في جنين فرحون وخائفون : بالنسبة لهم الحدود بين الحياة والموت رقيقة ومرات عديدة تمر عبر السجن

حجم الخط

هآرتس – بقلم عميره هاس

جد زكريا الزبيدي من جهة والدته، محمد علي جهجاه، كان من بين الاسرى الـ 66 الذين هربوا من سجن شطة في انتفاضة الاسرى الكبرى في العام 1958. هذه المعلومة من تاريخ العائلة ذكرها أول أمس بشكل عفوي عم زكريا، جمال الزبيدي. وقد مرت 63 سنة وساحة الاحداث تقريبا لم تتغير (سجن جلبوع الذي هرب منه السجناء الستة في هذا الاسبوع هو نوع من توسيع لسجن شطة). 

جهجاه ووالد جمال ولدوا في قيصاريا التي تقع على شاطيء البحر، وتم طردهم منها ولم يسمح لهم بالعودة اليها بعد العام 1948. مثلما قال جمال الزبيدي للصحيفة، فان جهجاه نجح في اجتياز الخط الاخضر وعاد الى عائلته في مخيم جنين للاجئين، الذي كان في حينه داخل حدود المملكة الاردنية. بعد ذلك وقبل احتلال الضفة في العام 1967 ذهب الى الاردن وعمل في صفوف حركة فتح هناك. بعد احداث ايلول الاسود في العام 1970 والمواجهة بين التنظيمات الفلسطينية والسلطات الاردنية غادر مع لاجئين ومسلحين فلسطينيين آخرين الى سوريا. بعد ذلك هاجر الى المانيا وهناك توفي في حادث طرق. 

الابنة سميرة بقيت في المخيم، وتزوجت من شقيق جمال الذي توفي في سن صغيرة بمرض السرطان، هذا بعد أن رفض اعطاء معلومات للشباك مقابل مواصلة علاجه. وقد ترك وراءه سبعة اولاد صغار الذين جمال اصبح أب لهم. في 4 آذار 2002، في الانتفاضة الثانية، قام جندي باطلاق النار على والدة سميرة وقتلها حيث كانت تقف وراء النافذة في مخيم جنين. 

هرب الموقوفان (محاكمة الزبيدي ومناضل نفيعات ما زالت مستمرة) والسجناء الاربعة المحكومين بالمؤبد، فاجأ ابناء عائلاتهم. عدد منهم زاروا ابناءهم في السجن فقط قبل بضعة ايام من ذلك. بعد فترة طويلة كانت فيها الزيارة ممنوعة بسبب الكورونا أو بسبب قيود حركة اخرى.

في المقابلات مع وسائل الاعلام الجميع قالوا نفس الشيء: “من استيقظوا باكرا قرأوا التقارير الاولى عن عملية الهرب في الشبكات الاجتماعية، حتى قبل أن يتم نشر الاسماء”. بعد ذلك بدأت الهواتف بين واحد وآخر من اجل التأكد من أن أحدا لم يسمع الاخبار. الاصدقاء بدأوا يتدفقون الى البيوت ومعهم مراسلون. “نحن لا يمكننا الاجابة على الاسئلة لأننا لا نعرف أي شيء”، لخص جمال الزبيدي.

الجميع في الصالون

في الليلتين الاوليين بعد التحرر الذاتي للسجناء الستة، كما يسمونه، تجمع ابناء العائلة والاصدقاء، جميعهم من الرجال بالطبع، في صالون بيت جمال المتواضع في المخيم. اصدقاء من نابلس احضروا الحلوى للاحتفال بالتحرر. وبتوتر وخوف استمروا بمتابعة الاخبار واستعدوا نفسيا لاحتمالية اقتحام المخيم (مثلما كانت الحال بالفعل في قرية كفر دان وعرابة، حيث تم اعتقال اخوة بعض السجناء الفارين)، الجميع بقوا مستيقظين حتى الخامسة – السادسة صباحا وبعد ذلك ذهبوا للنوم.

في الخارج، في الازرقة، ايضا كانت احتفالات. كان هناك من وزعوا الحلوى واطلقوا العيارات النارية في الهواء. “من الطبيعي أن يحتفلوا”، قال جمال الزبيدي. “ومن الطبيعي أن نفرح ونخاف على حياة الستة في نفس الوقت. نحن قلقون مما قد يحدث لهم. ومما قد يفعلونه بهم”. من المقابلات في وسائل الاعلام يتضح أن ابناء عائلات السجناء البالغين الذين هربوا عبروا عن القلق على مصيرهم، وليس فقط عن الفرح من خطوتهم. الاصغر سنا ركزوا على الاحتفال بالنصر. جبريل الزبيدي (36 سنة) كان على قناعة في البداية بأن الامر يتعلق بسجناء جنائيين هربوا من السجن. لقد استيقظ مبكرا، (“أنا آخذ ابني ابن السابعة الى الروضة”)، وشاهد التقرير عن الهرب. بعد ذلك نشرت صور السجناء ومن بينهم صورة شقيقه زكريا وتفاجأ. وقال للصحيفة “لم يتقرر بعد الحكم على شقيقه وربما لن يفرض عليه حكم طويل بالاعتقال. من جهة اخرى قال “ما هذه الحياة. أنا عمري 36 سنة ولم أر حتى الآن البحر”. 

العم جمال (65) لم يتفاجأ. “نحن في وضع فيه الحدود بين الحياة والموت رقيقة جدا. وحتى لو أخذ زكريا حكم 10 – 12 سنة فماذا كان سيفعل وسيشعر عندما سيتم اطلاق سراحه وهو في جيل 60 سنة؟ من 1967 كل ما عرفناه هو الاعتقال والقتل والاصابة. لم يعد هناك أي فرق بين الحياة والموت”. وسواء كان زكريا يعرف عن خطة الهرب أو لا، فان عمه ايضا لم يكن متفاجئا من أنه ذهب لزيارة غرفة الجهاد الاسلامي. احيانا السجناء يطلبون زيارة اصدقاء لهم في غرف اخرى لبضع ليال وسلطات السجن تسمح بذلك. احد السجناء في غرفة 2، يعقوب قادري، كان في السابق في “كتائب شهداء الاقصى” وهو صديق زكريا”، قال جمال.

جمال نفسه سجن ثماني مرات في اسرائيل، واحيانا في الاعتقال الاداري وفي بعض الاحيان حكم بسبب نشاطه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطيني. فترة السجن الاطول التي قضاها بشكل متواصل كانت سنة. اولاده الثلاثة مسجونون الآن في اسرائيل لفترات قصيرة. “هنا في جنين نحن لا نتحمل الجيش أو حتى السلطة الفلسطينية”. وهو شرح كيف أن اولاده وصلوا الى السجون الاسرائيلية. “هي مثل المسيحيين تقدم الخد الثاني للاحتلال”. جبريل تحرر من السجن قبل ثلاثة اشهر الذي استمر سنة ونصف (بسبب نشاطه في فترة الانتفاضة الثانية في كتائب شهداء الاقصى قضى عقوبة مدتها 12 سنة). وحسب قوله، النيابة العسكرية اتهمته باتهامات شديدة تشمل الاتجار بالسلاح واطلاق النار. وقد نفى جميع التهم، وفي نهاية المطاف طلب منه الموافقة على صفقة تشمل “تحريض في الفيس بوك”. هو وافق على ذلك لأنه سئم من المكوث في السجن. ولأنه عرف أن النيابة العامة لن تسمح لنفسها بالاعتراف بالخطأ. لقد قضى عشرة اشهر في السجن وبعد ذلك تم نقله للاعتقال الاداري. بعد ذلك قام بالاضراب عن الطعام مدة 27 يوم، ووعد أنه بعد انتهاء ستة اشهر سيتم اطلاق سراحه. في اليوم الذي كان سيطلق سراحه فيه تم ارساله مرة اخرى الى الاعتقال الاداري. اضراب آخر عن الطعام، قصير، أدى في هذه المرة الى اطلاق سراحه.

سيرة ذاتية مختصرة

كل واحد من السجناء الذين نجحوا في الهرب في بداية الاسبوع من سجن جلبوع يحمل تاريخ عائلي يتضمن جزء من الخصائص التالية: حياة لجوء، موت احد الاقارب باطلاق نار اسرائيلي، ذكريات طفولة عن اقتحامات عسكرية واقتحامات للبيوت، مصادرة اراضي العائلة لغرض الاستيطان، عمل في اسرائيل، اعتقالات، مشاركة في نشاطات مسلحة ضد الاحتلال الاسرائيلي. باستثناء الزبيدي فان اصل اثنين من الفارين هو من عائلات لاجئة من منطقة حيفا. عائلة يعقوب قادري تعيش في قرية بير الباشا التي اقامها اللاجئون في العام 1948، وعائلة مناضل نفيعات استقرت في قرية يعبد التي استوعبت في حينه الكثير من اللاجئين. أيهم كمامجي وابناء خاله محمد ومحمود العارضة هم من قرى في منطقة جنين. الكثير من ابناء عائلة العارضة، الذين عدد منهم قتلوا في مواجهات مع اسرائيل وعدد منهم في السجن، هم متماهون مع الجهاد الاسلامي.

في وسائل الاعلام الاسرائيلية يقلصون تاريخ كل واحد من الستة بتعريف “مخرب”، وهكذا يخربون في القدرة على فهم اختياراتهم في حياتهم أو الحب الذي يغدقه عليهم الجمهور الفلسطيني والسرور بسبب جرأتهم ونجاحهم حتى الآن. حتى من لا يتفقون مع اسلوب الجهاد الاسلامي والزبيدي، إلا أن الستة بالنسبة لهم يعتبرون اشخاص مستعدون للتضحية الاكبر، “الحياة والحرية”، من اجل استمرارية النضال الفلسطيني من اجل الاستقلال.

السبب في أن زكريا الزبيدي هو الاكثر شهرة من بين الستة، لا ينبع فقط من حقيقة أن الجهاد الاسلامي لا يتحدث مع وسائل الاعلام الاسرائيلية، خلافا للانطباع ودرجة الاهتمام الاعلامي به، فهذا تنظيم صغير نسبيا واعضاءه الذين ينتمون للذراع العسكري بالتأكيد يحافظون على قواعد النشاط السري. هم لا يركضون للتحدث مع اصدقائهم عن اسماء قادتهم والبحث عن تغطية اعلامية، مثلما اعتاد نشطاء كتائب شهداء الاقصى على فعله في فترة الانتفاضة الثانية. يمكن الافتراض بأن نجاح السجناء الستة في الهرب والتجول بحرية خلال فترة طويلة، يرتبط ايضا بقدرة التخطيط والحفاظ على السرية التي طورها اعضاء التنظيم. هذه هي الخصائص التي بسببها معظم عمليات الهرب من السجون الاسرائيلية منذ منتصف الثمانينيات (التي فشلت والتي نجحت)، قام بها سجناء من الجهاد الاسلامي أو بمشاركتهم. 

الجهاد الاسلامي، مهما كان صغير، يجذب اليه شباب غير متدينين بالضرورة، لكنهم خائبي الامل مما يرونه عجز للسلطة الفلسطينية والمنظمات الفلسطينية امام السلطة الاسرائيلية وخضوع لها. هم يعرفون انه يمكنهم تحقيق رغبتهم في المشاركة في عمليات مسلحة في صفوف هذا التنظيم الذي هو غير مقيد بالقيود والاعتبارات السياسية (باستثناء تأييد ايران والاعتماد على دعمها). هكذا، يأتي اليه ايضا من ليسوا بالضرورة متعصبين، أو أنهم كانوا متماهين مع منظمات مثل فتح والجبهة الشعبية. بعد ذلك يمكن التخمين بأنهم يتحولون الى متعصبين اكثر. 

ايضا بدون أن يكون شخص متعصب وبدون أن يكون في الجهاد الاسلامي، فان جبريل الزبيدي يؤمن بالله، لذلك هو لا يقلق على حياة زكريا. “أنا اعرف أن الله هو الذي قرر، قرر أن حفر النفق سينجح وأن السجانة في برج المراقبة ستنام. وهو الذي جعل الشرطة لا تصدق التقارير في البداية عن شخوص قرب السجن. موضوع زكريا يوجد في أيدي الله وليس في أيدي المخيم أو الاصدقاء. زكريا اطلقت عليه النار عدة مرات وهدم بيته ونشرت عنه اكاذيب فظيعة. عندما اراد الله تم اعتقاله. بعد ذلك خرج من السجن بكرامة. نصف عائلتنا فوق في السماء. الأم والأب وشقيقي طه (الذي كان عضو في الجهاد الاسلامي وقتل عند اقتحام الجيش لمخيم جنين في نيسان 2002). الله هو الذي سيقرر اذا كان زكريا سينضم اليهم أم لا”.