قبل بضع سنوات كنت استمع باهتمام لخطاب سياسي لأحد القيادات الفلسطينية الوازنة عن انتصار مسيرة السلام الفلسطينية التي انتهت بتوقيع اتفاقية اوسلو خريف 1993 في حديقة البيت الابيض بحضور الرئيسين الامريكي والفلسطيني ورئيس الوزراء الاسرائيلي انذاك ، كلينتون وعرفات ورابين ، وأن هذه المسيرة الشاقة ستؤتي أكلها اولا على آخر بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة عبر ما أسماه “التركيم” ، بمعنى اننا نراكم مجهوداتنا و مجهودات أخوتنا العرب واصدقائنا العالميين ، جهدا وراء جهد ، حتى نحصل على حقنا في اقامة دولتنا على الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967 .
كان واثقا ان هذا الشكل التركيمي سيقود الى قيام الدولة خلال سنة ، كان دونالد ترامب قد فاز في الانتخابات الامريكية ، وكان باراك اوباما قد انهى دورته الرئاسية الثانية بقرار في مجلس الامن يحمل الرقم 2334 يدين فيه الاستيطان لاول مرة في تاريخهما (الاستيطان وأمريكا) ، لكن ترامب لم يكن قد كشّر عن انيابه بعد .
سألت نفسي ، ماذا عن الموضوع التركيمي مع الآخر ، مع اسرائيل ، هل التركيم يسري علينا دون ان يسري عليها ؟ هل قانون طبيعي ومجتمعي وفكري ينطبق على البعض ويستثني البعض الآخر . وبعبارة اوضح ، هل تغلي مياه الآبار على درجة مئة و تتحول الى بخار ، دون مياه الانهار ، وهل يفقس بيض الدجاج بعد ان ترقد الام عليه دون بيض الحمام .
في الصفقة الجديدة التي كشفت عنها وسائل اعلام اسرائيلية برعاية امريكية لبناء ألفي وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية مقابل بناء الف وحدة فلسطينية في مناطق جيم ، فهذا “تركيم” للموافقة على بقاء بقية المستوطنات. و هو تركيم سلبي لم يبدأ من هنا بل منذ اوسلو وما قبل اوسلو ، منذ ان اسهمت منظمة التحرير في إلغاء صفة العنصرية عن الصهيونية التي اصبحت حركة تحرر قومي لما يسمى الشعب اليهودي ، كان يجب ان يقود هذا الى حق هذه الحركة في محاربتنا وقتالنا على اعتبار اننا من يحتل ارضها وشعبها ، او على الاقل هكذا هي تفكر وتعتقد ، ولهذا راكمنا موافقتنا للمرة الاولى على إبعاد 39 مناضلا فلسطينيا حوصروا في كنيسة المهد ، قيل انذاك ان ابعادهم سيكون مؤقتا لمدة سنة ، لكن احدا منهم لم يعد الى بيت لحم حتى اليوم . هذا التركيم قاد الى ان نقوم بإلغاء مجيء وحدة اممية للتحقيق في جرائم ارتكبتها اسرائيل وما زالت بحقنا صيفا وشتاء . تركيم اعترافنا بهذه الدولة قاد الى اعتراف غالبية العرب بها . تركيم غض الطرف عن الفساد الذي تجلى في صفقة الاسمنت المصري ، ادى بعد نحو ربع قرن الى صفقة اللقاح منتهي الصلاحية . تركيم مبادرة مبادلة ارض بأرض “مساوية لها في المساحة والقيمة” ادت الى ان نوافق على بناء الالفي وحدة جديدة ، ما اسماه عضو الكنيست العربي ايمن عودة انها محاولة تبييض للمستوطنات ، بل انني ارى فيها تبييضا للاستيطان والمستوطنات والمستوطنين على ارضنا مقابل بناء بعض الوحدات الفلسطينية ، على ارضنا ايضا .