ما زال الإعصار المدمر «أيدا» يحدث الكوارث والدمار والوفيات التي ترتفع بالعشرات في الولايات الشمالية الشرقية من الولايات المتحدة، وبالتحديد في ولايتي نيويورك ونيوجرسي وبنسلفانيا، حيث شهدت هذه المناطق مياه أمطار وفيضانات غير مسبوقة وإغلاقات ودمارا وفوضى، بعد أن احدث هذا الإعصار الدمار الشامل في ولايات الساحل الأميركي قبل عدة أيام.
وفي نفس الوقت، تجتاح الحرائق ولاية كاليفورنيا وغيرها من الولايات الغربية الأميركية، بشكل جنوني مدمر لم تشهده من قبل، والسبب الذي لا يمكن الجدال فيه لتفسير شدة الأعاصير والحرائق هو دون شك ارتفاع حرارة المياه والجفاف والتصحر وحتى ارتفاع منسوب المياه بفعل ذوبان الجليد، وكل هذه الظواهر والأحداث تزداد وسوف تزداد حدتها في المستقبل القريب، بفعل التغيرات البيئية والمناخية التي أحدثها البشر في النظام البيئي من الأرض.
وتأتي هذه الأحداث بعد الفيضانات التي اجتاحت دولا أوروبية مثل ألمانيا وبلجيكيا وفي تركيا، وما خلفته من مئات القتلى والمفقودين، ومن الدمار الهائل الذي أحدثته الأمطار الغزيرة، والتي حسب بعض التقارير لم تحدث في أوروبا منذ حوالي ألف عام، وهي تدق ناقوس خطر حقيقي لما يمكن أن يحدث في العالم خلال السنوات القليلة القادمة، من أمطار غزيرة وفيضانات وارتفاع الحرارة وأعاصير وحرائق وجفاف وتصحر وقلة المياه وذوبان الجليد وارتفاع مستوى المحيطات وغير ذلك، ولن تكون أي دولة في العالم بمعزل عن هذه الأخطار.
ورغم أن من يساهم في بث غازات التلوث الى الجو هي الدول الصناعية الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين والهند وكندا وغيرها، وبالتالي المساهمة في رفع درجة حرارة الأرض وما يترتب عن ذلك من تداعيات كما نشاهد هذه الأيام، ألا أن من يتأثر بذلك هي دول العالم قاطبة أو جميع مناطق العالم، حيث لا يفرق التغير المناخي بين هذه الدول أو تلك.
حيث من الواضح أن هناك عاملين مهمين ناتجين عن التغيرات المناخية، قد يكونا ساهما في شدة وضخامة الإعصار وما نتج عنهما، العامل الأول هو ارتفاع درجة حرارة المياه في المحيط، حيث تشير التقارير الى أن درجة حرارة مياه المحيط قد ارتفعت بحوالي درجتين الى ثلاث درجات مئوية خلال العشر سنوات الماضية، وعلى ما يبدو أن هذا ساهم في سرعة زيادة شدة الأعاصير وفي ضخامة حجمها وفي تحركها السريع من المياه الدافئة نحو اليابسة.
والعامل الثاني هو ارتفاع منسوب المياه في المحيطات بسبب ذوبان الثلوج المتجمدة بفعل ارتفاع درجة حرارة الأرض خلال السنوات العشر الماضية، حيث تشير التقارير الى ان مستوى المياه قد ارتفع بحوالي 9 سم، وهذا ربما يفسر كمية المياه الهائلة التي جرفها الإعصار، وكذلك كمية مياه الأمطار التي ما زالت تهطل والتي من المتوقع ان تؤدي الى غرق أجزاء كبيرة من الأراضي وفيضانات غير مسبوقة.
وهذا يعود بالأساس الى ما يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري، او ظاهرة البيت الزجاجي، التي تتشكل بسبب انبعاث الغازات من المصانع والمعامل والمركبات ومحطات الكهرباء، وربما ما يصاحب ذلك من انخفاض في نسبة هطول الإمطار، والذي سوف يؤدي إلى عدم تغذية أحواض المياه الجوفية ومن ثم ارتفاع درجة ملوحتها وازدياد احتمالات التلوث، وان ارتفاع ملوحة التربة وقلة المياه وارتفاع درجات الحرارة، يمكن ان يؤدي الى ازدياد التصحر ومن ثم الى نقص المحصول الزراعي، وعدم القدرة على زراعة بعض المحاصيل، التي تم الاعتياد على زراعتها.
والتلوث سواء أكان تلوث الهواء أو المياه أو التربة أو الطعام، لا يمكن عزله عن التصاعد الكبير في نسبة الأمراض غير السارية أو المزمنة وحتى ظهور أفات جديدة وبالتالي أمراض أو أوبئة جديدة، وتصاعد حدة مقاومة البكتيريا للأدوية وخاصة المضادات الحيوية، وفي ظل كل ذلك، لا يجادل الكثير وكما كان يحدث في السابق، بحدوث التغيرات البيئية والمناخية والإخلال بالتوازن الطبيعي البيئي والتنوع الحيوي وما الى ذلك من تداعيات، والذي تم ويتم بفعل نشاطات البشر على مدى العقود الماضية.
والتغيرات البيئية والمناخية تكون حدتها أكثر على الفئات الضعيفة والهشة ومن ضمنها المرأة، التي تعاني من ندرة المياه النظيفة الصالحة للاستعمال البشري، ومن تلوث الهواء حيث أشار أحد التقارير الدولية الى أن تلوث الهواء فقط، يؤدي الى وفاة حوالي الألف من الأشخاص يوميا، وكل ذلك بسبب انبعاث الغازات الى الجو، الذي أحدثته النشاطات الاقتصادية المكثفة خلال السنوات الماضية، والفئات الأكثر وفاة من هذا التلوث النساء والأطفال وأصحاب الأمراض المزمنة.