ما الذي جاء في رسالتهم التي تركوها تحت شجرة البرتقال الحزين

69db5a5b872bb7ce4f09d917d4df6665.jpg
حجم الخط

بقلم: حمدي فراج

 

لم يظل فلسطيني واحد من الملايين ال 14 ، إلا وتفاعل معكم ونبض بنبضكم ، وافتخر بنفقكم الذي حفرتموه بإرادتكم وصبركم وعقلكم وخوفكم و قلبكم ، وحتى بأجسامكم التي عملتم عل تكييفها مع النفق وليس العكس ، وبزغتم كما تبزغ الحياة في بقلة فول من عمق الارض الى النور والهواء والحرية . من لم تصله رسالتكم ، على بساطتها وقدسيتها وسهولة مفرداتها ، فإنها لن تصله ابدا.

كثيرون، للأسف الشديد، داعبتهم احلامهم ورغباتهم الوردية منذ لحظة بزوغكم من النفق ، وبدأوا يرسمون سيناريوهات مغايرة للواقع المأساوي الدامي ، انهم ذاتهم الذين صدقوا ان الاحتلال انتهى وخرج من ارضنا ، او لربما ارادوا التماهي حد التقمص لحظات مجد “سيف القدس” وانعكاساتها على الشعب كله في غزة والقدس والضفة والداخل والشتات . لقد وصل هذا النسج الى ان يقول البعض ان فوهة النفق خارج اسوار السجن حفرت من أعلى الى أسفل، بمعنى انه كان هناك من ينتظرهم في أكثر من ثلاث سيارات ، وانهم الآن قد وصلوا الاردن او لبنان او حتى غزة ، ويبدو ان النسج انطلى الى حد ما على سيد المقاومة ، الذي نوه في آخر خطاب له انه عندما اشيع عن متسلل على الحدود اعتقدنا انه احد ابطال النفق ، فخرج المئات للبحث عنه واستقباله لاحتضانه كما يليق به. أحدهم وصل به التحليل النرجساوي ان العملية مرتبة من ايران ، حفرا وهروبا وخرائط السجن على الانترنت والاحتضان وتنفيذ عمليات نوعية في الضفة الغربية من شأنها قلب الطاولة وخلط الاوراق واندلاع انتفاضة جديدة …. الخ.

احد قيادات الجهاد في غزة كان يوحي في كل اجاباته وحركاته ولغة جسده ، الى انها عملية مخططة ومدبرة وكل شيء فيها محسوب بدقة ، وعندما نجح الاحتلال في القاء القبض على الاربعة ، استمر هذا البعض في النسج ، وقالوا بقي اثنان ، وهؤلاء سيقوما بالدور المناط بالستة القيام به ، ذلك انهما اتجها الى الضفة ، عكس الآخرين الذين اتجهوا الى الداخل ، وعندما تم تسليمهما باليد والمفتاح والبيت واصحابه ، قالوا انهما تنسما الحرية 13 يوما، اي ثلاثة اضعاف مدة تنسم الاربعة.

لا يعرف كثيرون ان نفق الاسير وليد دقة الذي عبره هرّب نطفته قبل سنتين الى زوجته المناضلة سناء سلامة ، أفلح و أثمر “ميلاد” ، لا يعرفون انها شاركت مع امها في الوقفة التضامنية مع الاسرى امام سجن جلبوع.
في الرسالة التي تركها ستتهم تحت برتقالة تطل على المرج ووجدتها طفلة فلسطينية ، ربما تكون نطفة أخرى، جاء : عنب باجس ابو عطوان وعز الدين المناصرة لم يعد حصرما ، وتينة عبد اللطيف عقل تطرح قطينا، و توتة ابو عرب اصبحت وارفة يستظل بفيئها كل المتعبين ، و زعتر سميح القاسم رفع احتكار قطافه ، وصبار توفيق زياد اصبح كالزجاج فعلا في حلوقهم ، وزيتونة درويش اصبحت تعطي زيتها مباشرة كنخلة مريم تعطي رطبها، و برتقال غسان كنفاني لم يعد حزينا ، ونحن اصبحنا أحرارا ، وعاينا الطريق الممتد من يعبد الى صفد.