معادلة… التحرير الحزين

حجم الخط

بقلم : حمدي فراج

من ينظر في وجوه الناس في افغانستان عقب تحرير البلاد من ربق المستعمر الامريكي ، لا يستطيع ان يرى ابتسامة واحدة تعلو المحيّا ، كلهم تقريبا عابسون ، غاضبون ، خائفون ، قلقون ، هلعون و هرعون ، ما لا يتوافق ابدا مع حالة التحرير والانتصار ، ناهيك عن القرار الذاتي الذي امتلأت به قلوب الالاف بالرحيل والهجرة من الوطن الى غير رجعة ، الوطن الذي لا يشعر معه المواطن بالحرية ، يبيعه اصحابه في اول منعطف ، او يناضلون من أجله في اول منعطف ايضا .
وصول “طالبان” الى الحكم مرة أخرى في البلاد ، هو منعطف خطير ، لا يقل اهمية عن منعطف رحيل المستعمر الاجنبي بتفاهم تتضح خفاياه شيئا فشيئا بينهما ، رغم التباعد العقائدي والاخلاقي ، ولكن ، من قال ان امريكا لها مباديء وأخلاق خارج منطقة المصالح والسوق .
النضال ضد “طالبان” يجب ان لا يتأخر كثيرا ، بل يجب ان يبدأ من اليوم الاول التي اعلنت فيه الانتصار والتحرير ، لأنها نفسها لم تتأخر في إنزال العلم الوطني مقدمة لرفع العلم الطالباني ، و اعلانها انها معادية للديمقراطية وانها ستحكم وفق الشريعة ، فهل الشريعة تعمق التمييز ضد المرأة ، التي تشكل نصف المجتمع ، وحين قال رسول الشريعة ان الناس سواسية كأسنان المشط ، هل كان يستثني منهم المرأة ؟ وهل المواطنة في افغانستان تقتصر على الطالبان دون غيرهم ؟ وحين قال صاحب الشريعة : يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، هل كان يقصد المسلمين فقط ؟ أليست مفردة “ناس” تعني كل من خلق على وجه البسيطة ؟ وحين قال ان أكرمكم عند الله أتقاكم ، لماذا لم يقل ان أكرمكم عنده ، سنيّتكم او شيعيّتكم او درزيوكم او داعشيوكم . يفخر المسلم بروحية “سواسية الناس” و أخلاقية “الاكرم عند الله هو الأتقى” ، بالقدر الذي يخجل فيها مما ارتكبه هؤلاء التكفيريين باسم الاسلام .
لا تعتبر أفغانستان ، أكثر من بقعة صغيرة في جغرافيا المعمورة التي يناهز تعداد دولها المئتين ، كيف ستسطيع طالبان بعقلية قانون البرقع للمرأة واللحية للرجل ان تقيم علاقاتها مع بقية الدول والشعوب والامم ، يتبعها بالطبع الرجم والجلد وقطع اليد ، ومنع تعليم المرأة بقطع اصابعها واغتصابها “على سنة الله ورسوله” و تدمير الاثار على انها اصنام .
إن هذا ليس استباقا في الحكم على الحركة من انها لن تتغير عما كانت عليه قبل عشرين سنة ، فكل شيء يتغير وقابل للتغيير ، ولكن هذا لا يمنع الشعب من ان ينتزع حقوقه الطبيعية والاساسية كصاحب البلاد وصاحب السلطة ، لا طالبان ولا غيرها ، وان اقصر الطرق لتحقيق ذلك هو النضال ضد مثل هذه الحركات الدينية العدمية واعادتها الى جادة صوابها .
قبل نحو 30 سنة ، خرج الناس في فلسطين فرحين بالسلام ، زرعوا اغصان الزيتون والورود على جيبات الاحتلال ، وقبلها بحوالي 30 – 50 سنة خرجوا في معظم الشوارع العربية فرحين بالاستقلال الوطني ، من ينظر اليوم الى لبنان تونس اليمن المغرب السودان السعودية الاردن … الخ يكتشف انه ليس اكثر من استقلال وهمي .