هارتس / جوليات والمسدس الغزي ..!!

حجم الخط

هآرتس – بقلم عميره هاس

فسروا لي: هناك شخص يوجه بندقية نحوكم، الى داخل ساحتكم الداخلية، عبر شق في سور الاسمنت. فهل عندها أنتم المجرمون؟ حسب أي قانون فلسفي مسموح لهذا الشخص بأن يدخل ماسورة بندقيته القاتلة عبر الشق ويعرض حياتكم للخطر، ومحظور عليكم ادخال ماسورة مسدس عبر هذا الشق من اجل ابعاده عن ساحتكم؟. اشرحوا لي أمر آخر: كيف أن آلاف المسلحين طوال ساعات اليوم يحوطون طوال سنوات ساحتكم، لكن من يسمون بالمجرمين هم أنتم؟ آلاف المسلحون الذين ايضا يعرفون كيف يحلقون في الجو ويبحرون في البحر يمنعوكم من الخروج لكسب الرزق والعيش واستنشاق الهواء والاستجمام والالتقاء مع الاصدقاء. اولادكم يولدون وهم لا يعرفون أي شيء خارج الجدار المحيط بالساحة والاشواك التي تنبت فيها. في هذه الحالة هل أنتم من تخرقون القانون والنظام؟ هل أنتم المخربون؟ حسب أي ميثاق دولي مسموح لهم خنقكم وخنق اولادكم والحصول على المديح على ضبط انفسهم؟.

الجيش الاسرائيلي يعرف أن يحيى السنوار يريد تسخين الجبهة لأن وضعه الداخلي صعب. لماذا لا نقول إن بني غانتس وافيف كوخافي يريدان اشعال جبهة غزة، لأنه يجب عليهما حرف الانظار عن النقاش حول مخصصات التقاعد الفضائحية لكبار ضباط الجيش؟ التعامل مع غزة كدولة منفصلة ومستقلة في قراراتها هو ذر للرماد في العيون. منذ العام 1991، قبل صواريخ القسام والعمليات الانتحارية، اسرائيل تفصل بالتدريج قطاع غزة عن العالم وعن باقي اجزاء البلاد وعن المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية. الانفصال هو جزء من خطة اسرائيل السياسية للقضاء على امكانية اقامة دولة فلسطينية في الاراضي التي احتلت في 1967. دعاية الكذب لاسرائيل وكأن فصل غزة هو وسيلة امنية، تفيدها منذ ذلك الحين. والكثيرون يرقصون على انغمام هذا الناي. لذلك، يضخمون المسدس الذي امتد داخل الشق الى ابعاد ما حدث في 11 ايلول.

صورة المسدس ازاء ماسورة البندقية تحولت الى رمز آخر لداود مقابل جوليات. في غزة هناك من يبتهجون وكأن الاطلاق من المسدس، الذي اصاب اصابة بالغة جندي من حرس الحدود، يبشر بتحرير فلسطين، أو على الاقل تحرير القطاع. في السابق كانت البشرى تتمثل في البالونات، مرة كل فترة اطلاق الصواريخ يطلق الى الجو الاحاديث عن نصر قريب وتحرير. هذه هراءات لشباب معسكر التجميع الاكبر في العالم. هذا ابتهاج مثير للشفقة، ويخفف آلام المحاصرين، الجوعى والعطشى للعيش بكرامة ولامكانية تحقيق مهاراتهم ومزاياهم. وهذه هي بالضبط الهذيانات التي يرغب الجيش الاسرائيلي والشباك ورؤساء الحكومات في تكثيفها مثل شحذ السيوف. لأنه بهذه الطريقة يتم حرف الانظار عن الامر الاساسي وهو أن اسرائيل تقوم بسجن مليوني شخص وتحولهم الى متسولين. العالم ينثر فتات الهبات، ويسلم بالجريمة الاولى المخطط لها هذه للدولة العظمى العسكرية اليهودية الوحيدة في العالم. 

بعيدا عن صرخات الفرح الموثقة يجلس العاطلون عن العمل رغم أنفهم، المحكوم عليهم بالمؤبد، ويعرفون جيدا أن أي صاروخ لحماس لم يحسن وضعهم وأن أي حرب بين اسرائيل وغزة لم تؤد ولن تؤدي الى نصر فلسطيني. هم يعرفون أنه يوجد لحماس وللجيش الاسرائيلي مصلحة دعائية مشتركة للمبالغة في حجم التهديد العسكري لحماس من اجل نسيان السبب السياسي الاساسي لهذا الوضع وهو افشال المشروع الوطني الفلسطيني.

لا توجد أي طريقة لاعادة اعمار قطاع غزة اذا تجاهلنا نوايا اسرائيل في الانفصال، وتعاملنا مع القطاع على أنه جزيرة خطيرة في محيط. فقط احترام حقوق الحركة لسكانه وتجسيدها بالعمل في اسرائيل وفي الضفة الغربية والسفر للدراسة في الضفة وفي الخارج وفي التصدير والاستيراد وبلقاءات طبيعية مع اصدقاء وابناء عائلة، ستمكن من البدء في اعادة الاعمار المادي للقطاع واستعادة تقدير الذات والقدرات الابداعية للناس الذين يعيشون فيها. حكومة اسرائيل وحكومة حماس غير معنيتان بهذا التطور.