بينيت يعود بخُفَّي حُنين

عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

بقلم: عبد المجيد سويلم

لم ينجح نفتالي بينيت بتسويق نفسه «كزعيم» جديد في إسرائيل إن لم نقل إنه فشل بالكامل، وخاب ظنه، وخاب ظن من كانوا يراهنون على زيارته.
لا أعرف مدى دقة وحقيقة «الغفوة» التي أخذها الرئيس الأميركي أثناء استقباله لرئيس الوزراء الإسرائيلي، ولا أعرف إن كانت هذه الغفوة تحمل بعداً سياسياً، مباشراً أو رمزياً، لكن «حضور» نفتالي بينيت في زيارته لم يكن بارزاً ولا لافتاً، ولم يحظ بأي نوع من الاهتمام الخاص.
هذا الحظ القليل من الاهتمام سيقلل كثيراً من أهمية زيارات بينيت للمنطقة العربية، وخصوصاً الزيارات المرتقبة لكل من مصر والأردن، والزيارات التي سيحاول القيام بها إلى بلدان عربية وإسلامية أخرى.
اعتقد بينيت أن استباق زيارته بتلك المقابلة الصحافية مع «نيويورك تايمز» سيثير المشهد السياسي لهذه الزيارة، وربما سيضفي عليها أهمية خاصة.
الحقيقة أن هذه المقابلة بالذات كانت أقرب إلى سوء التقدير منها إلى أي شيء آخر.
كل ما جرى التباحث بشأنه حول إيران، وحول «التحديات» الأمنية، وحول رفض المفاوضات مع الفلسطينيين، وحول «عدم» استقرار القيادة الفلسطينية، إضافة إلى الإعلان الاستعراضي عن رفض مبدأ قيام دولة فلسطينية.. كل هذه المسائل لا يوجد فيها جديد واحد، ولم يطرح في جدول أعمال التباحث بند واحد يستحق التباحث بشأنه، وهو ما أدى إلى تبهيت الزيارة ونتائجها ومخرجاتها.
فشل بينيت قد يحمل بعض الاعتبارات الشخصية، وخصوصاً من زاوية «التحنيط» الأيديولوجي الذي أظهره في التعبير عن أفكاره السياسية حيال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
لكن الحقيقة أن هذا الفشل يعود في جزءٍ مهم منه إلى بؤس واقع الائتلاف الحاكم في إسرائيل، لأن البيت السياسي لهذا الائتلاف، وهذه الحكومة ليس مستنداً لأعمدة قوية، وإنما «لعود كبريت» كما يقال في التراث الشعبي المصري.
حاول نفتالي بينيت أن يسوّق ما قالته الإدارة الأميركية حول عزمها منع إيران من امتلاك سلاح نووي وكأنه يمثل «نقلة» نوعية في الموقف الأميركي حيال الملف النووي الإيراني،
وحاول نفتالي بينيت أن يصور الموقف الأميركي من أن الإدارة الأميركية تمتلك وسائل أخرى إذا فشل الخيار الدبلوماسي حول الملف النووي الإيراني وكأنه نقلة أكثر من «نوعية»، أو كأن هذا الموقف الأميركي هو «انتصار» مؤزّر للمواقف الإسرائيلية حيال هذا الملف.
الحقيقة أن لا صحة لكل ذلك، ولا أهمية البتة لكل ما حاول بينيت أن يسوقه ويصوره.
المواقف الأميركية لم تتغير، ولن تتغير ولن تتبدل حيال الملف النووي الإيراني.
السبب في ذلك هو أن الإدارة الأميركية تدرك جيداً وبعمق ـ على ما أرى ـ أن الاتفاق قادم مع إيران لا محالة، وأن «الخلافات» التي ما زالت قائمة ولم يتم حلها حتى الآن هي من النوع القابل للحل، وأن المشكلات حيالها قابلة للتذليل.
«النقاش» الذي دار، وما زال يدور بين الأميركان وإيران حول «الدور» الإقليمي لإيران هو النقاش الرئيس، وهذا الدور بالذات هو الدور الوحيد الذي لا ترغب إسرائيل بأن يكون على جدول الأعمال، وبودها لو أن يختفي هذا الدور عن طاولة المباحثات، لأن من شأن أي اتفاق أو توافق أميركي إيراني عليه سيؤدي حتماً إلى تقليص الأهمية النوعية للدور الإسرائيلي في كامل منطقة الإقليم، ومن شأنه كذلك أن «يجرد» أنظمة الخليج من «الأساس السياسي» الذي «يبرر» لها التحالف مع دولة الاحتلال، كما أن من شأن التوافق الأميركي الإيراني على هذا الدور أن «يُبعد» إيران ولو قليلاً عن دائرة التأثير الروسي والصيني عليها، وقد يؤدي إلى صفقات سياسية في كل من العراق وسورية وحتى لبنان لا تراها إسرائيل إلا وبالاً سياسياً عليها، وعلى دورها، وعلى عربدتها وعلى أهمية دورها الأمني برمّته.
الولايات المتحدة تعرف وتدرك أن المسألة لا تكمن في امتلاك إيران للسلاح النووي من عدمه، وإنما في امتلاك إيران للتكنولوجيا النووية. والولايات المتحدة عندما تتحدث عن «عزمها» على «منع» إيران من امتلاك السلاح النووي فهي تبيع إسرائيل، وكذلك بلدان الخليج بضاعة غير قابلة للتداول، وليس لها أي أسعار حقيقية، وهي بضاعة افتراضية ليس إلا.
وهكذا، فكما كان نتنياهو يعدد «إنجازاته»، وخصوصاً إبان مرحلة ترامب، فإن بينيت أيضاً يبحث له عن بعض الإنجازات هو أيضاً.
ستنكشف هذه المسألة بالكامل في الأيام القليلة القادمة، عندما يطرح نتنياهو ـ من على مقاعد المعارضة ـ هذه المرة ـ «رأيه» ورأي المعارضة اليمينية المتطرفة في إسرائيل حول ما «تحصّل» عليه بينيت من زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية.
الحقيقة الجلية تماماً هنا هي أن المفلس لا بد له أن يطعم نفسه الكثير من الجوز الفارغ ليقنع نفسه، ويقنع أترابه وأصحابه بأن أمر الزيارة قد سار على خير ما يُرام.
أما فيما يتعلق بالملف الفلسطيني فإن فشل بينيت يبدو فاقعاً وفاضحاً إلى حد كبير.
فقد أعاد الرئيس بايدن على مسامع الزائر الجديد، قليل الخبرة والمسربل بالأيديولوجيات المنقرضة أن الإدارة الأميركية ستعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وأن الإدارة الأميركية ترفض أو لا توافق على الإجراءات الإسرائيلية في الشيخ جرّاح ما يشكل ولو رمزياً ضربة لبينيت في كامل مسألة القدس، وحتى الادعاءات الإسرائيلية حول أن الإدارة الأميركية «تتفهم» التوسعات الاستيطانية فهي ادعاءات ينقصها الدليل، وسنرى كيف أن محاولات نزع الموقف الأميركي حيال هذه المسألة عن سياقاتها ليست إلا، وليست أكثر من تمنيات مبالغ فيها.
لم تنتظر الإدارة الأميركية المباحثات بين الرئيس بايدن وبين ـ رئيس الوزراء الجديد، والزائر الجديد، للرد على ما جاء في مقابلة هذا الأخير، وإنما استبقت اللقاء بالتأكيد على حل الدولتين، ما يعني أن فشل بينيت هنا قد سبق اللقاء نفسه.
صحيح أن بينيت لم يكن يطمح بأن يقنع الإدارة الأميركية بمواقفه، وصحيح أيضاً أنه كان يعرف المواقف الأميركية عن ظهر قلب، لكن الصحيح أيضاً هو أن اليمين الإسرائيلي كله قد فقد «القاعدة» السياسية التي استند إليها في سلوكه السياسي إبان مرحلة ترامب.
هذا الأمر بالذات هو مشكلة نفتالي بينيت ومشكلة ساعر ومشكلة نتنياهو، وقد تكون مشكلة الكثيرين من أقطاب المعادلة السياسية في إسرائيل، وهي مشكلة ليست من النوع الذي يمكن حله بزيارة باهتة كتلك التي قام بها بينيت للولايات المتحدة.
لا يمكن «لخُفّي حُنين» أن تحل مشكلة «زعامة» شخص مثل بينيت إذا لم تكن قد حلت مشكلة نتنياهو نفسه عندما كان ترامب يعربد ويزبد.
فكيف بالله عليكم سيحلها نفتالي بينيت وهو يواجه جو بايدن في البيت الأبيض؟