يزداد الحديث مؤخراً عن خطوات بناء الثقة Confidence Building Measures CBMs بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. سمعنا الأسبوع الماضي مقترحا اسرائيليا للموافقة للفلسطينيين لبناء حوالي ٨٠٠ -١٠٠٠ وحدة في المناطق المسماة (ج)، مما أدى إلى تفاعل مع هذا الاقتراح ودار جدل حول نوايا إسرائيل من وراء هذا المقترح. هناك عدد من الحقائق التي سنتطرق لها اليوم قبل النظر إلى هذه الخطوة على أنها إجراء لبناء الثقة. بينما تقترح إسرائيل السماح بالبناء في مناطق مصنفة كمناطق “ج” في الضفة الغربية، في المقابل صرحت وصادقت إسرائيل على بناء ٢٢٠٠ وحدة استيطانية جديدة على أراضي الضفة الغربية! البناء الفلسطيني في المناطق المصنفة على أنها “منطقة ج” في الضفة الغربية هو حق مشروع للفلسطينيين بينما المستوطنات غير قانونية حسب قرارات الشرعية الدولية وآخرها قرار مجلس الأمن ٢٣٣٤. العنصرية والاضطهاد والتطرف في الحكومة الاسرائيلية لن تسمح بمرور هذا المقترح. وبالرغم من ذلك إن فكرة تقديم هذا المقترح بالتزامن مع ترخيص وحدات استيطانية جديدة هو عبارة عن مقايضة او سياسة Tit 4 Tat التي تحاول أن تساوي حق الفلسطينيين المشروع في البناء/ الاستثمار في المناطق “ج” مع بناء المستوطنات غير القانونية، وهذا غير مقبول. حتى المناطق المصنفة على أنها مناطق “ج” في الضفة الغربية المحتلة، 60٪ منها تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل خلافًا للاتفاقيات الموقعة التي كان من المفترض أن تنقل السيطرة الكاملة في مناطق أ ، ب ، ج إلى السلطة الوطنية الفلسطينية بحلول عام 1999. على الجميع ألا ينسى في أيار ٢٠١٨، صدر أمر عسكري اسرائيلي رقم ١٧٩٧، يسمح بهدم أي مبنى فلسطيني يقام في مناطق “ج” خلال ٩٦ ساعة من إنشائه، أتساءل هل تم نقض هذا الأمر العسكري ؟! بالتأكيد لا، إذاً اسرائيل تراوغ وتحاول الالتفاف والدوران حول الحقائق المُرّة المفروضة على الأرض وتقديم هكذا مقترحات لتظهر أمام العالم والوسيط الامريكي بأنها تقدم خطوات لبناء الثقة تمهيداً للتسوية السياسية، وفي الواقع هي مستمرة في سياسة التهويد والضم. منذ بدء عملية السلام في مطلع التسعينيات تم بناء ٣ أضعاف، اي أكثر من ٢٠٠ مستوطنة و ٤٣٢ بؤرة استيطانية في الضفة الغربية والقدس، تستوعب أكثر من 711000 مستوطن. مع أن القانون الدولي واضح بأن الاستيطان غير شرعي ومرفوض في كل القرارات والشرعيات الدولية، لكن لا أحد يحرك ساكناً لمحاسبة اسرائيل، بالمقابل المناطق “ج” هي جزء من ٢٢٪ الذي قبل الفلسطينيون ان يقيموا عليها دولة حسب اتفاقيات السلام ولا يسمح للفلسطينيين بالاستثمار أو التنقيب عن الغاز أو النفط في هذه المناطق. حان الوقت للدول الأعضاء في مجلس الأمن للامتثال بالتزاماتها الأخلاقية والقانونية. يجب على الفلسطينيين أن يطلبوا من الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي الاحتجاج بتفعيل المادة ٢٥ من ميثاق الأمم المتحدة التي تلزم الدول الأعضاء بالامتثال لجميع قرارات مجلس الأمن، لصالح الفلسطينيين ٨٦ قرارًا من مجلس الأمن، و ٧٠٥ قرارات جمعية عامة، علينا مطالبة أعضاء الأمم المتحدة باحترام التزاماتهم القانونية والاخلاقية. في ظل استمرار سياسة الاستيطان ومصادرة الاراضي، علينا كفلسطينين ان نُطالب بإنهاء الاحتلال وبتحديد حدود الدولتين لأن الضم مستمر بحكم الواقع، حيث تقف المستوطنات كأساس للمشروع الاستعماري الكولونيالي الذي لم يترك مكاناً للحقوق الفلسطينية. بينما يدور الحديث عن تدابير بناء الثقة وعن السلام في الشرق الأوسط، ومع تزايد الضغوط العربية والاقليمية على الأرض، نشهد المشروع الاستعماري الاستيطاني مستمر، وعمليات التهجير القسري مستمرة وتتواصل المداهمات والاعتداءات والقتل المستهدف بشكل متكرر والتي ترقى جميعها إلى جرائم حرب ضد الإنسانية، تجريها السلطات الإسرائيلية على أساس منتظم ضد الشعب الفلسطيني ولا تزال إسرائيل تتمتع بالحصانة وبالإفلات من العقاب. خطوات بناء الثقة تُترجم بتنفيذ الشرعية الدولية بدلاً من غزل الحقائق من قبل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بلغة ناعمة من الدبلوماسية القسرية الجادة. -د. دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية. |