في منزل عائلته في غزة، لقي الطفل (ع-ق) مصرعه بعد تعرضه لضرب مبرح من قبل أقاربه، بدعوى تهذيبه وتربيته. وفي تفاصيل الجريمة تم تعنيف الطفل (وعمره 15 عاماً) وضربه بطريقة قاسية من قبل أخواله، وقد سبق أن خضع الطفل لجولات تعنيف وتعذيب أخرى، بمشاركة عدد آخر من أقربائه، إذ تم ضربه بالعصي وخراطيم مياه على أطرافه السفلية، إضافة لنزع أظافره بآلات حادة. وفي آخر جولة تعذيب سقط مغشياً عليه، وخلال نقله للمستشفى عرف ذووه بأنه فارق الحياة، فألقوه أمام إحدى المستشفيات وفروا هاربين.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض أطفال وفتيات لضرب يؤدي إلى وفاتهم، فقد سبق وقُتل طفل في ظروف مماثلة قبل عدة أشهر، إضافة لفتاة من وسط القطاع قبل عام ونيف، وزوج قتل زوجته من عائلة شكشك في ظروف مشابهة قبل نحو عامين. (الأيام 9-8-2021).
بتاريخ 10-7-2021، ألقى شاب من سكان غزة يبلغ 21 عاماً بطفله الرضيع (سنتين) من الطابق الثاني، ما أدى لمقتله على الفور، وذلك على إثر خلافات عائلية.
وبتاريخ 25-4-2020، عُثر على طفل رضيع، من شمال غزة، مقتولاً في شقة والده، وعلى جسده آثار تعذيب شديد. وتبين أن القاتل قام بتنفيذ الجريمة انتقاماً من الأب، حيث استغل خروج الأم من المنزل وقام بتعذيب الطفل الرضيع حتى الموت.
وفي 22-11-2019، نشر صحافي فلسطيني فيديو يظهِر آثار تعذيب على جسد طفل في رفح جنوب القطاع، وبحسب شهود عيان فإن والد الطفل وزوجته قاموا بتعذيبه مع شقيقته البالغة من العمر 27 عاماً، والتي تم سجنها داخل غرفة لمدة 10 سنوات متتالية، أما الطفل فسُجن في «خم الدجاج»، وقد ظهرت عليه علامات التعذيب بالنار والسكين، حيث تعرض للضرب بعصي «الطورية»، ما تسبب بفقدانه البصر في العين اليمنى، إضافة إلى إصابته بالسكري والضغط.
وبتاريخ 21-6-2017 في غزة أيضا قُتل الطفل (م.أ)، البالغ من العمر (13 عاماً)، بعد تعرضه لضرب مبرح من عمه (زوج والدته) حيث وصل إلى مستشفى الشفاء جثة هامدة وعليه آثار تعذيب.
وبتاريخ 3-12-2009، تعرض الطفل أحمد موسى (10 أعوام) للتعذيب حتى الموت، في مخيم النصيرات، وحسب بيان «مؤسسة الضمير» فقد تم تعذيب الطفل وضربه على رأسه حتى الموت على يد أحد أقاربه. وقد عثر على جثته ملقاة في حظيرة للمواشي تعود لأحد أقاربه، وكانت مقيدة اليدين إلى الخلف بسلك حديدي، وعلى الرأس آثار ضربات ودماء، فيما كمم فمه بشريط لاصق.
وفي 2014، توفيت الطفلة (س.ن.م)، من غزة، وعمرها 17 عاماً، وقد ماتت تحت التعذيب، وهذا التعذيب لم يكن وليد لحظة غضب انفعالي؛ بل كان فعلاً مستمراً عن سبق الإصرار، في كل مرة كان الأب يضربها بشكل وحشي، وبحضور ومشاركة زوجته الثانية (أم الطفلة مطلقة)، وكانا بعد كل وجبة تعذيب يتركانها دون علاج، فتنـزف قدماها حتى تتقيح جروحها، إلى أن تعفنتا تماما، وأصيبتا بالغرغرينا.
وضمن حلقات العنف المستشرية في غزة اعتدى ستة أفراد من حماس على الطفل أدهم أبو عنزة (13 عاماً) داخل أحد المساجد جنوبي القطاع (20-8-2018)، مستخدمين أحزمة بلاستيكية وكابلات الكهرباء والعصي، والضرب بالأقدام على جميع أنحاء جسده، بعد أن ربطوه بأحد الأعمدة لساعات طويلة.
وبالتأكيد لدينا عشرات الحالات المماثلة في مختلف مدن الضفة الغربية، مثل الضرب المبرح، والتعنيف بأنواعه، والحبس المنزلي، والحرمان من الطعام، أو من المصروف، والعنف اللفظي والنفسي والتوبيخ والتهديد، وأيضاً حالات تعذيب وحشية أدت إلى الموت. والمجال لا يتسع لسرد المزيد من الأمثلة، وقد ذكرتها في مقال سابق.
إذا أردت أن تعرف من أين أتوا بكل هذه القسوة؟ فالجواب في تفشي العنف على كافة المستويات، وبمختلف الأشكال، فقد أشارت بيانات مسح العنف في المجتمع الفلسطيني، أنّ 25% من الأطفال في الفئة العمرية (12-17 سنة) تعرضوا لأحد أنواع العنف في المدارس، بواقع 19% في الضفة الغربية، مقابل 34% في قطاع غزة. كما تعرض 24% من الأطفال للعنف في الشارع (18% في الضفة، و32% في غزة).
أما في المنزل، وحسب تقرير الجهاز المركزي للإحصاء، فإن 68% من الأطفال تعرضوا للعنف الجسدي، و26% تعرضوا لعنف جسدي حاد، و 79% لعنف نفسي ولفظي.
وبالنظر إلى تلك الجرائم، نجد غالباً الحجة الجاهزة «تربية الطفل»، وهي حجة فارغة، ومبرر سخيف. وفي الحقيقة أن دافع التعنيف ليس التربية، بل هو تفريغ الغضب والكبت ضد الطرف الأضعف.. فمن أراد التربية حقاً، هناك عشرات الأساليب الإنسانية، وليس من ضمنها التعنيف، أو التوبيخ والتهديد.. لأن التعنيف يسبب للطفل اضطرابات نفسية، واضطرابات في الشخصية والسلوك.
ومشكلة الطفل أنه لا يملك القدرة للدفاع عن نفسه، ولا حتى توضيح وجهة نظره؛ والطفل الذي يسيء أبواه معاملته لا يتوقف عن حبهما، بل يتوقف عن حب ذاته، ويدمن على لوم نفسه، حتى يفقد ثقته بنفسه، فيصبح معقداً وانطوائياً، أو يتحول إلى شخص عنيف ومتطرف.
والعنف ضد الطفلات (والنساء عموماً) سببه الحقيقي النظرة الدونية للمرأة، بوصفها ناقصة، وأنها تمثل «شرف العائلة» المرتبط تحديداً في نصفها السفلي، وأنها ملكية خالصة للأب والزوج والأخ (الذكر) الذي من مسؤولياته تربيتها بأي وسيلة يراها مناسبة، ليضمن عدم خروجها عن الخط المرسوم، وله الصلاحيات الكاملة في ذلك، بدءاً من ضربها، وحتى ذبحها..
لحل هذه المشكلة الخطيرة نحتاج فوراً إلى إقرار «قانون حماية الأسرة»، ثم البدء بمعالجة أسباب العنف والكبت المجتمعي، ثم تغيير نظرتنا للأطفال، وإدراك أنهم ليسوا ملكية لنا، بل هم أبناء الحياة، ومن حقهم أن يخطئوا..
في أميركا مثلاً، إذا تعرض الطفل لأي عنف من أهله، تقوم السلطات المختصة بأخذه، وتربيته بعيداً عنهم، وقد تصل إلى حرمانهم منه إلى الأبد.. وتلك عقوبة قاسية جداً.. لكنها برأيي أفضل مائة مرة من ترك الطفل يتعذب ويعيش ظروفاً مهينة وقاسية مع أب ظالم متوحش، وأم سلبية وجاهلة.. لأن مثل هؤلاء لا يستحقون نعمة الأطفال. ومن واجب الدولة حماية الأطفال من بطش ذويهم، مهما كانت مبرراتهم.