تعرّض وزير الخارجية الإسرائيلي الحالي، يائير لبيد، إلى هجوم يميني، جرّاء تسبّبه بأزمة دبلوماسية مع بولندا، على خلفية اعتمادها أخيرا قانونا يفرض قيودًا على قدرة اليهود في هذه الدولة على استعادة ممتلكاتٍ استولى عليها المحتلون الألمان النازيون، واحتفظ بها الحُكام الشيوعيون بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وجاء هذا الهجوم على الرغم من أنه يصعب عدم ملاحظة إجماع عام يوحّد الأحزاب الإسرائيلية كافة بشأن غاية الاستمرار في استخدام الهولوكوست أداتيًا، لتأييد ممارسات دولة الاحتلال في محيطها الإقليمي، ولدعم سياستها حيال قضية فلسطين. وفي ضوء ذلك، يمكن إدراجه أكثر بصفته محاولة لتثبيت إرث رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، بالأساس فيما يخص علاقات إسرائيل الخارجية، وتحديدًا مع أوروبا، ناهيك عن أنه يعيد تسليط الضوء على بعض أمور جوهرية ترتبط بأسس هذه الدولة وبصيرورتها الراهنة.
يمكن إثبات ما تقدّم من خلال سيل المقالات التي تناولت الأزمة الحالية مع بولندا بالعرض والتحليل والإحالة. وفي إطار ذلك كلّه، كتب بعضها أن هناك مخاطر كبرى يمكن أن تنجُم عن تركيبة الحكومة الإسرائيلية الحالية، في مقدّمها الخطر الكامن في ما وُصف بأنه “العودة إلى الرغبة في الحصول على شرعية من جانب الغرب الليبرالي”. ومما كُتب في هذا الشأن، على لسان محرّر الفصلية اليمينية، هشيلواح (الانطلاق): يبدو أن الميل الطبيعي لكثيرين من وزراء الحكومة الجديدة هو نحو التقاط صورة مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أكثر مما مع رئيس حكومة المجر فيكتور أوربان. كما أن هناك استعدادًا كبيرًا للشجار مع رئيس حكومة بولندا أكثر مما مع زعماء من سويسرا أو من السويد، حول تأييدهم المستمر منظماتٍ داعمة للفلسطينيين، تعزّز فعليًا الإرهاب ضد اليهود.
وبرأي هذا المُحرّر، كما كتابات يمينية أخرى أيضًا، تستند قاعدة الحكومة الحالية في إسرائيل إلى أحزاب تنتمي إلى تياري اليسار والوسط العلمانيين، وكلاهما معجب بالغرب، وغير واعيين بما فيه الكفاية للتناقض الحادّ بين قيم هذا الغرب التقدميّة وأساس وجود الدولة الصهيونية.
لعلّ المُهم جدًا في هذه الأقوال ليس التصنيف السياسي لأغلبية أحزاب الحكومة الإسرائيلية، إنما الإقرار، في لحظة اعتراف نادرة، بأن أساس إقامة الدولة الصهيونية يتناقض، على نحو حادّ، مع القيم الغربية التقدميّة. وسرعان ما تلاه اعترافٌ آخر بأن نتنياهو كان أول من أدرك أن إسرائيل بحاجة فقط إلى حلفاء من اليمين الأوروبي. وهنا ينبغي التذكير بما بات يعرف باسم “خطاب بودابست” الذي ألقاه نتنياهو في العاصمة المجرية في يوليو/ تموز 2017 لدى قيامه بأول زيارة لرئيس حكومة إسرائيلية إلى هذا البلد منذ أكثر من 30 عامًا، وتمّ تلخيصه في حينه من محللين كثيرين بأنه كان في منزلة محطة فارقة ترتب عليها توثيق عرى التحالف مع أحزاب اليمين القوموي في أوروبا. وبثّ نتنياهو في سياق الخطاب رسالة فحواها: على من يريد تأييد إسرائيل أن يقبلها كما هي مع الاحتلال والمستوطنات. ومن يقبل بإسرائيل فقط ضمن حدود “الخط الأخضر” مثل الاتحاد الأوروبي، فهو مجنون وغير مرغوب فيه. ونظرًا إلى أن أوروبا الليبرالية المدافعة عن حقوق الإنسان والواعظة الاخلاقية غارقة تحت ضغط موجات لاجئين من منطقة الشرق الأوسط، فإسرائيل ليست بحاجة إليها. وفي نظر نتنياهو، تم إيجاد بدائل عنها بصورة علنية في روسيا والصين والهند. وبصورة أقل علانية (في حينه) في السعودية والإمارات وقبلهما في مصر، وكل هذه الدول يجمعها قاسم مشترك واحد: احترام القوة فقط، وليس العدالة.
ولكن كي لا ندع مجالًا لأي تغريرٍ أو انسياقٍ وراء مثل هذه الاتهامات اليمينية للحكومة الإسرائيلية الحالية، يجب أن نستدرك، ونقول إنه ما زال من الصعب العثور على تحوّلات جادّة في سياسات هذه الحكومة، تتماشى مع القيم المضادّة لتلك التي خيمت على ماهية العلاقات الإسرائيلية – الأوروبية أغلب الوقت.