"حجر" نقابة المهندسين وحراك المشهد السياسي البليد..و10 دروس

1625121147-434-3.jpg
حجم الخط

كتب حسن عصفور

 ليلة الـ 26 / 27 أغسطس 2021، شهد بقايا الوطن حدثا "فريدا" فرضته نتائج انتخابات نقابة المهندسين في الضفة والقدس، رغم أنها انتخابات دورية، كان تمر مرورا "دافئا"، وربما أقل من ذلك حرارة، كونها نقابية ومهنية لا تثير الاهتمام الشعبي العام، ولكن الأخيرة، أصبحت فجأة الخبر السياسي الأول في فلسطين، وطنا وشتاتا.

ولعل ثنائي تحالف العزم، بدعم من الجبهة الشعبية وحركة حماس، ساهم بخلق حالة جدل فريد حول انتخابات مهنية جدا، خالية من أي "دسم سياسي"، عندما سارعت أطراف الدعم الباطني للقائمة بفوزها الكاسح بمجلس النقابة ومنصب النقيب، وهو خبر مثل "هزة أرضية"، منح بعدا سياسيا غريبا، وجرت مياه الترويج في كل مصارف الأخبار، وكأن الإشاعة حقيقة، وخرج البعض مصابا بحول غريب ليمنح النتائج أبعادا كشفت عمق العطش لحالة الاستبدال التمثيلي.

ولكن، ما أن أشرقت شمس الصباح حتى باحت "شهرزاد" الانتخابية حقائق لا علاقة لها بأمنية الإشاعة، وتبين أن هناك فوز كاسح نسبيا لمرشحين مدعومين من تحالف حركة فتح (م7) وحزب الشعب، بحصولها على 11 مقعدا في المجلس العام منها نائب النقيب وأمين السر.

ولأن الحدث الانتخابي لنقابة مهنية، كان الخبر الأول، كان لا بد من قراءة ما الذي دفعه للصدارة والاهتمام الكبير بالنتائج التي أفرزتها العملية الانتخابية في الضفة والقدس، وما هي الدروس المستفادة منها:

* الدرس الأول: أثبت انتخابات نقابة المهندسين، وهي الأولى بعد الغاء الانتخابات التشريعية والرئاسية، حاجة المجتمع الفلسطيني الى ممارسة العملية الديمقراطية، بعيدا عن الفائز منها، ما دامت تسير وفق قانون معلوم وأجواء "ديمقراطية"، خالية من البلطجة السياسية.

* الدرس الثاني: أن ذاكرة الفلسطيني لا تزال حية لم تصب بخراب فصائلي، عندما اختار شخصية كانت أحد ضحايا "الإرهاب الأمني"، بعيدا عن الانتماء الحزبي، تصويت مثل رسالة للسلطة الحاكمة، ان "الأسلوب الأمني" لقضايا الحريات ليس حلا ولن يكون قاعدة يمكن قبولها، أيا كان تبريرات الفعل الظلامي، المتعاكس مع طبيعة شعب يبحث حريته من عدو ومستعمر وغازي.

* الدرس الثالث: ان حركة فتح (م7)، فقدت بعضا من عمقها الشعبي التصويتي لسوء سلوك أجهزة سلطوية، تاهت في أنفاق مصالح تتضارب مع مصالح قاعدة الحركة، التي تريد حماية قائدة المشروع الوطني، قبل فوات الآوان، وتجد ذاتها فقدت كل أدوات حماية ما انطلقت لأجله بالرصاصة الأولى يناير 1965.

* الدرس الرابع: أن حراك نقابة نقل المشهد الفلسطيني من صورة اشتباك بمظهر أمني بوليسي، الى مشهد حضاري ديمقراطي، وأن فلسطين بمخزونها المشرق يفوق كثيرا ما بدأ في السنوات الأخيرة، من امتلاكها  قوة دفع تعيد القاطرة للانطلاق نحو الهدف الوطني الذي تاه في "نفق الانقسام".

* الدرس الخامس: انتخاب امرأة مسيحية ( نادية حبش)في منصب النقيب، يمثل نقلة نوعية في الوعي والتفكير، ولعلها سجلت بشخصيتها "اليسارية"، ورفضها للظلم والقمع ودفعها ثمنا مباشرا منحها قوة تصويتية خاصة، انها ليست ممن يبحثون منصبا أو مكانا، فهي تحت الشمس مهنة وكفاحا، فكانت الجائزة الشعبية لها بعيدا عن انتماء الحزب والجندر والدين.

* الدرس السادس: ان التنوع السياسي حقيقة واقعية يصعب لطرف أن يزيح طرفا آخر، ما يفرض البحث "هندسيا" عن آلية كسر "عنصرية التعصب" وفوقيته الكاذبة.

* الدرس السابع: أن حركة فتح، قبل غيرها، عليها ان تدقق كثيرا في النتائج ليس من حيث الرقم العام، ولكن من حيث تفاصيل الأرقام، ولعل الحدث بذاته يكون مفجرا للكسر البلادة السياسية التي أصابت قيادتها، تتصرف وكأن "القضية" باتت ملكية طابو خاص بها ولها، ولذا جاء وقت الانتخابات ودلالاتها في موعد ذهبي، لو أرادات قيادة فتح أن تصحو من غفوة طالت، وأوشكت انهاء مرحلة بمرحلة.

* الدرس الثامن: أن حركة حماس، التي سارعت قبل غيرها تتغنى بالحدث، باتت تحت ضغط مباشر لتفتح الباب للحريات العامة، ولتكن البداية من باب الانتخابات النقابية – المهنية، ولن تستطيع الاستمرار في فرض " ظلاميتها" تحت نقاب "المقاومة".

* الدرس التاسع: ان بيان "تحالف العزم" السريع ردا على بيان قوى حزبية، بأنه "تحالف مهني"، يبحث الشراكة والوحدة وخدمة النقابة وأعضاءها، وليس طرفا في أي جدال خارج حدود النقابة...درس مهني سياسي يستحق التفكير بأبعاده بعمق.

وأخيرا الدرس العاشر: ربح الفلسطيني مشهدا مشرقا، وخسر مشهدا بليدا، بانتخابات يجب أن تتكرر وتصبح قاطرة الحراك الوطني العام كي يحيا الوطن أو بقاياه.

ملاحظة: بلا تردد كان خبر الافراج عن الفلسطيني سرحان سرحان مثيرا للفرحة بعد غياب طال لـ 53 عاما..شاب اختار الحل الفردي تعبيرا عن وطنيته المركزة..سلاما أيها الفتى العجوز وليتك قيادة شعبك تتذكرك بما يليق بك!

تنويه خاص: كان غريبا أن يختار الرئيس محمود عباس خالد مشعل للتعزية بوفاة مسؤول سابق في حماس وليس هنية رئيس الحركة..ربما تصرف عباس مفهوما بأنه يرد صفعة ما، ولكن قبول مشعل بـ الفخ العباسي" لماذا..ذلك هو السؤال؟!