من حرب «الجرف الصامد» إلى هدم منزل العكاري: قصة فشل إسرائيلية

جيش الاحتلال
حجم الخط

حينما يريد "الشاباك" والنيابة العامة منع نشر نبأ فهما لا يكتفيان باصدار أمر بمنع النشر، بل يذهبان أبعد من ذلك ويقومان باستصدار أمر منع نشر على أمر منع النشر. لسبب ما، في قضية التحقيق الامنية التي احتلت العناوين الرئيسة، هذا الاسبوع، امتنعا عن فعل ذلك.

فقد فتحا الباب أمام تدفق النشر في وسائل الاعلام الرسمية والشبكات الاجتماعية. الاستنتاج هو إما أنه كان هنا اهمال وفشل وإما أن الموضوع كان متعمدا. حاول أحد ما في الجهاز أن تكون القصة عائمة.

كلما تم الحديث أكثر عنها في الشبكات تزداد فرصة الحصول على الأدلة، وهذا الامر حدث في السابق. مرت اربعة اشهر منذ احراق عائلة دوابشة في دوما. وعندما نأخذ في الحسبان النتائج الكارثية لهذا العمل وموجة العمليات التي في أعقابه والضرر السياسي والامني الذي تسببت فيه، والشعور الذي يسيطر على كثير من الاسرائيليين من اليمين واليسار، سنفهم الى أي حد من المهم العثور على القتلة ومحاكمتهم.

يُكثرون من المقارنة بين القتل في دوما وقتل الفتى محمد أبو خضير في القدس في تموز الماضي. صحيح أن الجريمة هي الجريمة ذاتها؛ ففي الحالتين قام اشخاص باحراق اشخاص أحياء حتى الموت، وفي الحالتين كان الدافع قوميا متطرفا وكان الضحايا صدفيين لا حول لهم ولا قوة.

لكن الفرق هو المحيط الذي جاء منه المنفذون. يوسف حاييم بن دافيد، قاتل الفتى من شعفاط والقاصران اللذيان انضما اليه، نشؤوا على هوامش الكهانيين في الوسط الديني اليميني. وقتلة عائلة دوابشة نشؤوا على ما يبدو في هذا الوسط ايضا، في الجيل الثالث لمؤسسي مشروع الاستيطان.

المقارنة المطلوبة هي مع الخلايا السرية اليهودية التي نشأت في المستوطنات في بداية الثمانينيات. اعضاء هذا التنظيم الارهابي نفذوا اعمال قتل صدفية وغير صدفية. وقد ندم بعضهم، وبعضهم لم يندم حتى الآن. محاسبة النفس التي لم تحدث في حينه عادت وظهرت في اعمال "تدفيع الثمن"، حيث كانت الذروة في عملية القتل في دوما.

يمكن الاعتقاد أن عاصفة ستهب عندما سيتم نشر أسماء المشبوهين بالقتل. وهناك من سيلقي باللوم على كل الوسط. الاتهام الجماعي سيدفع الى الرد من الطرف الثاني مثلما حدث بعد قتل رابين وهكذا دواليك. هذا شيء خاطئ. فليس صحيحا وليس عادلا اتهام جماعة كاملة من السكان بسبب مخالفات أفراد. ولكن ليس خاطئا أو مرفوضا طلب اجابات من اولئك الذين يزعمون قيادة هذا الجمهور – الحاخامات ورؤساء مجلس "يشع" والمجالس المحلية واعضاء الكنيست من "البيت اليهودي".

هؤلاء الاشخاص يعرفون كيفية الطلب من الآخرين، وهم متسامحون تجاه ما يحدث في بيتهم. في قضية ينون مغيل اضطروا للحظة الى النظر الى الداخل وعملوا ما هو مطلوب، لكن المسألة كانت صغيرة نسبيا واستندت الاستخلاصات على الاجماع. أما القتل في دوما فهو قصة مختلفة تماما. الميثولوجيا اليونانية تتحدث عن النرجس الذي كان جميلا ويحب نفسه. الآلهة نمسيس فرضت عليه عقوبة شديدة، حيث حبسته أمام مظهره المعكوس في بركة مياه، حيث أحب نفسه حتى مات.

فخر فلسطين

عاد الاولاد من المدرسة عند الظهيرة بعد أن أصبح هدم المنزل حقيقة واقعة. بعضهم جاء سيرا على الاقدام، واغلبيتهم جاؤوا في الحافلات والسيارات، وحملوا أدواتهم الشخصية في حقائب الظهر الكبيرة والثقيلة بالنسبة لجيلهم، تماما مثل الاولاد الاسرائيليين.

مروا أمام الشرطة في حالة صمت وهم غاضبون من وجودهم وخائفون من التورط. لم يُسمح للحافلات بدخول مخيم شعفاط، حيث تم إنزال الطلاب في المفترق، ومن هناك استمروا سيرا على الأقدام في ممر ضيق بين جدارين من الاسلاك الشائكة. نظرت اليهم.

ماذا يوجد أكثر طبيعية من عودة الطلاب من المدرسة؟ من جهة اخرى كل واحد منهم يستطيع فجأة اخراج سكين، وكل واحدة منهن تستطيع اخراج مقص. الاشهر الاخيرة عملت على تغيير الاولاد وتغيير الطريقة التي ننظر فيها نحن الاسرائيليين اليهم. بعد عبورهم الحاجز شعروا أنهم في أمان، وبدؤوا رشق الحجارة واشعال النار، وتصاعد الدخان الاسود.

أحد المصورين شاهد القاء اسطوانة غاز الى داخل النار، وكان الانفجار شديدا مثل العبوة الناسفة والحزام الناسف. احتاجت الشرطة الى 1200 شرطي لحماية تفجير بيت ابراهيم عكاري، الذي نفذ عملية دهس قتل فيها اثنان – جندي من حرس الحدود هو جدعان أسعد والشاب شالوم بعراني وأصاب 13 شخصا.

عملية الدهس حدثت في خط القطار الخفيف في القدس، في تشرين الثاني الماضي. حجم وقوة أعداد رجال الشرطة كان له تأثير، حيث مرت عملية التفجير بهدوء نسبي. والحافلات التي وصلت لاخلاء رجال الشرطة ناورت أمام الحافلات التي أحضرت الطلاب الفلسطينيين الى بيوتهم.

وعلى سيارات الشرطة من الخلف ظهرت صور دعاية وسُمعت بين الفينة والاخرى اصوات انفجارات: قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. مخيم شعفاط للاجئين هو السجن الأكبر في البلاد، حيث يعيش هناك أكثر من 60 ألف شخص باكتظاظ مثل السردين في مبان متعددة الطوابق بدون أساسات، وشوارع بدون ظل، وهو محاط بجدار اسمنتي مرتفع وأبراج مراقبة. الخروج من المخيم يُسمح لمرة واحدة في اليوم، حيث أنه محصن أكثر من سجن أيلون. إن اهمال هذا المكان في القدس هو وصمة عار في جبين اسرائيل. محمد، وهو أحد سكان حي وادي الجوز، له ميني ماركت داخل المخيم. منذ 18 سنة يقوم بتشغيل حانوته ويقوم بفتحه الساعة 8 صباحا ويغلقه في الواحدة ليلا. في هذا الصباح لم يفتح حانوته لأنه بهذا كان سيعرض نفسه ومحله للخطر: "الوضع دائما كان صعبا، لكن في السنتين الاخيرتين أصبح أصعب بكثير"، قال. "لا يوجد سيد هنا، ولا توجد شرطة، لا توجد بلدية ولا يوجد أي شيء. السلاح متوفر بقدر ما تريد، وكذلك المخدرات، وكل واحد يتصرف كما يشاء. "الاولاد يشاهدون الصور في الانترنت، في البداية المسجد الاقصى، وبعد ذلك السكاكين، ويصابون بالهستيريا وليس أمامهم شيء آخر يفعلونه". بعد خروج الشرطة فورا بدأت عملية اعمار المنزل. وقد رفع الشباب فوق الانقاض رايات "حماس" الخضراء، وقاموا باخلاء الحجارة الحجر تلو الآخر، ووعدوا أنه خلال يومين سيتم بناء بيت جديد هناك سيكون فخر فلسطين. ستة مستويات من الغضب لم يقم وزراء الحكومة في اسرائيل في أي يوم من الايام بزيارة مخيم شعفاط للاجئين. فهناك حدود لما يمكن أن يقدموه للوطن. لكن ما يعرفه صاحب الحانوت، هم ايضا يعرفونه، أو بعضهم على الأقل. حملة "الاقصى في خطر" التي أطلقتها الحركة الاسلامية في اسرائيل هي المتفجرات. يمكن تصوير خارطة الغضب في المستويات الجيولوجية المتراكمة فوق بعضها. المستوى الاول هو مظاهرات الأقصى؛ المستوى الثاني هو القول إنه لا توجد تغييرات على الارض؛ الثالث هو قرار أبو مازن تقديم استقالته، الذي فتح الحرب في قيادة "فتح"، حيث يضطر جميع المرشحين الى "التطرف" في مواقفهم؛ الرابع هو اليأس من أداء السلطة الفلسطينية، فهي لم تقدم أي انجازات حسب قول الشارع؛ الخامس هو نشوء جيل فلسطيني جديد من مئات آلاف الشباب المتعلمين العاطلين عن العمل، وهم غاضبون ولا يخشون من الكابتن روني في "الشاباك"، ويتمردون على العائلة ويقتنعون أن زمنهم قد حان؛ المستوى السادس هو الاحتكاك اليومي مع المستوطنين. الكراهية عميقة واعمال العنف متبادلة: هؤلاء يرشقون الحجارة واولئك يحرقون الاشجار. ضباط في الجيش الاسرائيلي يُعزون أنفسهم بالعدد القليل الذي يشارك في المظاهرات، فطالما لم ينزل كل الجمهور الى الميادين ونشطاء التنظيم لا يستخدمون السلاح، فانه لا توجد انتفاضة. هذا برهان قديم، حيث إن الميدان قد انتقل منذ زمن من الشارع الى الانترنت. اغلبية السكان يؤيدون العمليات ويقدسون المنفذين الشهداء. الكاريكاتور الذي تم نشره في الصحيفة الفلسطينية يصف بشكل جيد المسيح الجديد: سكين ملطخة بالدماء موضوعة على الطاولة ويد السكين هي رمز الفيسبوك. تُسمي السلطة الفلسطينية موجة العمليات الحالية "هبة"، و"حماس" تسميها انتفاضة. والفرق ليس صدفيا: السلطة اختارت اسما يُبعد المسؤولية عنها، مثل الكارثة الطبيعية أو قوة عليا. فهي تريد استمرار العنف المتقطع، لكن دون أن يتصاعد. أما "حماس" في المقابل فتتمتع بكل لحظة. ليس جرفا وليس صامدا عملية الجرف الصامد تم تسويقها للجمهور كانجاز: دخلنا الى قطاع غزة، قضينا على "حماس" وقاتلنا ببطولة وانتهينا بـ 73 قتيلا فقط، وحصلنا على فترة من الهدوء. الكتاب الذي نشره، هذا الاسبوع، عضو الكنيست عوفر شيلح (يوجد مستقبل) يُخصص لقتلى عملية الجرف الصامد. هذا ليس صدفة، فشيلح مقتنع بأن نتيجة العملية كانت الفشل العسكري الاكبر لاسرائيل في العقود الاخيرة، الفشل الذي يفوق فشل حرب "يوم الغفران". كتاب "الشجاعة الى الأبد – سياسة اسرائيل الامنية" يلخص ما تعلمه شيلح من عمليتي تغطية اعلامية للاجهزة الامنية، ومما تعلمه كعضو في اللجان الثانوية الاكثر حساسية في لجنة الخارجية والامن. هذا الكتاب مهم ومحفز وصعب – بهذا الترتيب. مهم لأنه يشمل 120 توصية مفصلة لاحداث التغيير في طريقة عمل الاجهزة الامنية، والواجبات الملقاة على الكابنيت ورئيس الحكومة وحتى مستوى الكتائب؛ وصعب لأنه لن يكون هناك أي تغيير حقيقي. يأمل شيلح أن يُحدث هذا الكتاب نقاشا جماهيريا جديا. "هذا صراع مع طواحين الهواء ومطلوب من السياسيين دخوله"، قال لي، هذا الاسبوع. يوجد في الكتاب كلام مهم، حسب رأيي، وهو أن الرئيس المصري أنور السادات أصدر في 1 تشرين الاول 1973 أمرا سريا هو: "النقطة المركزية في نظرية الامن الاسرائيلية هي اقناع مصر أنه لا فائدة من العداء مع اسرائيل، لذلك لا مناص من الحصول على شروطها... سنقوم بعملية عسكرية حسب قدرتنا بهدف تكبيد العدو ضحايا وأن استمرار احتلال اراضينا له ثمن كبير. النتيجة ستُمكن من ايجاد حل محترم للازمة في الشرق الاوسط". "في العادة يتحدثون في اسرائيل عن حرب "يوم الغفران" على أنها انتصار عسكري"، يقول شيلح. "عمليا السادات حقق الهدف الذي سعى اليه حيث أعاد ما تم أخذه من مصر في العام 1967". من بين جميع الاخفاقات لماذا اختار بالتحديد "الجرف الصامد". "تحليلاتنا للفشل هي أن الاشخاص قد فشلوا. أقول شيئا أعمق وأخطر، حسب رأيي: الجرف الصامد هي مثال على الشرخ في نظرياتنا الاساسية. نحن نوجد أمام "حماس" و"حزب الله"، عدوين لا نقرأهما بشكل صحيح. الفرضية الاسرائيلية هي أن الحديث يدور عن تنظيمات ارهابية على طريقة اضرب واهرب. ولأن اسرائيل لا تريد احتلال غزة، فانها تطلق باتجاهها كميات كبيرة من القنابل بأثمان مخيفة لا استطيع تفصيلها، ومن ثم تُفاجأ من أن "حماس" غير معنية بوقف اطلاق النار. هناك حلول اخرى سياسية وعسكرية لا تستدعي بالضرورة احتلال غزة". دافيد بن غوريون، كما يقول شيلح، كان وزير الدفاع الاخير الذي وضع نظرية عسكرية لاسرائيل، وورثته تملصوا منها. "بوجي يعلون مثل أسلافه ليس الرئيس المدني لجهاز الامن. وبدل أن يُشكل جهاز الامن من أعلى فهو يدافع عنه أمام الاجهزة المدنية". سألت ما الذي تعتقده حول التغييرات التي يريد رئيس هيئة الاركان آيزنكوت إحداثها؟ "يفهم آيزنكوت جيدا التغييرات المطلوبة". "لكن قسما كبيرا من ذلك ليس في يديه. فالسياسة في المناطق يتم تحديدها من المستوى السياسي، وايضا الحسم أمام "حماس" و"حزب الله".

ليس هو الذي يقرر المبادرات السياسية التي يجب أن ترافق العمل العسكري. منذ اليوم الاول طُلب منه أن يكون في المكان الذي لا يوجد فيه اشخاص. "عندما صدر تقرير لوكر قال آيزنكوت إن التقرير يفصل حجم الجيش الاسرائيلي ومدة الخدمة دون تحديد نظرية أمنية وطريقة تفعيل. هو على حق. يجب أن تكون هناك نظرية شاملة، وهذا يستطيع فعله فقط رئيس الحكومة ووزير الدفاع". قلت إن الجيش الاسرائيلي مقدس في نظر الجمهور؟ "الجيش غال علينا، ولا جدل في ذلك. نحن نكثر من القول إن الجيش الاسرائيلي هو الجيش الافضل، ولا نسأل أنفسنا اذا كان الجيش الاسرائيلي في شكله الحالي هو الجيش الاكثر ملاءمة".

عن "يديعوت"