إفلاس السياسة الأميركية - الإسرائيلية تجاه القنبلة الإيرانية

حجم الخط

بقلم: إيهود باراك



نشرت "نيويورك تايمز"، مؤخراً مقالاً مهماً قضى بأن إيران، هكذا حسب تقويم "المعهد الدولي للعلم والأمن"، قلصت زمن الانطلاق لتحقيق كمية اليورانيوم المخصب، التي تكفي لقنبلة نووية واحدة، إلى شهر فقط.
الاتفاق، الذي يعود إلى العام 2015، والذي كان بعيداً عن أن يكون كاملاً، ألزم إيران بأن تخلي معظم اليورانيوم المخصب من أراضيها، وأن تبتعد إلى الوراء عن "زمن الانطلاق" سنة تقريباً. أما اليوم فتصل المسافة إلى 30 يوماً فقط.
في اختبار النتيجة، هذا إفلاس للسياسة النووية التي قادها نتنياهو وترامب تجاه إيران. فخروج الولايات المتحدة من الاتفاق لم يؤدِ إلى تراجع إيراني تحت العقوبات، بل سمح لطهران بأن تحطم استمرار الرقابة ونوعيتها، وأن تقصر بشكل دراماتيكي وخطير "زمن الانطلاق".
وبينما يندفع الإيرانيون بسرعة إلى هدفهم لا يزالون يدعون بأن في نيتهم الوصول إلى اتفاق، بشروط محسنة. ولكنهم هم الذين عرقلوا على مدى نصف السنة الأخيرة المفاوضات بشأن استئناف الاتفاق، وأوقفوا عملياً الرقابة، وبدؤوا بالتخصيب إلى مستوى عسكري أمام الواقع الجديد الناشئ، ومن المشكوك فيه أن يكون هناك حقاً ما يمكن البحث فيه.
إذا تحقق اتفاق، وهذه "إذا" كبيرة، فإنه لا يزال يمكنه أن يفرض اضطرارات معينة على إيران، ويمنحها صورة من لم تركل بعد المطلب الدولي بألا تصبح دولة نووية. غير أنه في نظرة أقرب تظهر صورة أكثر إقلاقاً بكثير. باحتمالية عالية نجد أن الجياد فرّت منذ الآن من الإسطبل. لقد اجتازت إيران أغلب الظن نقطة اللاعودة باتجاه كونها "دولة عتبة" نووية.

الادعاءات المضادة والحقيقة
في محاولة للتهدئة، يطلق الادعاء بأن حيازة مادة مشغلة لقنبلة واحدة ليس بعد قنبلة، ولهذا فإن القلق مبالغ فيه. موضوعياً هذا صحيح، ولكنه يفوق الأمر الأساس. الحقيقة هي أن تخصيب اليورانيوم إلى مستويات ليس لها أي استخدام غير عسكري هو إعلان نوايا واضح بأن الهدف هو سلاح نووي.
وهاكم ادعاء آخر: حتى لو كانت هناك مادة مخصبة فإنه يبقى وجوب معالجتها لتصبح معدناً، وهناك حاجة لبناء سلاح. أما الحقيقة فهي أن الإيرانيين ينشغلون بالموضوعين منذ زمن بعيد، ولا يوجد ما يدعو ألا ينجحوا. والأساس هو أن هذا عمل سهل نسبياً على الإخفاء، وصعب العثور عليه.
إن التخصيب في المستويات المتدنية هو جهد صناعي واسع النطاق يتم في مواقع تحت الأرض ضخمة، ومن الصعب جداً إخفاؤها. أما القفز إلى التخصيب اللازم للسلاح النووي فهو أقصر بكثير، ومع أجهزة طرد مركزي متطورة يمكن تنفيذه في زمن قصير، في موقع صغير نسبياً سيكون من الصعب العثور عليه.
هذه بالضبط هي الأسباب التي لأجلها عُرف "زمن الانطلاق" كالمؤشر الأساس على نوايا الإيرانيين وقدرتهم على إكمال المشروع دون إمكانية حقيقية لوقفهم. كيف نعرف أن هذا ممكن؟ لأن هذا بالضبط ما فعلته كوريا الشمالية، رغم المعارضة الأميركية الشديدة.
ادعاء آخر هو أن نية إيران هي أن تصبح "دولة عتبة" نووية، وتتوقف هناك. هذا ادعاء مع قيمة محدودة جداً بالنسبة لنا، نحن الإسرائيليين. أما الحقيقة فهي أنه من ناحية قدرة الوصول إلى السلاح النووي، لا فرق بين "دولة عتبة" و"دولة نووية". "دولة العتبة" يمكنها أن تحوز سلاحاً نووياً، ويحتمل أن تحوز غير قليل منه أيضاً باستثناء أنها لا تحوز المادة "موحدة" وجاهزة للاستخدام الفوري، بل منفردة حيث إن تحويلها إلى "سلاح" يتطلب زمناً، بضع ساعات، أو بضعة أيام، أسابيع أو أشهر، كيفما ترغب الحكومة.
إسرائيل هي الأخرى تصنف أحياناً في الأكاديميا كـ"دولة عتبة"، على خلفية إعلانات قادتها بأن "إسرائيل لن تكون الأولى في إدخال سلاح نووي إلى الشرق الأوسط".
"دولة العتبة" هي بالإجمال أداة دبلوماسية، في أيدي القيادة السياسية لتشويش الوضع المعلن لها، وزيادة المرونة وحرية العمل السياسي. هذه ليست نصف مواساة بالنسبة للتقدم الإيراني إلى النووي.
يحتمل بالتأكيد أن تفضل إيران التوقف في هذه المرحلة وألا تنفذ تجربة نووية أو تعلن رسمياً دخولها إلى النادي النووي. هذا لا يزال إنجازاً تاريخياً هائلاً للنظام الإيراني.

شوكة بايدن
الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس بايدن، توجد في ذروة فك ارتباط عن الشرق الأوسط كي تركز على الصين، التي تعد التحدي المركزي لمكانة الولايات المتحدة. إيران "شوكة مزعجة"، في الطريق لهذه الخطوة. فالتزام بايدن تجاه إسرائيل حقيقي وشخصي، وليس فقط سياسياً. هذا هو أحد الأسباب التي تجعل إيران مع ذلك مهمة للإدارة.
ولكن بيننا وبين الولايات المتحدة توجد فجوة بنيوية في فهم التهديد الإيراني. فالولايات المتحدة بالفعل لا تريد أن ترى إيران نووية، ولكن هذا ليس المصلحة الحيوية المتصدرة لديها، وهي قد تسلّم بإيران كـ"دولة عتبة". بالنسبة لنا هذا تحد قريب وأكثر تهديداً، لا سيما في المدى البعيد.
ما نشر في "نيويورك تايمز"، الصحيفة الأهم في الولايات المتحدة، هو بتقديري طريقة إدارة بايدن لتبدأ بإعداد الرأي العام في أميركا وفي إسرائيل لهبوط قاس على أرض الواقع.
عندما يقول الرئيس: "لن يكون لإيران في أي مرة سلاح نووي"، ليس واضحاً إذا كان يقصد أن الولايات المتحدة لن تسلم بإيران كـ"دولة عتبة". عندما يقول الرئيس: "إذا لم ينجح هذا بالدبلوماسية فسنتوجه إلى وسائل أخرى"، فإنه لا يقول: "سنستخدم القوة العسكرية كي نحبط لسنوات طويلة البرنامج النووي الإيراني".
وهنا يطرح السؤال، ألم نكن نتوقع بأن تكون بالفعل خطط جارور كهذه، نظراً للعناد الإيراني لـ"الانطلاق"، سيوقفونها بعمل عسكري موضعي، يؤجل الجهد النووي الإيراني سنوات كثيرة؟
عمليات كهذه يجب إعدادها مسبقاً لسنوات، لتطوير وسائل وطرق عمل تتتابع وتتجدد حسب التطورات في إيران، بما في ذلك تعميق التحصين وإخفاء المنشآت وتوزيعها.
بقدر ما يبدو هذا غير معقول، أقول بمسؤولية: ليس واضحاً أن للولايات المتحدة اليوم خطط عمل عسكرية قادرة على أن تؤجل انضاج القدرة النووية لإيران بعدد من السنين. ليس واضحاً أيضاً إذا كانت توجد لإسرائيل "خطط جارور" قابلة للتنفيذ، تؤجل القدرة النووية الإيرانية لسنوات قليلة.
هذا هو الفشل الذريع للثنائي ترامب – نتنياهو. فقد صعدا إلى مسار مواجهة مع خصم ذكي، بينما كانا يتسليان بالأوهام، دون أن يعدا "خطة ب"، لا سيما حين يكون مجرد الخروج من الاتفاق جعل الخطة البديلة أكثر فأكثر تعقيداً على التنفيذ من سنة إلى سنة.
من غير المستبعد أن تكون الولايات المتحدة، القوة العظمى، تتردد اليوم في مسألة ترددنا فيها قبل عقد، مشكلة "مجال الحصانة". أي ما هي المرحلة التي حتى الأعمال الأكثر اتساعاً، التي يمكن لك أن تفكر بها، لا يمكنها بعد اليوم أن تحقق التأجيل المطلوب، بسبب تعمق التحصين، التوزيع، كمية المادة النووية، ومستوى التخصيب الذي تحقق. لا توجد كلمات لوصف حجم القصور إذا كان هذا بالفعل هو الوضع.
في حالة رئيس الوزراء في حينه، فإن القصور أخطر بكثير؛ لأن تدخله السياسي الفظ في 2015 في سيادة الرئيس الأميركي في بيته قد يكون ساعده كإعلان ولاء للحزب والجمهور ولاحقاً لترامب. ولكنه حرم إسرائيل من فرصة قد لا تتكرر للوصول إلى تنسيق عميق في موضوع "خطة الجارور" لحالة انطلاق إيراني، للعمل للحصول على وسائل تسمح لإسرائيل بعمل مستقل في حالة تتفق فيها الحكومتان على الحاجة للعمل.
إن الوقاحة التي لا تصدق لرئيس الوزراء السابق، الذي ينشغل منذ اليوم في إلقاء الذنب عن الوضع الإشكالي الذي تسبب به هو إلى عتبة بديله، الذي جاء لتوّه، وتجسد بالفعل موتاً، لديه على الأقل، موت الخجل والرسمية على حد سواء.
ولكن سيسأل سائل: نسمع المرة تلو الأخرى من المسؤولين هنا وفي الولايات المتحدة بأننا "جاهزون لكل سيناريو" وأنه إذا ما تطلب الأمر منا مهاجمة إيران فسنهاجم إيران. فنياً، هذا صحيح. إذا أمرت الحكومة الجيش الإسرائيلي بأن يهاجم ميناء مهماً، أو منشأة نفط، أو موقعاً نووياً معيناً في إيران، فإنه سيهاجمه بل سيلحق به ضرراً معيناً أو كبيراً.
ولكن الجواب يفوّت الأمر الأساس. إذا كان الهدف المهاجم بهجوم علني لسلاح الجو يعود بمنظومة النووي الإيرانية ولكن العملية التي اتخذت لا تحبط البرنامج النووي وتؤجله لعدة سنوات، فإن ضررها قد يكون أكبر من نفعها.
سواء أكانت العملية إسرائيلية أم أميركية، فإن الرد الإيراني سيكون على ما يبدو إزالة كل الحواجز والركض بكل القوة نحو القدرة النووية. سيدعون بأن هجوماً كهذا يستوجب منهم الحصول على سلاح نووي "لأغراض الردع والدفاع عن النفس".
لماذا لم يفعل العراقيون أو السوريون هذا عندما دمرنا لهم مفاعلَين نوويَّين؟ لأن التدمير بالفعل أبعدهم سنوات عن القدرة النووية، وحام فوقهم خطر هجوم آخر. عندما لا تكون لديك خطة لتحقيق تأجيل كهذا، فكر مرتين قبل أن تعمل.
إذا ما هوجمت أهداف إيرانية ليست نووية، فإننا أمام خطر حقيقي لتوسيع الصدام مع إيران وتدهوره إلى مواجهة مع "حزب الله" أيضاً. يوجد لإسرائيل أكثر من سبب لتفضيل تأجيل مثل هذه المواجهة طالما كان الأمر تحت سيطرتنا.
إذاً، هل ضاع أملنا؟ لا. إسرائيل كانت ولا تزال في كل مدى منظور للعيان القوة الأقوى في نصف قطر 1.500 كيلومتر حول القدس. أقوى من كل خصم أو جمع من الجيران. ينبغي أن نعقل فنحافظ على العلاقة الخاصة مع الإدارة الأميركية، الحزبين ويهود الولايات المتحدة، الذين معاً يوفرون لإسرائيل شبكة أمان في الأمم المتحدة، ومساعدة مالية لضمان التفوق النوعي للجيش الإسرائيلي، وسنداً مستقراً في أوقات الأزمة.
يجب وقف التحريض وكراهية الإخوة، ووقف تخويف مواطني الدولة، التي يعتقد كل العالم بأنها قوة عظمى نووية منذ أكثر من 50 سنة. وأن نكف عن البحث عن "عمالقة" أو "حيوانات مفترسة" من الخارج و"خونة" من الداخل، وأن نفهم بأننا كنا كفلاء الواحد للآخر بالفعل.
إذا ما تمكنا من الثقة بأنفسنا وبطريقنا، وأن نجدد في داخلنا التضامن وإحساس شراكة المصير، ما كان مصدر قوتنا في أقسى الامتحانات، فالسنة التالية ستأتي علينا بالخير، وكذا السنوات القادمة. وهو موجود هناك. نعم ستكون هنا إرادة.

عن "يديعوت"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* رئيس وزراء أسبق.