنقه الرقيق، ويضع الأخرى على طرف كرسيه، بينما تتجه عيناه نحو أصدقائه الذين طالما شاركهم لعب كرة القدم، وها هو اليوم يختلس النظر تارة إليهم وتارة إلى كرسيه، فحلمه بات ضحية صواريخ الاحتلال.
بابتسامة عذبة لا تخفي حزناً دفيناً بينما يتحسس قدمه المبتورة، يروي الطفل صالح ما حدث له صبيحة ثاني أيام العيد وفي اليوم الخامس للعدوان الإسرائيلي الذي شنه على قطاع غزة في 10 مايو واستمر 11 يوماً.
يقول صالح :"خرجت مع والدي إلى السوق لشراء بعض الحاجيات للبيت، وكنت أجري مرة مع إخوتي في الشارع، ومرة أتحدث مع والدي، ولا أعلم ما حصل، الضباب غطى المكان وشعرت بوخزات في قدمي، وبعدها ألم شديد، ولم أتخيل أن قدمي بترت بسبب صاروخ إسرائيلي".
ويتحدث صالح عن حبه للعبة كرة القدم، فمن عادته أن يجمع أطفال الحارة ويلعب معهم حتى مغيب الشمس، فبين أروقة الحي البسيط تتجلى قدراته ومهاراته رغم صِغر سنّه، ويبرز قدراته في تحريك وركل والتحكم بالكرة، وها هو حلمه يصبح سراباً الأن.
وقالت والدة صالح عن الوجع الذي يعتصر قلبها كلما نظرت إلى ابنها :"منذ أنجبت صالح وأنا أنظر إليه بعين أم تريد أن ترى ابنها صاحب مستقبل مشرق، زاد الحلم بعد أن لاحظنا قدرته العالية في لعب كرة القدم، حلمت أن أرى ابني لاعب مشهور، وكنت أشجعه وهو يلعب، الآن اختلف الأمر كلياً، فلعب كرة القدم مستحيل على طفل مبتور القدم وبات حبيس الكرسي المتحرك".
صواريخ الاحتلال التي تسببت في بتر قدم صالح، بترت معها قلب أمه وحلمها وحلمه، فمن الصعب عليها حتى الآن تقبّل أن يظلّ ابنها بلا قدم وهو بهذا العمر الصغير، تعقّب: "يخونني الكلام عند الحديث عن الوجع الذي حلّ في قلبي".
الكثير من التفاصيل المؤلمة تحتل قلب الأم التي يصيبها الأرق إن عانى ابنها من مرض عابر، فما بالك وقد فقد قدمه "غصة تصيب قلبي وكثير من الصرخات أكتمها" تقول الأم، فإصابة صالح أضافت تحدياً جديداً لحياتها، وعليها الآن أن تسعى لمواساته وحمايته ورفع معنوياته كي يظل قوياً ومبدعاً.
والد صالح أيضاً، انتهى حلمه برؤيته ابنه لاعب مشهور، ينظر إلى طفله محاولاً إخفاء دموعه ما لبثت أن خانته: "بأي ذنب يُحرم صالح من قدمه، هل خروجه مع إخوته لجلب احتياجات البيت جريمة يُعاقب عليها طفل لم يرى شيئاً من الحياة بعد!!".
ويكمل: "ذهبنا الأسبوع الماضي إلى البحر منفسنا الوحيد في قطاع غزة المحاصر، كنت أسترق النظر لصالح وهو ينظر إلى أطفال في عمره يلعبون على الشاطئ وهو غير قادر على الحركة، ومنهم من يركل كرة القدم بقدمه التي تعلو في الهواء وتعلو معها نظرات صالح، وأطفال يسبحون في البحر، ويلتفت إلينا ويبكي ويتساءل" أنا شو عملت ليبتروا قدمي!! "
هذا المشهد سيبقى غصة في قلبي، فكل الأحلام باتت قصيرة عندما رأيت صالح بهذه الصورة التي جعلتنا نبكي جميعاً، فصالح طفل يستحق اللعب والعيش كباقي أطفال العالم"، يصف والد صالح شعوره.
ما زال صالح يعاني من آلام شديدة نتيجة عملية البتر وجرح يده، أما وضعه النفسي فهو ليس بأحسن حال، إذ أنه لم يعد يشارك الأطفال في اللعب، وما زال ينتظر من أجل تركيب طرف صناعي يساعده على إتمام حياته.