وهم الإعمار في ظل الانقسام

رجب أبو سرية.jpg
حجم الخط

بقلم: رجب أبو سرية

مرت 4 شهور على ما اعترى «حماس» من وهم متجدد، طالما تتابعت حلقاته وتجلياته منذ العام 2007 وحتى اليوم، فكلما حدثت مواجهة عسكرية مع إسرائيل، تقوم «حماس» على الفور، وبعد اندلاع المواجهة بربع ساعة بتحضير بيان النصر، وبعد المواجهة الأخيرة التي جرت أيام عيد الفطر في أيار الماضي، رفعت حماس من سقف مطالبها، وبعد مبادرة سابقة ليحيى السنوار حول تبادل الأسرى، أصرت حماس على إخراج ملف الإعمار، من المبادلة مع ملف الأسرى، كما تريد إسرائيل، وظنت بأن استعداد كل من مصر وقطر، تقديم 500 مليون دولار من كل منهما لإعمار غزة، يعني أن الأموال قد دخلت جيب حماس فعلا، ونسيت أن دخول المنحة القطرية متوقف منذ نحو ثلاثة شهور، حيث ما زالت إسرائيل في ظل حكومة ما بعد بنيامين نتنياهو، تسعى لتغيير آلية دخول وتوزيع تلك المنحة.
كلما دارت الحرب على حدود غزة، ترفع «حماس» رأسها، وتزهو، وتشعر بعدم الحاجة لتحرير مليوني فلسطيني من حصار محكم ومستمر، ساهمت أوهام حماس السياسية إلى حد كبير في التسهيل على إسرائيل لإحكام ذلك الحصار، ولأن حماس قد وضعت منذ نشأت، وبخاصة منذ الانقلاب، في إحدى أذنيها طينا، وفي الأخرى عجينا، ولم تسمع لأحد، فما زلنا نجد ضرورة لتكرار ما قلناه دائما، وهو أنه لا يمكن فك الحصار عن غزة، إلا في واحدة من حالتين، الأولى أن يتم إنهاء الانقسام، وبالتالي تجد إسرائيل نفسها، أمام ضغط دولي جدي وحقيقي، لأنه إضافة إلى ما تحققه الوحدة الداخلية من قوة للحالة الفلسطينية بكل مستوياتها، فإن قطاع غزة سيكون ضمن ولاية سلطة شرعية يعترف بها كل العالم، بمن فيه إسرائيل نفسها، أما الحالة الثانية، فهي أن تبدي حماس استعدادها للانخراط في المشروع الصهيوني الذي يحلم بإقامة الحل السياسي في غزة، إلى جانب الحل الاقتصادي في الضفة الغربية، وكلما كان الانقسام قائما، فإن هذا الحلم سيظل يداعب مخيلة الإسرائيليين.
لا نجد أهمية لإعادة تكرار ما لفتنا إليه الأنظار سابقا، من أنه كلما وقعت حرب على غزة، تعلن دول عديدة عن استعداداها لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، لكن إعادة الإعمار التي تعني إدخال الأموال ومواد البناء والإنشاءات العديدة، تصطدم دائما بوجود سلطة غير شرعية وغير معترف بها، وهي حماس في قطاع غزة، وبالتالي إصرار حماس على عدم إعادة الإعمار، لا في ظل إنهاء الانقسام، ولا في ظل إدارة السلطة الشرعية لهذا الملف، فوّت دائما الفرصة على المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة، وأبقى المدمرة بيوتهم في العراء دون أن تراجع حماس نفسها، بل دون أن ترف لها عين تجاه من يقيمون في مدارس وكالة الغوث أو في العراء، في حر الصيف وفي ظل برد ومطر الشتاء.
والحقيقة أن حماس تدرك جيداً، بأن تغير الحكومة في إسرائيل لم يغير المصلحة الإسرائيلية في الإبقاء على الانقسام، لمنع إقامة الدولة الفلسطينية على أرض الضفة الغربية، والدفع بها بشكل حثيث لتكون في غزة بشكل أساسي مع عمق جغرافي ما في الضفة الغربية، أي في المناطق التي تبدي إسرائيل استعدادها للانسحاب منها، وهي تتراوح ما بين 50 - 60 %، مع ربطها بشكل ما مع غزة التي تحتاج عمقا جغرافيا، فيما هذا الممر يبقي مثل تلك الدولة  تحت رحمة إسرائيل، خاصة في الجانب الأمني، وقد اتضح ذلك من خلال خطة لابيد التي قدم خطوطها العامة في مؤتمر هرتسليا قبل أسابيع، وجاءت تصريحات أركان الحكومة الإسرائيلية خلال الأيام الماضية لتؤكد هذا المنحى، أما حماس فقد أخذت جرعة وهم إضافية جراء ما حدث من تحالف شيطاني بين الولايات المتحدة وطالبان في أفغانستان، والذي رعته قطر، من خلال المفاوضات التي جرت خلال عامين مضيا في الدوحة، وهي عراب كل جماعات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط والأدنى، وبالطبع هي راعية حماس منذ سنوات طويلة.
المهم عند حماس أن تبقى مسيطرة على قطاع غزة، في انتظار أن تنضج الحالة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي وإسرائيل تنتظران مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس، العنوان الرئيس للشرعية، والذي ترفض حماس إنهاء الانقسام في عهده، فيما ترفض إسرائيل إجراء الانتخابات في عهده أيضا، لذا فإن غيابه سيضع الحالة الفلسطينية أمام خيارات صعبة جدا، ستكون ما بين فوضى في الضفة الغربية، أو شرعية حمساوية في ظل مجلسها التشريعي، أو انتخابات تفوز برئاسة السلطة فيها، ولهذا كانت تصر دائما، على أن لا تدخل «م ت ف»، إلا إذا ضمنت السيطرة عليها أيضا.
أي أن إسرائيل وحماس تنتظران اللحظة التي تكون فيها حماس هي الممثل السياسي للشعب الفلسطيني، فتذهب إلى الحل السياسي على طريقة الهدنة طويلة الأمد، بقبول دولة ضمن إطار خطة لابيد، حتى لو جاء الحديث وقتها عن حل انتقالي أو مؤقت.
وحماس أقل حدة من طالبان، لذا لم يكن مفاجئا أن تبدي حماس سرورها من الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين أميركا وطالبان بالرعاية القطرية، لذا فإن كل الفترة الحالية لا تشهد أكثر من الشد والرخي، وإدارة الحالة، بما في ذلك ما نجم عن مواجهة أيار الماضي، والتي لا تتجاوز سقف وضع حماس في دائرة البحث والحوار حول آلية المنحة القطرية، لا أكثر ولا أقل، وفي هذه النقطة بالتحديد، تبدو إسرائيل هي الطرف الذي يدير الحوار، فهي  تراجعت حتى عن تلك الآلية التي كانت في عهد الحكومة السابقة، أما وعود الإعمار القطرية والمصرية، فهي تحقق الهدف لكلا الدولتين بالإبقاء على دورهما ما بين إسرائيل وحماس، مصر فيما يخص الجانب الأمني وملف الأسرى، وقطر فيما يخص الملف الاقتصادي.
ما يوضح كل ما نذهب إليه هو ما يعلنه قادة إسرائيل من أنه لا حل في ظل وجود الرئيس محمود عباس، وأن الظرف لم ينضج بعد، أي الظرف الفلسطيني، والمقصود به، الوضع في الضفة الغربية، ذلك أن إسرائيل ترفض إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة، ولا تمانع في إقامتها في غزة، بشكل رئيس، كما أسلفنا، وحماس التي ما زالت تمتنع عن المشاركة في إطلاق المقاومة الشعبية في الضفة الغربية، لأنها تظن أن ذلك يعزز من قوة السلطة السياسية، تبقى أسيرة وهمها وخيارها بتفضيل حكم جزء من فلسطين، على الشراكة مع غيرها في حكم كل فلسطين.