هآرتس – اسرائيل علقت بين المغرب والجزائر!!

حجم الخط

بقلم تسفي برئيل

“التطبيع مع اسرائيل مؤلم وصعب، لكن المصالح الوطنية أهم”، قال رئيس حكومة المغرب، سعد الدين العثماني، في مقابلة تلفزيونية اجريت في 8 آب، قبل ثلاثة ايام على هبوط وزير الخارجية، يئير لبيد، في الرباط عاصمة المغرب. في هذه المقابلة اكد العثماني على ما كان معروف في السابق وهو أنه لا ينوي الالتقاء مع لبيد، وأن “هذا اللقاء غير موجود على جدول الاعمال”. المبرر الرسمي تمت نسبته لقواعد البروتوكول التي تقول إن اللقاءات بين الممثلين الاجانب تجري على نفس المستوى. بناء على ذلك، التقى لبيد مع نظيره وزير الخارجية ناصر بوريطة وليس مع رئيس الحكومة أو مع الملك. 

من الصعب الوصف بأن هذا الجواب كان سيعطى لوزير خارجية امريكي أو مصري أو تركي لو كانوا زاروا المغرب. العثماني نفسه لم يتحمس من الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في كانون الاول الماضي بين الدولتين، وفي ايار اعتبر عمليات اسرائيل في غزة جرائم حرب، وهو تصريح استدعى رد شديد من جانب سفير اسرائيل في المغرب، دافيد غوبرين.

رئيس حكومة المغرب خرج عن اطواره ايضا ليوضح بأن دولته تواصل دعمها بكل الطرق للفلسطينيين. “سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد العملي”، وتجري اتصالات مع زعماء في العالم ومع دول عربية من اجل انهاء الاحتلال وتساعد على تمويل اعادة البيوت التي هدمت من قبل اسرائيل في القدس، وتساعد على دفع الغرامات الباهظة التي فرضت على مخالفي البناء. في نظر كاتب المقالات المغربي عبد السلام بن عيسى، فان تفسيرات العثماني هي محاولة لتضليل الجمهور في المغرب، الذي “في معظمه يعارض الاتفاق مع اسرائيل”. وقد كتب بن عيسى بأن العثماني “يحاول طرح نفسه كبطل ومقاتل عندما يقول إنه لن يلتقي مع لبيد. لكن لا توجد حاجة للتذكير بأن العثماني هو الذي وقع على اتفاق السلام مع اسرائيل مقابل اعتراف امريكي بسيادة المغرب في الصحراء الغربية… هذا التوقيع سيلتصق بالعثماني طوال حياته كخطوة مخجلة اتخذها كرئيس للحكومة، واذا كان يعارض الزيارة فلماذا سمح لاعضاء حكومته بالالتقاء مع المبعوث الكبير للكيان الصهيوني؟”.

العثماني (65 سنة) هو مسلم معتدل، لديه لقبين في الدكتوراة، في الطب وفي علم النفس. وقد درس وكتب ابحاث في مجال علم النفس، وهو ايضا رئيس الحزب الحاكم، حزب العدالة والتنمية. في 8 ايلول سيتنافس حزبه في الانتخابات البرلمانية، وعدد من المحللين في المغرب يربطون مواقفه فيما يتعلق بالاتفاق مع اسرائيل بالصراع السياسي. هذا من خلال الافتراض أن مواقف وطنية ودعم الفلسطينيين ومعارضة اسرائيل يمكن أن تساعده على تحقيق انجاز اكبر مما حققه في الانتخابات الذي جرت في 2016 والتي فاز حزبه فيها بـ 125 مقعد من بين الـ 395 مقعد.

منافسه الرئيسي، حزب الاصالة والحداثة، حزب اليمين الاكبر، فاز في حينه بـ 102 مقاعد. حسب الاستطلاعات التي اجريت في المغرب يبدو أن الحزب الحاكم سيحصل في هذه المرة على الاغلبية، والسؤال سيكون حينها هل سيستطيع تشكيل ائتلاف واسع مثل الائتلاف الذي يعتمد عليه العثماني الآن من اجل تشكيل حكومة تستطيع العمل. هذا السؤال حاسم بعد عدم نجاح سلفه في هذا المنصب، عبد الاله بنكيران، في تشكيل حكومة طوال اشهر الى أن تم استبداله من قبل الملك بالعثماني في 2017. الامر الذي ليس في صالحها فان اسرائيل يمكن أن تشارك في حملة الانتخابات هذه كموضوع مثير للجدل وقضية تطرحها الجزائر على الساحة السياسية المغربية. 

عندما اعلنت الجزائر في هذا الاسبوع عن قطع العلاقات مع المغرب، فان وزير خارجيتها، رمضان العمامرة، قرر هذه الخطوة الدراماتيكية، ضمن امور اخرى، لأن “المغرب ادخل الى اراضيه قوة عسكرية اجنبية”، وكان يقصد اسرائيل. هو اتهم المغرب ايضا باستخدام برنامج “فاكسوس” لشركة “ان.اس.أو” الاسرائيلية من اجل متابعة ومراقبة شخصيات كبيرة في الجزائر. اضافة الى ذلك قال بأن جهات في المغرب، على رأسها منظمة “ماك” التي تروج لاستقلال منطقة قبيليا في الجزائر، هي المسؤولة عن اشعال الحرائق الضخمة التي أدت الى موت ما لا يقل عن 90 شخص. الجزائر قالت إن اسرائيل تؤيد هذه المنظمة وتساعدها. وهي ايضا تعتبر “ماك” منظمة ارهابية.

المغرب نفت بشدة هذه الاتهامات لكنها لم تتراجع عن تأييد “تقرير المصير” للمنطقة القبلية التي سكانها يعتبرون من الاقلية البربرية في الجزائر، الذين على مدى سنوات طلبوا الحصول على اعتراف بهم كمنطقة حكم ذاتي، وبعد ذلك الحصول على الاستقلال. سفير المغرب في الامم المتحدة، عمر هلالة، اغضب في تموز الجزائر عندما طلب في مؤتمر في الامم المتحدة منها الاعتراف بمبدأ تقرير المصير. وقال إن “الانفصال في الصحراء جاء على يد الجزائر، وهي الشريكة الرئيسية لصد كل تقدم من قبل الامم المتحدة لحل سياسي متفق عليه (حول مكانة الصحراء الغربية). الجزائر يجب أن تنظر في المرآة وتكف عن التلويح بمبدأ تقرير المصير لأنه يخدم اجندة هيمنتها. واذا كانت حقا تؤيد هذا الحق فمن الافضل أن تتبناه بنفسها وتمنح منطقة قبيليا الحق في تقرير المصير.

هنا يكمن مركز العداء والنزاع العميق بين المغرب والجزائر. سيطرة المغرب في 1976 على الصحراء الغربية، التي تناضل من اجل استقلالها بواسطة تنظيم البوليساريو، والاعلان عنها كاقليم مغربي تحت سيادة مغربية، تم الاعتراف بها من قبل 39 دولة فقط، في حين أنه في المقابل ضخت الجزائر السلاح والاموال للبوليساريو الذي أيدته منذ السبعينيات.

سياسة الجزائر المناوئة للمغرب حول الصحراء الغربية تلقت ضربة شديدة عندما اعلن الرئيس الامريكي السابق، دونالد ترامب، في كانون الاول 2020 عن اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب في هذا الاقليم مقابل عقد اتفاق سلام مع اسرائيل. هذه الخطوة الامريكية لم تضع نهاية لنضال تنظيم البوليساريو ولم توقف تطلع الجزائر، لكنها دمرت قدرة الجزائر على تجنيد الدعم الدولي لتأييد استقلال هذا الاقليم. وحسب موقف الجزائر فان اسرائيل والولايات المتحدة مذنبتان حتى اكثر من المغرب في سحب البساط من تحت اقدام نضالها التاريخي، حيث أن المغرب فقط دفعت الخاوات التي طلبت منها.

أمل الجزائر بأنه عند انتخاب جو بايدن ستتغير سياسة الولايات المتحدة تجاه الصحراء الغربية وأنه سيتراجع عن القرار، خاب في هذه الاثناء. بايدن، الذي ظهر في البداية كمن ينوي “اعادة النظر” في قرار ترامب، اوضح بأنه لا ينوي تغيير هذه السياسة، واعتراف الادارة الامريكية بسيادة المغرب في الصحراء بقي على حاله. هذا هو مغزى المصالح القومية العليا للمغرب، التي تلقي بظلالها، حسب رأي وزير خارجية المغرب، على “الالم والصعوبات” الناتجة عن التطبيع مع اسرائيل.

إن قطع العلاقات الذي اعلنت عنه الجزائر هو في الحقيقة خطوة دراماتيكية، لكنها لا تغير كثيرا في شبكة العلاقات الهشة القائمة اصلا بين الدولتين منذ عشرات السنين. الحدود بينهما مغلقة منذ العام 1994 “لاسباب امنية”، بعد تنفيذ عمليات ارهابية في مراكش. المغرب اتهم الجزائر بذلك ووضع قيود على دخول المواطنين الجزائريين وبعد ذلك اعلنت الجزائر عن اغلاق الحدود.

منذ ذلك الحين بادر عدد من الدول الافريقية لاجراء محادثات وساطة بين الدولتين، لكن هذه المبادرات فشلت. مرة في 2013 عندما الغى المغرب في اللحظة الاخيرة زيارة رئيس حكومة الجزائر، ومرة ثانية في 2020 عندما اعتبر القنصل المغربي في مدينة اوران الجزائرية، “دولة معادية”. القنصل تم ابعاده من الجزائر والتوتر ازداد وتفاقم. 

في بداية الشهر الحالي اعلن رئيس الجزائر، عبد المجيد تبون، أنه مستعد لاجراء محادثات مع المغرب شريطة أن توضح من البداية موقفها من اقوال مندوبها في الامم المتحدة الذي طلب من الجزائر منح الاستقلال لمنطقة قبيليا. تبون، السياسي المخضرم والذي شغل في السابق منصب رئيس الحكومة في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وتم تعيينه رئيسا بدلا عنه في 2019 بعد مظاهرات ضخمة جرت ضد امكانية تولي بوتفليقة المريض الرئاسة لولاية خامسة. تبون يحصل في الواقع على دعم الجيش، لكن ليست له دعامة كبيرة في اوساط الجمهور.

في الانتخابات الاخيرة اظهر الجزائريون القرف من النظام الذي يتكون من النخب القديمة والفاسدة والتي لم تنجح في تحسين الوضع الاقتصادي في الدولة، والذي يعمل بقبضة حديدية ضد حرية التعبير. فقط 23 في المئة من اصحاب حق الاقتراع شاركوا في الانتخابات مقابل 40 في المئة في الانتخابات السابقة. الازمة الاقتصادية الشديدة في الدولة بسبب انخفاض اسعار النفط والغاز، فروع التصدير المهمة في الدولة، والنقص في فائض العملة الصعبة والبطالة الرسمية التي وصلت الى 13 في المئة وغير الرسمية التي تبلغ ضعف ذلك، والزراعة المتخلفة التي تجبر الدولة على استيراد 70 في المئة من احتياجاتها الاستهلاكية – كل ذلك يؤجج احتجاج الجمهور ويقوض استقرار الحكم.

الحاجة في الجزائر الى حرف مركز اهتمام الجمهور عن المشكلات الداخلية والتنصل من مسؤولية الحكومة، وجهت لالقاء التهمة على المغرب، اسرائيل والولايات المتحدة، وكل من يوجه الانتقاد للنظام. المغرب من ناحيته لا تسارع في الذهاب الى أي مكان. وقد اعلنت بأنها تأسف على قرار الجزائر، واعتبرت تبريراتها “غير معقولة وكاذبة”، لكنها لم تقم في هذه المرحلة بأي خطوة لاستئناف العلاقات، وذلك سواء لانها لا تقدر بأن قطع العلاقات سيتسبب لها بأضرار سياسية أو اقتصادية أو لأن كل خطوة سينظر اليها كبادرة حسن نية تصالحية، يمكن أن تمس سياسيا بزعماء واحزاب يستعدون للانتخابات.