في تداعيات الزلزال الأفغاني

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

بقلم: طلال عوكل

أحدث الزلزال الأفغاني ارتدادات واسعة في المحيطين المجاور والبعيد، نظراً لتوقيته المفاجئ كما يعترف أمين عام حلف «الناتو». وبالرغم من الوجود الأميركي والغربي المكثف في أفغانستان، وما تمتلكه كل هذه الدول العظمى من إمكانيات استخبارية، إلا أن هذا المسؤول يعترف بفشل كل هذه الأطراف، التي لم تتوقع حسب قوله انهيار الحكومة وأجهزة الأمن الأفغانية بهذه السرعة.
العالم الغربي مرتبك وقلق إزاء النتائج التي آلت إليها الحملة العسكرية التي شنت بقيادة الولايات المتحدة قبل عشرين عاماً، وانتهت إلى أوضاع أكثر سوءاً مما كانت عليه الأحوال قبل الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 بحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية، حين قرر الرئيس الأميركي الأسبق جورج ـ الابن، الانتقام لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، أو انه تذرع بذلك، لاحتلال دولة وسط آسيا بالقرب من الحدود مع الصين ومع روسيا الاتحادية، دون أن يكون قد قرأ التاريخ واستخرج دروسه.
كانت أفغانستان مقبرة للاحتلال البريطاني، قبل أن تتحول إلى مقبرة أخرى مأساوية للوجود العسكري للاتحاد السوفياتي، الذي شكلت هزيمته تلك انهيار الدولة الموازية من حيث القوة للولايات المتحدة، وانهيار منظومتها الاشتراكية. قبل أن تكون طالبان القوة الرئيسة في النضال ضد الغزو الأجنبي، لم يكن الصراع بين «الإسلام السياسي» وتلك القوى وإنما كان طابع نضالها وطنيا تحرريا، وهو كذلك، اليوم، أيضاً بعد، أن هيمنت حركة طالبان على المشهد السياسي في البلاد.
ومثل ذلك، لم يكن انتصار الحزب الشيوعي الفيتنامي على الجيوش الأميركية أمراً يتعلق بموضوع الخيار الفكري، أو الاقتصادي الاجتماعي، فلقد كان الأمر يتصل بحركة تحرر وطني تناضل من اجل طرد الاستعمار الخارجي. اليوم، الدولة الأعظم حتى الآن، تتجرع مرارة كأس الهزيمة، وأي هزيمة بعد أن شنت حرباً مع حلفائها، استخدمت خلالها، وجربت أقوى أنواع الأسلحة والمعدات التدميرية.
يستطيع رئيس الوزراء البريطاني أن يتحدث أمام مجلس العموم البريطاني عن إنجازات حققتها بلاده والقوى الحليفة تتعلق بالمرأة، والتنمية وحقوق الإنسان لكنه لا ينجح في تبرير الهزيمة، ولا يجرؤ على الحديث عن غياب الأمن والأمان في بلد واجهت خلاله القوات الاحتلالية، مقاومة متصاعدة منذ اللحظة الأولى لوجودها على الأرض.
مئات مليارات الدولارات، وآلاف الضحايا، ودمار الكثير من المعدات العسكرية، انهارت دفعة واحدة دون أن تمهل المنسحبين لاستكمال خروجهم من البلاد، وهم يعتقدون انهم يتركون خلفهم نظاما وجيشا قادرا على حفظ الأمن، وحماية مصالح الحلفاء المحتلين.
بصراحة، من الصعب تصور انهيار جيش أنشأته الولايات المتحدة ومكون من ثلاثمائة ألف جندي أفغاني، وحكومة مدعومة أيضاً بأجهزة أمن قوية، صرفت عليها مئات مليارات الدولارات للتجنيد والتدريب والتعليم، مع استمرار الدعم الأميركي والغربي.
لكنها الحقيقة، التي ينتظرها الطامعون في خيرات البلاد الأخرى وتوظيف مقدراتها لصالح استراتيجياتهم في الهيمنة على الشعوب، ومنع تطورها، واستقلالها، وتوظيف قدراتها، ومميزاتها، في صراعها مع قوى أخرى تنافسها مركز القوة.
المشكلة الأساسية ليست عند بايدن وإدارته الديمقراطية، الذي شرع في ترميم ومعالجة سياسات الجمهوريين المتهورة، سواء خلال مرحلة بوش الابن أو ترامب، ذلك أن الولايات المتحدة تحصد ما زرعته سياسات استعمارية، تستند إلى عنجهية القوة.
في إسرائيل، أخذت ترتفع الأصوات التي تتساءل عن مدى قدرة الدولة على الصمود فيما لو تخلت عنها الولايات المتحدة كما فعلت وتفعل مع أفغانستان. هو تساؤل مشروع تجيب عنه أيضا أسئلة كثيرة مطروحة منذ زمن وتتصل بمدى قدرة إسرائيل على البقاء والصمود لأطول فترة ممكنة في حال تخلت عنها الولايات المتحدة، على المستوى القريب حيث تنسحب أميركا من منطقة الشرق الأوسط، وعلى المستوى البعيد حين تخلي الولايات المتحدة موقع القوة الأعظم لصالح الصين.
الدول والمجتمعات الطبيعية ذات العلاقة بالوجود التاريخي ضمن جغرافيا معينة، لا تعيش مثل هذه الهواجس والمخاوف التي تظهر بين حين وآخر، في إسرائيل التي تتدهور أوضاعها يوما بعد الآخر بسبب طبيعتها الاحتلالية الاستعمارية، وبسبب طبيعتها العنصرية.
من المخجل للدول الاستعمارية أن تتباهى بنجاحها في إخلاء دبلوماسييها ورعاياها من أفغانستان، واستعدادها لاستقبال المتعاونين معها من الأفغان، فضلاً عن استعدادها لاستيعاب آلاف وربما عشرات آلاف الهاربين والمهاجرين.
الخطاب الأميركي والغربي عموماً يتسم بالرجاء وباستعطاف حركة طالبان التي عليها أن تواصل المفاوضات والحوار من اجل الانتقال السلس والسلمي للسلطة، والامتناع عن استخدام أراضيها لمرور الجماعات المناهضة للوجود الأميركي والغربي في المنطقة. هذا هو المهم بالنسبة لهؤلاء وليس خطاب حقوق الإنسان والمرأة، والتنمية، سوى تبرير زائد بالنسبة لحركة إسلامية تطبق الشريعة الإسلامية. ولعل الأهم من كل ذلك، ويغيب عن تصريحات المسؤولين الأميركيين والغربيين، يتصل بطبيعة دور أفغانستان اللاحق فيما يتصل بالعلاقة مع إيران، والصين وروسيا، وأي دور ستلعبه في الصراع مع الولايات المتحدة وحلفائها.