كيف سينعكس تفكك سورية على الأمن الإسرائيلي؟

جنود الاحتلال
حجم الخط

تظهر لنا نظرة أكثر عمقا لما يدور في سورية، كم هي الانعكاسات المتوقعة على المنطقة بشكل عام وعلى اسرائيل بشكل خاص بسبب ما يدور هناك، حيث إن الحدث الاول هو انتشار القوات الروسية في سورية. وهذا يحدث للمرة الاولى منذ سبعينيات القرن الماضي، وبتنسيق مسبق مع إيران. ليس عبثا أن يتم اتخاذ قرار بهذا الشأن في اعقاب توقيع الاتفاق بين الولايات المتحدة وايران، حتى لو لم يتم الاعلان عن ذلك. هناك العديد من التساؤلات التي تطرح نفسها في اعقاب الوضع الجديد. اولا، ما تأثير تحالف كهذا على تعزيز قوة ايران في المنطقة وعلى قدرة اسرائيل على وقف تعزيز قوة ايران و»حزب الله» تحت المظلة الروسية؟ الى اي حد سوف تستغل ايران التحالف العملي الجديد وتدفع اسرائيل أمامها؟. والى متى سوف تتحمل اسرائيل تصرفات ايران و»حزب الله»، في ظل الوضع المعقد، وعلى ضوء التواجد الروسي في محيطها؟ وهل سترد اسرائيل بقوة، وماذا ستفعل روسيا؟ وهل حقا ستظل لا مبالية إزاء عمل اسرائيلي عنيف في منطقة تتواجد هي فيها، وهل تتحمل جزءاً من المسؤولية عما يدور هناك؟ كل ذلك سيتم فحصه على ارض الواقع بصورة عملية. من شأن العملية الروسية أن تؤدي الى تغيير في نسبة القوات في المنطقة. الروس يقصفون المتمردين السنة، من جميع الانواع، دون اية علاقة لمدى انتسابهم لتنظيم داعش، والولايات المتحدة مستمرة في هجماتها خاصة في العراق. والمغزى هو ان السنة، في سورية والعراق، من شأنهم ان يشعروا بالضغط الممارس عليهم بين تحالف الروس مع العلويين وتحالف الاميركيين مع ايران (في المجال النووي)، وفعليا تعزيز «داعش». اذا كانت هذه هي النتائج، فإن الوضع في المنطقة سوف يتدهور حتى ولو كانت هناك نجاحات تكتيكية لروسيا أو للولايات المتحدة باستخدام القوة الجوية. الحدث الثاني هو زيادة القوات الايرانية وقوات «حزب الله» في سورية، تحت المظلة الروسية. ولنتيجة إجراء كهذا وجهان: الوجة الاول مرتبط بحرية عمل «حزب الله» ونوعية قتاله مستقبلا. فمن جهة، فإن التنظيم منشغل اليوم جدا في القتال الصعب الدائر في سورية، وليس له القدرة على فتح جبهة اضافية مع اسرائيل، وهو مقيد بحدود ردوده ايضا عندما يتم القيام بعمل عنيف ضد رجاله أو ضد منظومة التسليح التابعة له في سورية. وعلاوة على ذلك، فإن التنظيم تلقى خسائر فادحة جدا في القتال في سورية – مقتل حوالى 2000 مقاتل وعدة آلاف من الجرحى. بالنسبة لتنظيم عدد المقاتلين فيه، في احسن الحالات مع رجال «الاحتياط»، لا يصل الى 50 الف رجل  فإن لهذا العدد تأثيرا كبيرا. ومن الناحية الاخرى، ان القتال المكثف في سورية يكسب «حزب الله» ما ينقصه من تجربة، فهناك قد تنامى جيل من القادة ممن شهدوا القتال العنيف، كما أن التنظيم اكتسب ما يكفي لكي يصبح ذا قدرة قتالية جيدة جدا. ان اسرائيل لم تواجه ابدا في ساحة القتال تنظيما مجربا هكذا في القتال مثل «حزب الله» بعد مشاركته في الحرب السورية. وهذا صحيح بالنسبة للجزء النظامي من «حزب الله» وكذلك بالنسبة لافراد الاحتياط، الخارجين من العمل في صفوف الخدمة في سورية والعائدين إلى بيوتهم بعد عدة اشهر من القتال. ماذا سيكون تأثير هذا التغيير في ساحة القتال البري ضد الجيش الاسرائيلي عندما يحين الوقت؟ من السليم ان نقدر ان «حزب الله» سوف يطبق تجاربه ولن يكون ذلك التنظيم الذي حارب الجيش الاسرائيلي في العام 2006. فـ «حزب الله» سوف يكون بعد القتال في سورية حبة جوز يصعب كسرها. والوجه الثاني للتغيير في مستوى مشاركة ايران و»حزب الله» وجد تعبيره في تعزيز معاقل الربط الخطيرة هذه، في سورية بشكل عام والجولان بشكل خاص. ان الخطر الاكبر هو انه تحت المظلة الروسية، ودون طلب موافقة روسيا، سوف يبني «حزب الله» وايران قاعدة هجومية ضد اسرائيل، باستنساخ تجربة الجبهة اللبنانية في سورية. في هذا خطر حقيقي، بحيث يكون الجيش الاسرائيلي ملزما بمضاعفة جهوده ولان يعمل في مواجهة جبهتين، وسوف يكون من الصعب جدا العمل في دولة تم فيها نشر قوات روسية، تقاتل الى جانب «حزب الله» والايرانيين. الحدث الثالث هو الحادث المستمر الذي لا يتوقف، وهو تفكك سورية ونزوح السكان المدنيين داخل سورية وخارجها. فالحديث يدور عن عدة ملايين، على ما يبدو اكثر من مجموع سكان اسرائيل. فعدا الاعداد الكبيرة من اللاجئين داخل سورية نفسها، فإن حوالى 4 ملايين لاجئ موجودون في مخيمات بائسة في دول مجاورة، الاردن، تركيا، ولبنان. فاللاجئون يشكلون عبئا على دول صغيرة وفقيرة كلبنان والاردن. فالبنسبة للاخيرة هم كارثة اقتصادية، وفي لبنان من شأنهم ان يغيروا التركيبة الديموغرافية، بزيادة اعداد السنة بصورة درامية. وفي سورية فإن حركة الجموع هذه من شأنها ان تغير ميزان القوى بشكل كامل بين الطوائف. مع نشوب الحرب كان العلويون يشكلون حوالي 12 بالمئة من مجموع سكان سورية – فماذا سيكون وضعهم بعد ان انتقل ملايين السنة الى دول مجاورة ولأوروبا؟ ومذا سيحدث اذا تغيرت النسبة بصورة درامية، فبذلك قد يصبح العلويون ربع السكان الذين تبقوا في سورية؟ ان استمرار هذا الاجراء من شأنه ان يحول سورية إلى دولة استنزفت من قبل معظم سكانها، والقلة المتبقية تعيش في مكان مختلف تماما. ما المغزى من وراء ذلك؟ جيل جديد من السوريين يسير إلى زوال من جميع النواحي. ما تأثير مجتمع لا يوجد فيه نظام ولا قوانين لعدة سنوات ولا يوجد فيه جهاز قضائي حقيقي؟ ستضطر اسرائيل للعيش في نهاية اجراء طويل، في جوار دولة تعتبر حتى بين دول العالم الثالث دولة متخلفة، مجتمعا مفككا، وغير قادر على معالجة ذاته. هذا على ما يبدو هو المستقبل المتوقع لسورية، في حال اصبح من الممكن وقف الحرب فيها (وأشك في ذلك). ان استمرار القتال في سورية المفككة، وتعزيز سيطرة «حزب الله» وايران ونشر قوات روسية فعلية في سورية يوجب تفكيرا إضافيا تجاه المصلحة الاسرائيلية نتيجة القتال الشرس الدائر في دولة مجاورة. فالقرارات بعدم الانجرار إلى القتال بين السوريين انفسهم كانت سليمة في حينها. وعلى ما يبدو اليوم ايضا، فإن الاصرار على منع نقل السلاح الذي يقلب معادلة «حزب الله» يجب أن يستمر. ولكن من الضروري ان نفكر اكثر عمقا بمسألة التسوية بعيدة المدى الاقل ضررا على اسرائيل. وعلى ما يبدو فاننا قريبا سنرى مباحثات على مستقبل سورية بمشاركة جميع الدول المشاركة في القتال، بما في ذلك ايران والولايات المتحدة. ومن الضروري جدا ان توضح اسرائيل وبشكل مسبق قدر الامكان موقفها حول الموضوع، حتى ولو لم تشارك في المفاوضات ذاتها، وحتى ولو كانت امكانية التوصل الى تسوية بين العلويين والسنة، والايرانيين والسعوديين، الاتراك والاميركيين هي صفر كبير.

عن «مباط عليا»