لا يمكن وصف سيطرة حركة الطالبان على معظم محافظات أفغانستان إلا بفشل أو بالأحرى هزيمة أمريكا في حربها على ما أطلقت عليه (الإرهاب) التي كانت قد أعلنتها بعد هجمات الحادي عشر من ايلول العام 2001 التي وجهت خلالها القاعدة ضربة قاسية وموجعة لمكانة الولايات المتحدة الأمريكية الإقتصادية والعسكرية كإمبراطورية تتسيد العالم لوحدها.
وعلى أثر ذلك ربما يكون الجيش الأمريكي قد نجح في حربه غير المتكافئة على افغانستان في تدمير الدولة، وأسقاط حكومة طالبان التي كانت تحتضن القاعدة في تلك الفترة، وأنشأ حكومة جديدة معادية للقاعدة، وأعاد بناء مؤسسات الدولة الجديدة خاصة الجيش والشرطة والمخابرات على أسس محاربة الإرهاب، وكان قد سقط خلال تلك الحلاب الآلاف من الضحايا بين قتلى وجرحى، كما أنفقت واشنطن خلالها أكثر من 2,5 ترليون دولار.
اليوم وبعد مرور عقدين على بدء هذه الحرب تهرب أمريكا من أفغانستان، والأهم أن الجيش الذي أنشأه الأمريكان يتفكك وينهار دون قتال وتعود طالبان للسيطرة على البلاد دون إطلاق رصاصة واحدة، الأمر الذي يعني أن الإنتصار على (الإرهاب) الذي وضعته واشنطن على رأس أهداف إستراتيجيتها للأمن القومي في الفترة 2001-2016، هو غاية بعيدة المنال ولا يمكن تحقيقها ابداً وفقاً لخلاصات خبير الجيوبولتيك الأمريكي جورج فريدمان في كتابه الشهير الجمهورية والإمبراطورية في عالم متغير العام 2016.
من جهة، كثير هي الدول التي لم تخف قلقها مما يحدث في أفغانستان وتداعياته القريبة والبعيدة عليها، وتترأس إسرائيل قائمة هذه الدول، إذ أن الفشل الأمريكي في أفغانستان هو مجرد بداية الفشل في العراق وسوريا واليمن بل وفي المنطقة برمتها، الأمر الذي يهدد قدرة إسرائيل على ملء الفراغ الذي سينشأ في المنطقة على اثر خروج أمريكا من المنطقة وقد فشلت في تحقيق غاياتها فيها التي هي غايات إسرائيلية خالصة، لا سيما وأن الرعاية الأمريكية لإسرائيل لا زالت أحد ركائز نظريتها الأمنية، ولا يمكن للتحالف أو ألتطبيع العربي مع إسرائيل أن يحل محل أمريكا ومكانتها في العقيدة الأمنية الإسرائيلية.
ومن جهة أخرى يخرج سيطرة الطالبان على أفغانستان الأخيرة من دائرة النفوذ الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة ويمهد الطريق لإصطفافها في دائرة القوى المنافسة لأمريكا خاصة الصين وروسيا وإيران التي ترتبط معهم بحدود جغرافية طويلة ومصالح إفتصادية وسياسية وأمنية كثيرة، الأمر الذي سيكون له تداعياته على خطط إسرائيل الخاصة في تموضعها الإستراتيجي في النظامين الدولي والإقليمي اللذين لم يقفا على أقدامهما بعد.
ومن جهة ثالثة تضع التطورات المتسارعة في أفغانستان كثير من المسؤولية على حركة الطالبان، فهل ستعيد إنتاج نظام ما قبل الحرب؟ أم ستشرع في بناء دولة إسلامية تكون هي الثانية في المنطقة بعد إيران؟ ربما من المبكر الإجابة على هذه الأسئلة ولكن من المؤكد أن حركة الطالبان لن تعيد إنتاج نظام ما قبل العام 2001، وستركز على بناء دولة ناجحة لا تحمل أي من التهديدات لجيرانها أو للنظامين الدولي والإقليمي.
وفي الختام تجدر الإشارة هنا أن إسرائيل كانت قد حققت نجاحاً ديبلوماسياً ملموساً بصدور قرار من رئيس المنظمة في شهر تموز الماضي بقبول إسرائيل عضو مراقب في منظمة الإتحاد الإفريقي بعد محاولات إستمرت لعقدين من الزمن، وصحيح أن هذا القرار ينتظر مصادقة الجمعية العامة للمنظمة وسط معارضة دول وازنة في المنظمة إستنادا إلى أن موجبات عدم القبول لا زالت قائمة وفاعلة، إلا أنها بالمقابل خسرت أفغانستان، الأمر الذي يتطلب من الديبلوماسية الفلسطينية عدم الإكتفاء بإحالة ما يجري لفكر المؤامرة وعليها بذل النصيب الأكبر من جهدها وممكناتها في الساحة الديبلوماسية التي هي أكثر شراسة في هذه اللحظة من الزمن من ساحة الحرب والقتال.