كان مشهد النائب الدكتور أحمد الطيبي مع الفاشي المتطرف إيتمار بن غفير في قاعة الكنيست وإنزاله بالقوة من على منصتها مشهدا استثنائيا في أبعاده المعنوية حيث استوقفني بعدما نعته بن غفير بالمخرب ليرد عله النائب الطيبي باللغة العربية «إنزل» وأمر بإخراجه، هذا المشهد الذي لم يحدث من قبل إلا مع المناضل الدكتور أحمد الطيبي ذاته عندما تم إنزاله بالقوة من على ذات المنصة قبل سنوات عندما كان يهاجم الحكومة الإسرائيلية على سياساتها الفاشية تجاه شعبنا.
هذا المشهد الذي تكرر اليوم ولكن بصورة معكوسة لها أبعادها الإستراتيجية والنفسية، فمن كان سيصدق قبل ثلاثة وسبعين عام بأن هذا الشعب الذي شرد من أرضه ولوحق في مختلف بقاع الأرض وتم تجريده من كل شيء إلا من إيمانه بحقه في وطنه سيأتي اليوم الذي يتسيد فيه أحد أبنائه المخلصين قاعة الكنيست وسيأمر بطرد أحد عتاة المستوطنين الفاشيين الذي لطالما دافع في قاعات المحاكم عن إجرام عصابات المستوطنين بحق أبناء شعبنا وهو لم يتورع أبدا في الدفاع عن قتلة عائلة الدوابشة.
هذا المشهد الإستثنائي لم يكن معزولا عن الحالة العامة التي يتميز فيها الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية، فبرغم المخططات الكثيرة والمتعددة التي قامت بتنفيذها حكومات إسرائيل المتعاقبة على الفلسطينيين الرافضين للتهجير والأسرلة استمر بقاء أبناء شعبنا على أرضهم بل استطاعوا تطوير فلسطينيتهم بوسائل حديثة مبتدعة واليوم يثبت الفلسطينيون بأنهم على بعد سنوات قليلة من حسم المعركة لصالحهم إذا ما أحسنوا استغلال موقعهم الجغرافي والديموغرافي واستطاعوا كسر الحالة السائدة من التناقض الداخلي فيما بينهم، فهم الآن على بعد مسافة قصيرة من خلق واقع سياسي واجتماعي واقتصادي مختلف للفلسطينيين في الداخل.
ففي البعد التكتيكي يتحقق للفلسطينيين الكثير من الأهداف من خلال فرض حضورهم على الساحة السياسية الداخلية في إسرائيل التي تعلم جيدا حجم الخطورة المتحققة من إنتزاع الفلسطينيين لحقوقهم حتى وهم يعملون في إطار مؤسسات ما يعرف بدولة إسرائيل، وهي تدرك المعاني والأبعاد التي يحققها ذلك من المنظور الصهيوني وطبيعة المأزق التي يشكله هذا النجاح الذي تتعدد أوجهه فهو لا يقتصر على الجوانب السياسية بل إن له امتدادات اجتماعية واقتصادية وثقافية وتعليمية وهذا باعتراف المؤسسة الحاكمة في إسرائيل. عن “الدستور الاردنية”