ماذا بعد تجزئة الانتخابات المحلية؟

ريما كتانة نزال.jpg
حجم الخط

بقلم: ريما كتانة نزال

إذا كان ليس من حق حركة حماس فرض مقاطعة انتخابات المجالس المحلية على الناخبين المسجلين في قطاع غزة، يُصبح أيضاً، أنه ليْس من حق الحكومة خرق القانون وتجزئة الانتخابات المحلية قبل الحصول على التوافق الوطني المعتاد. الحكومة قامت بالفعل وجاء من حركة حماس رد الفعل. بالمحصلة قرار الحكومة فاقم من وطأة الانقسام وشحنه بعوامل جديدة وسَّعت من الفجوة الفاصلة بين المستوى الرسمي من جهة، والقوى السياسية والمجتمع المدني من جهة أخرى.
أعلنت الحكومة، في السادس من أيلول الجاري، عن عزمها إجراء انتخابات مجالس الهيئات المحلية. وكانت قد أجلت الانتخابات المحلية في أيار الماضي بسبب مزامنتها الانتخابات التشريعية. في حينه، لم يعترض أحد على التأجيل بسبب تحمله المسؤولية تجاه أولوية الانتخابات التشريعية المتأخرة عن موعدها دزينة من السنوات. لقد تفهم الجميع أن الانتخابات التشريعية ستكون الحلقة الأولى في سلسلة تبدأ بانتخاب المجلس التشريعي، وتمر من خلال الانتخابات الرئاسية إلى انتخابات المجلس الوطني، كمداخل لتوحيد النظام السياسي وفي سبيل استعادة الوحدة الوطنية.
الغريب في الأمر، أن الحكومة تفاجئ الجميع بذهابها إلى خرق القانون واعتماد تجزئة الانتخابات وتنظيمها على مرحلتين، تبدأ الأولى في المناطق المصنفة «ج» في الحادي عشر من كانون الأول القادم، وتنتهي بشمولها للفئتين «أ» و»ب» دون تحديد تاريخ محدد في الربع الأول من العام 2022، متذرعة بالمصلحة الوطنية وانتشار الوباء!
الغرابة في قرار الحكومة لا تتجلى فقط بتجزئتها، وتعارضها مع المادة الرابعة من قانون الانتخابات المحلية التي تنص على إجرائها في يوم واحد، بل لأنها تتعاكس مع روح الاجتماع الذي نُظِّم في منتصف آب الماضي من قبل الحكومة ممثلة بوزيرة المرأة ووزير الحكم المحلي، بالتعاون مع لجنة الانتخابات المركزية، بحضور القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، من أجل التباحث بشأن التعديلات المُقترحة على قانون انتخاب هيئات الحكم المحلي، الذي انتهى إلى تشكيل لجنة صياغة لوضع التعديلات الموصى بها، بمشاركة مندوبة عن رئاسة مجلس الوزراء وكل من وزارتَي الحكم المحلي وشؤون المرأة.
العمل الذي استغرقته لجنة الصياغة انتهى إلى الفراغ والهدر، الأمر الذي يكرس أن الحكومة ليست جدية في التعامل مع الأحزاب والمؤسسات، وليست بوارد البحث عن التوافق والقواسم المشتركة.
الغرابة في سلوك الحكومة، ليس فقط في التذرع بعدم تحديد تاريخ المرحلة الثانية للانتخابات، بل في تذرعها الافتراضي بالوباء وأعياد الميلاد، وكأن الوباء يستهدف مناطق دون أخرى، وكأن الحشد للانتخابات يختلف عن حشد المهرجانات والأعراس والمآتم في كل مكان.
الغرابة في قرار الحكومة أن تخصيص المرحلة الأولى للانتخابات في المناطق المصنفة «ج» التي يبلغ عدد هيئاتها 387 مجلساً بلدياً وقروياً، وهي الهيئات الأكثر عدداً علاوة على كونها تحتوي على 56% من الناخبين المسجلين للانتخابات والتي تفوز معظم قوائمها بالتزكية، مقارنة بعدد الهيئات المصنفة «أ» و»ب» التي يبلغ تعدادها 58 هيئة جميعها في المدن والبلدات الكبيرة - التي تجري فيها عادة انتخابات حقيقية - البالغ عدد المسجلين فيها نحو 44% من الناخبين، علماً أنها تعاني من الإشكاليات والأزمات والاستقالات والاستنكافات التي تؤثر على انتظام أعمالها، وبحاجة إلى حلول فورية وتنظيم الانتخابات فيها على وجه السرعة، بدلاً من وضعها على أجندة زمنية في علم الغيب.
وكما يقولون: إذا عرف السبب بطل العجب. اختيار إجراء الانتخابات في المناطق المصنفة «ج» ليس من فراغ، وهو تحليل يستند إلى أسباب تأجيل الانتخابات التشريعية وربما إلغائها، حيث غالبية الانتخابات المحلية في المنطقة المصنفة «ج» تفوز عادة بالتزكية، من خلال تقديم قوائم يغلب عليها طابع التحالف بين حركة فتح مع العشائر والعائلات.
لعلَّ تجربة الانتخابات المحلية تدعم ما نذهب إليه، ففي الانتخابات التي وقعت في 2012/2013 فازت 216 هيئة بالتزكية بينما جرت الانتخابات في 125 هيئة محلية ولم تترشح أي قائمة في 14 هيئة محلية. أما الانتخابات التي عقدت في العام 2017 فقد فازت 199 هيئة محلية بالتزكية، في الوقت الذي جرت الانتخابات في 159 هيئة محلية فقط ولم تقدم أي قائمة في 37 هيئة.
لقد بطل العجب. لقد أصبح من نوافل القول في الواقع الفلسطيني: إن جميع القرارات والتوجهات والتشكيلات تُتَّخذ لمصلحة الحزب الحاكم، وفي جزئية الانتخابات الأمر يبدو في أوضح صوره بحضور أجواء تأجيل الانتخابات التشريعية (أيار 2021)، حين بدا واضحاً أن نتائج الانتخابات لن تكون في صالح القائمة الرسمية لحركة فتح، وأن النتيجة لن تضمن السيطرة والهيمنة على قرار المجلس التشريعي. لذلك يتضح أن تجزئة الانتخابات المحلية والبدء في المناطق الصغيرة له صلة بقراءة موازين القوى فيها التي يغلب عليها الحسم بالتزكية، وربما تكون المرحلة الأولى بانتخاب المنطقة «ج» هي المرحلة الأخيرة، خاصة أن استطلاعات الرأي العام وآخرها استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (منتصف أيلول 2021) يشير إلى عدم خدمة نتائجها صدارة الحزب الحاكم.
اعتادت السلطة التنفيذية تطويع القوانين لخدمة مصالحها السياسية، واستطاعت أن تُحوِّل الاستثنائي إلى عادي، والعادي إلى استثنائي. والخشية اليوم أن تكون الأحزاب السياسية قد استسلمت لمعادلة الهيمنة والاستئثار أو المعارضة بأضعف الإيمان، وتبرز الأسئلة التي لا تجد إجاباتها:
هل تأقلمت بعض الأحزاب مع خرق القوانين والاستئثار بتفسيرها؟ وهل ارتاحت تحت خيمة ما يُصْطَلح على تسميته «الواقعية السياسية» بما جعل المصطلح يكتسب تدريجياً نكهة الاستكانة والتأقلم مع الأمر الواقع وحكوماته؟
آخر الكلام، الدفاع عن القانون مهمة مقدسة على الجميع خوضها، رفض تجزئة الانتخابات المحلية هو نقطة الانطلاق، لأن المصلحة العامة يضع محدداتها الكل الوطني والعقد الاجتماعي، وإلا أصبحت التجزئة خصماً للتعددية.