بقلم: أحمد زقوت

عودةُ طالبان والواقِعُ المُختلف

أحمد زقوت
حجم الخط

غزة - وكالة خبر

مَرّت "الجماعاتُ الجهاديةٌ" في أفغانستان بالعديد من المراحل والتطورات، حيث برزت حركةُ "طالبان" ثم أخفقت ثم عادة لتُسيطر وبقوةٍ على أفغانستان واليوم حديث العالم ويُعتبرُ من أحد أهم الأحداثِ السياسيةِ الساخنةِ، وقد يكونُ من الضرُوري الرجُوعُ قليلًا لفهم ما كان يجري بالساحة الأفغانية قبل أحداث 11 سبتمبر وإعلانُ الولايات المُتحدة الأمريكية الحربَ على "الإرهابِ"، تحديدًا عند الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979م، الذي شكل عاملٌ مُهمًا في ظُهور "الجماعاتِ الجهاديةِ" فيها.

خلال تلك الفترة تشكلت العديدُ من الجماعات والأحزاب التي قادت المُقاومة ضد السوفيتيين قدر عددُها آنذاك بحوالي "80" جماعة"، واتخذت منطقة "بيشاور" في باكستان نُقطةً وتمركُزَ وانطلاقًا لعملياتها، وبعد ذلك تم دمجُهُم في سبعِ مجموعاتٍ سُنّيَّةٍ رئيسيةٍ، وفي ذلك الوقت وجدت أيضًا جماعاتٌ "شيعيةٌ" ذات التَّوَجُّهِ الإسلامي، وتسلم الحزبُ الديمُقراطيُ الشعبي برئاسة "نجيب الله" السلطة واستمر ما يزيدُ عن عامين بعد انتهاء الحرب وانسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان.

وبعد سُقوطِ الحزبِ الديمقراطي الشعبي عام 1992م، دخلت فصائلُ "المُجاهدين" العاصمةُ كابُول والذي تحولت بينهُم بعد الاستيلاء عليها إلى حربِ أهليةِ للوصولِ للحُكمِ والسُلطةِ والسيطرةِ، نشبت الحربُ بين الحزب الإسلامي بزعامةِ "قلب الدين حكيمتار" والجمعيةِ الإسلاميةِ بزعامةِ "برهان الدين رباني"، وامتدت حتى ظُهور حركةِ "طالبان" عام 1996م وسيطرتها على أفغانستان، ثم طردها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001م، حتى عودتها الحالية بعد الانسحاب الأمريكي وفقًا لاتفاق تم توقيعه بالدوحة مع طالبان، ويمهد لمفاوضات مباشرة بين حكومة كابول وطالبان.

 ذكرت نُبذةٌ بسيطةٌ حول الحالةِ السياسيةِ لدولة أفغانستان أبان الاحتلال السوفيتي، وهنا لا أُريدُ التحدُّث عن نشأة وأصل أو أهداف وفكر حركة طالبان، ثمة أسئلةٌ كثيرةٌ نُريدٌ الإجابةَ عليها، ماذا تُريدُ طالبان؟ هل ٍتغيرت سياسةُ طالبان بعد عشرين عامًا من القتال؟، هل من المُمكنِ قبولُها على الصعيد المحلي "الشعبي" والدولي؟

قبل معرفةٍ ماذا تُريدُ يجبُ معرفةُ أن طالبان أو القاعدة أو حتى داعش تسعى كل جماعةٍ منهُم إلى إقامةِ "أمارةٍ إسلاميةٍ" في المناطق التي يُسيطرُون عليها، فالخُبراءُ في شُؤونِ الإرهاب، وأبرزهم الفرنسيان أوليفييه روا وجيل كيبل، يُميزونَ بين نوعين من حركاتِ الإسلامِ السياسي: النوعُ الذي لهُ مشروعٌ وطنيٌ ضمن حُدودٍ جغرافيةٍ ويُسمّون "طالبان" و"حماس"، والنوعُ الذي لهُ مشروعٌ عالميٌ مثل "داعش" و"القاعدة"، إذن طالبان حركةٌ محليةٌ وإقليميةٌ وليس عالميةً كالقاعدة وداعش، وتسعى لتطبيق " الشريعة الإسلامية" وفقًا لمرجعيتها الدينية وأيدُولُوجيتها الفكريةِ على أرضِ أفغانستان التي سيطرت عليها.

من المعروفِ في علم السياسة التغييرُ هو الثابتُ الوحيدُ، لذلك حركةُ طالبان خاضت تجارب في الحُكمِ وأن كانت قليلةً، فما كان قبل 11 سبتمبر ليس ما سيكُونُ في المرحلةِ القادمةِ، حيث استفادت من تراكُمِ خبراتها وربما ستتفادى التَّدخُّلُ في شُؤونِ دُولٍ أخرى، كما صرح المُتحدثُ باسمها" الجماعةُ لن تسمح باستخدام أفغانستان، كقاعدةٍ للتآمُرِ ضد أي دولةٍ أخرى".

 أما بالنسبة للحُكمِ فقد تُبدي مُرونةً أكبر للخُرُوجِ من "عُنقِ الزُجاجة" بمُشاركةِ شخصياتٍ وجماعاتٍ أفغانيةٍ من أهلِ الاختصاصِ والخبرةِ والتعاونِ مع جميع مُكوناتِ وفئات الشعب لدفع عجلة الدولة بشكلٍ أسرع، والحوار السلمي نُقطةً مُهمةً في توفير الاستقرار والسلم لأفغانستان خاصةً بعد 20 عامًا من القتال الدامي، فقبل 25 عام كانت الحركةُ "الأمارة" جديدةً على الحُكمِ أما الآن فلديها من الخبرةِ والتجربةِ المُفيدةِ ما يُمكنُها من التعامُل والتعايُش مع الأحداث المُختلفة حولها.

عودةُ طالبان للحُكمِ بالطبع أثار مخاوف الشعب الأفغاني نظرًا لمرجعيتها وفكرها، وتجربة 1996م شاهدةً على ذلك عندما أعلنت "الإمارةُ الإسلاميةُ" عقبِ السيطرةِ على الحُكمِ، فكل شيء يتغير فقبل 25 عامًا ليس كما اليوم، فلابد من تغييرٍ في القوانينِ لصالحِ الشعبِ الأفغاني بما يُحققُ الاستقرار والتعامُل بحذرٍ مع الواقع المُختلف عن الحُكمِ السابق..

أما على صعيد القبول الدولي لا يندرجُ إلا تحت تقييم نوايا الحركة في التعامُل مع مُحيطها، وإعطائها فُرصةً للتغييرِ، وإن كانت الولايات المُتحدة لا تنسحبُ إلا بهدفٍ خفيٍ، وقد يكونُ إعادةُ حربٍ أهليةٍ بين أبناءِ الشعبِ الأفغاني أو بين الجماعاتِ الجهاديةِ المُختلفةِ من أحدِ أهدافها، لذلك على طالبان فهم الساحة المحلية والدولية لتتمكن من المُشاركة السياسية في الحُكومةِ الأفغانية، وتوطيد علاقتها وثقتها مع الدول والمُنظمات الدولية وألا تفعل مثل الحُكمِ السابق معزولةً ومقطوعةٌ عن العالمِ.