«وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» تخبرنا هذه الآيات القرآنية من سورة البقرة عن قصتهما بشكل مجمل غير مفصل.
ولما كان لا يوجد في الأحاديث الصحيحة بيان عن قصة هاروت وماروت ولا كلام عن مهمتهما في بابل كما روى القرآن، فقد تعددت الأقاويل وتنوعت الأساطير ونسجت الإسرائيليات حول قصتهما.
أورد الدكتور عبدالفتاح صلاح الخالدي في كتابه قصص السابقين في القرآن قولاً في قصتهما يتجاوز به كل ما أثير حولهما من أساطير وإسرائيليات لا نعلم مدى صحتها وهذا ما قاله نصًا في كتابه «يشير القرآن إلى أن الله سبحانه وتعالى اختار ملكين هما هاروت وماروت وأهبطهما في بابل وهي مدينة عراقية وكان ملكاها حمورابي ونبوخذ نصر ولا ندري لماذا أنزلهما ومتى كان النزول».
ويضيف «ويبدو أن لمهمتهما في بابل صلة بالسحر، ومعروف أن السحر كان منتشرا في بابل ولعله انتشر على أيدي اليهود الذين سباهم الملك البابلي نبوخذ نصر إليها، ويبدو أن اليهود أو غيرهم ممن كانوا يمارسون السحر أفزعوا الناس وأرهبوهم بالسحر فأخضعوهم لهم فكانت مهمة هاروت وماروت في بابل متعلقة بالسحر والسحرة وإزالة ما علق في نفوس الناس من هلع وفزع فكانا يعلمان الناس في بابل السحر ويكشفان حقيقته ويزيلان الهالة الضخمة المرسومة حوله».
ويتابع: «لكنهما كانا يعلمان السحر لكشف حقيقته وتحذير الناس منه لا ليتعلموه ويمارسوه ويعملوا به ولهذا كانا لا يعلمان من أحد حتى يقولا: إنما نحن فتنة فلا تكفر، وانتهت مهمة الملكين ببابل وصعدا إلى السماء ملكين كريمين كما نزلا منها ملكين كريمين».
ويردف «الخالدي» في كتابه «ولكن أهل بابل لم يأخذوا بنصيحة الملكين بل استغلوا تعليمهما السحر لهم في الشر والفساد وصاروا يمارسون السحر ويفرقون به بين المرء وزوجته»، ولكن يظل ما قدمه «الخالدي» في كتبه مجرد اجتهاد لم تثبت صحته وتظل قصة الملكين هاروت وماروت غامضة لعدم وجود أدلة قاطعة من السنة تفصل ما جاء في القرآن عنها.