أبدا لم يكن الفلسطينيين من أنصار معاداة السامية التي هي أصلاً ظاهرة اوروبية لا علاقة لنا بها بتاتاً وسبقت القضية الفلسطينية بمراحل عديدة وتتعلق بخلافات عرقية وأيديولوجية ليس للعرب والمسلمين بشكل عام مكاناً داخل جدالاتها.. لكن إصرار اسرائيل على ربطها بحق الفلسطيني في الدفاع عن ارضه وبإسكات وترهيب الأصوات التي تدعم هذا الحق وبتجريم من ينتقد دولة الاحتلال فهنا لابد من قول آخر..
الحادثة التي حصلت الاسبوع الماضي في معقل الدبلوماسية الامريكية شديدة الغرابة وتدعو للتساؤل ، حيث وجد صليباً معقوفاً “شعار النازيّة البغيض” محفوراً على الاطار الخشبي داخل مصعد في مبنى هاري ترومان في وزارة الخارجية الأمريكية .. وقامت الدنيا ولم تقعد صياحاً وتأكيداً واستنكاراً لهذا الفعل المشين من الوزير وحتى الغفير بعد هذا الاختراق الامني الهائل للمبنى العتيق شديد التدابير الامنية.
الجدير بالذكر أن الخارجية الامريكية قد تبنت ما يعرف بالتعريف الوظيفي لمعاداة السامية 2019. وهذا التعريف الوظيفي ما هو إلا توجيه مضلل جديد للتعريف التقليدي لمعاداة السامية وضعه ما يعرف بفريق العمل الدولي لاحياء ذكرى الهولوكست، حيث تمت إضافة (11 مثالا أو بنداً) تحدد معنى “معاداة السامية” من وجهة نظر الفريق الدولي الذي جاهد لجعل الدول والمؤسسات العلمية والأكاديمية تتبنى التعريف وتفسيراته الجديدة . والمشكلة لا تكمن أبدا في اعتماد تعريف معاداة السامية وإنما في البنود التفسيرية لها حيث أن سبعة منها تساوي بين انتقاد اسرائيل الاحتلالية ومعاداة السامية ، لأنها تتحدث عن اسرائيل كجماعة يهودية وتفترض أن جميع اليهود صهاينة، وأن دولة إسرائيل تجسد حق تقرير المصير لجميع اليهود. وفضلا عن ضلالية هذه التفسيرات فإنها تؤدي الى حظر أية أصوات تكتب أو تدعو للانخراط في أي عمل ينتقد عنصرية اسرائيل وسياساتها الاحتلالية ضد الفلسطينيين لما ستواجه من ملاحقات قانونية وعقاب بالفصل أو التهميش أو التشهير أو الحرمان من التمويل. فسلاح معاداة السامية عقاب جاهز لكل من تسول له نفسه انتقاد اسرائيل سواء كانوا اشخاصا او مؤسسات او جامعات وبالمجمل (مؤثرين في الرأي العام).
الحقيقة أن الجدل القائم حول معاداة السامية لم يتوقف يوما خاصة في الولايات المتحدة لكن الملاحظ أن منحنى صعوده يتزايد كلما تزايدت الاصوات التي تنتقد السياسة الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين. ونشهد عالميا تغير ملموس في الرأي العام الامريكي والعالمي من الموقف إزاء سياسات اسرائيل تجاه الفلسطينيين وصل الى الكونجرس ومشرّعيه الشباب من الفرع التقدمي من شأنه /إذا استمر بزخم وتم استثماره/ أن يحدث تغييرا نوعيا في السياسة الامريكية تجاه القضية الفلسطينية…
وبالعودة الى سر الصليب المعقوف في الخارجية الامريكية فمن يا ترى الذي يجرؤ على هذا الفعل الفاضح؟ ومن له مصلحة في رفع جعجعة هذه المسألة التي باتت ميتة في حكم التاريخ للتغطية على ارتفاع منسوب الصوت الداعم للحق الفلسطيني؟
وحتى نستطيع أن ننهي هذا الجدل فإنني أرجو أن يتم العمل حاليا من قبل المفكرين والقانونيين الفلسطينيين لوضع وإقرار تعريف “معاداة الفلسطنة- Antipalistinism ” وهي تجريم كل من يدعو أو يشارك أو يبرر حرمان الفلسطينيين في العالم من حقهم الشرعي والديني والتاريخي والقانوني والانساني في انشاء دولتهم الحرة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وذلك أسوة بمطالبات السيد جاريد كوشنر الذي أعلن مسبقاً أن معاداة الصهيونية هي ذاتها معاداة السّامية، كما أدعو اليهود في جميع انحاء العالم للتفكير بشكل حضاري ومختلف لتبني هذا التعريف حتى نعمل سويًّا من أجل محاربة معاداة السّامية!!