هآرتس – الخياران السيئان القصف أو العيش الى جانب ايران نووية

حجم الخط

هآرتس – بقلم  بني موريس 

 

السطر الاخير بسيط وواضح، إما أن تدمر اسرائيل بقدر الامكان بالصواريخ والقنابل المنشآت النووية في ايران أو أن تضطر الى العيش الى جانب ايران نووية في السنوات القادمة.

للأسف الشديد، هذه هي الخيارات ولا يوجد غيرها. الولايات المتحدة التي قدرتها العسكرية اكبر بكثير من قدرة اسرائيل لن تقوم بهذا العمل لصالحنا (أو لصالح نفسها أو لصالح العالم). هي لم تفعل ما هو مطلوب في العقود الاخيرة ليس في ظل قيادة بيل كلينتون أو في ظل جورج بوش الابن (حينها كانت هناك امكانية واقعية بدلا من مهاجمة الهدف الاسهل وهو العراق) أو في ظل براك اوباما. هي لم تفعل ذلك في ظل صاحب الفم الكبير، دونالد ترامب، وهي بالتأكيد لن تفعل ذلك في ولاية جو بايدن، المحاط بمستشارين يميلون الى التصالح مثل روف مالي، المبعوث الخاص للادارة الامريكية الى ايران. 

بخصوص بايدن هذا اليقين فقط تعزز ازاء الانسحاب المخجل من افغانستان استنادا الى ذريعة جوفاء بأن ترامب سبق ووقع قبل سنة من ذلك على اتفاق مع طالبان للخروج الامريكي. وأن بايدن كان ملزم به (هل في باقي المواضيع بايدن ببساطة تبنى بعد توليه منصبه سياسة ترامب وسار في اعقابه؟).

بايدن لا يوجد له ببساطة ذلك، مثلما لاسلافه، مثلما لم يكن هذا الامر موجود في السياسة التي قادوها في الموضوع النووي تجاه صديق ترامب، كيم جونغ اون، من كوريا الشمالية. الوضع اليوم يذكر قليلا بالدول العظمى الغربية في نهاية ثلاثينيات القرن الماضي، عندما امتنعت عن توجيه ضربة وقائية لليابان المارقة والمانيا المهددة. 

سيكون هناك من يقولون بأنه بالتحديد بسبب الانسحاب المتسرع والمخجل من كابول، بايدن سيرغب في استعراض عضلاته تجاه طهران واثبات أن الولايات المتحدة ما زالت دولة عظمى. ولكن هذا ليس هو الرجل. هو سيوقع على اتفاق استكمالي للاتفاق الذي وقعه اوباما (والدول العظمى) مع ايران في 2015، مع تنازلات اخرى لطهران، أو أنه لن يوقع (اذا ارادت طهران ذلك). وسواء وقع على اتفاق جديد أم لا فان ايران، التي تقوم الآن بتخصيب اليورانيوم بمستوى 60 في المئة (خلافا لتعهداتها في 2015)، ستواصل التقدم بصورة مستمرة نحو القنبلة. حسب خبراء طهران بعيدة بمسافة نحو شهر عن مراكمة اليورانيوم المخصب الكافي لانتاج قنبلة نووية واحدة. وبعد ذلك هي ستواصل مراكمة المزيد من اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المئة، في الوقت الذي تركز فيه على حل مشكلة انتاج الرؤوس النووية المتفجرة لصواريخها. عندما ستحل هذه المشكلة فهي ستخصب اليورانيوم بمستوى 90 في المئة، الذي هو ضروري لانتاج قنبلة نووية.

ولكن اذا قلنا الحقيقة فان زعماء اسرائيل في العقود الاخيرة لم يتصرفوا بصورة مختلفة كثيرا عن زعماء الولايات المتحدة. وحتى الآن ايضا، رغم التصريحات الكثيرة التي قالوها بهذا الشأن (“لن نسمح بايران نووية”) اهود باراك واهود اولمرت واريئيل شارون وحتى العقد الاخير لبنيامين نتنياهو، إلا أن أحدا لم يستجمع شجاعته من اجل أن يواجه بصورة حقيقية التحدي النووي الايراني. أي مهاجمة المنشآت النووية الايرانية. 

باختصار، اسرائيل لدغت اسرائيل هنا وهناك (قتل عالم هنا وتخريب في منشأة هناك) ونجحت في ظل نتنياهو، بمساعدة التهديدات (“امسكوني”)، في اقناع اوباما بفرض عقوبات شديدة على طهران. ولكن من اعماقهم، جميع زعماء اسرائيل بمن فيهم شارون ونتنياهو، علموا أن الاغتيالات والتفجيرات الصغيرة والعقوبات الاقتصادية لن توقف المشروع النووي الايراني. الى جانب ذلك، الجميع على حد سواء امتنعوا عن ارسال سلاح الجو لمهاجمة المنشآت النووية الايرانية. ربما لم يثقوا بقدرة السلاح وربما خافوا من النتائج المتوقعة بعد هجوم كهذا، حتى لو كان هجوم ناجح – هذا في الحقيقة لا يغير أي شيء في الامر. الحقيقة هي أن ايران اليوم اقرب من أي وقت مضى من السلاح النووي. هل ايران ستتوقف للحظة – اسبوع أو شهر أو سنة – عندما تصل الى وضع دولة حافة، أو ستنطلق في وقت ما في المستقبل القريب مباشرة باتجاه القنبلة؟، نحن لا نعرف.

الحقيقة المرة هي أنه نظرا لانه لا نعرف ماذا ستفعل ايران، فقد بقي لاسرائيل خياران فقط وكلاهما سيئان، أن تقصف أو أن تصمت وتعيش الى جانب ايران نووية. 

ارسال سلاح البحرية، قوات خاصة وسلاح الجو – الذي في الاستعداد لذلك استثمرت ملايين كثيرة في العقود الاخيرة بالضبط من اجل أن يكون بالامكان تنفيذ هذه المهمة – ربما أن ينتهي بضرر شديد للمشروع النووي الايراني وربما حتى بضرر بيئي شديد ودائم (على صيغة تشرنوبل). هناك احتمالية بأن ايران “ستستوعب” هجوم كهذا ولن ترد – بسبب الخوف من أن تدمر اسرائيل المزيد من المنشآت الاستراتيجية في ايران – مثلما “استوعبت” سوريا تدمير المفاعل النووي في دير الزور في 2009. ولكن احتمالية أن تتصرف ايران بهذه الصورة هي صفر تقريبا. الاكثر ترجيحا هو أن ايران سترد على هجوم اسرائيلي على منشآتها النووية باطلاق صواريخ بالستية ومروحيات باتجاه اسرائيل، بارهاب ضد اسرائيل وضد اليهود في ارجاء العالم، وباستخدام حزب الله والـ 150 ألف صاروخ التي بحوزتها (ربما حتى تفعيل حماس والجهاد الاسلامي من قطاع غزة) ضد اهداف في اسرائيل – أي باطلاق حرب شاملة في الشرق الاوسط تشمل بالضرورة غزو بري للجيش الاسرائيلي الى داخل لبنان (وربما الى داخل غزة)، وضربات ضد منشآت استراتيجية اخرى في ارجاء ايران. 

ربما أن ايران ستواصل حرب الصواريخ والارهاب ضد اسرائيل وضد اهداف مرتبطة باسرائيل لسنوات، في الوقت الذي تحاول فيه اعادة ترميم المشروع النووي لديها (في حين أن اسرائيل ستحاول منع ذلك). هل هذه الحرب ستجر الدول العظمى الى التدخل لضبط الطموحات النووية الايرانية (كما يأمل عدد من الاسرائيليين)؟. نحن لا نعرف.

ربما أن حرب بين اسرائيل وايران وتوابعها ستؤدي الى اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، مع انضمام الكثير من عرب اسرائيل الى اعمال العنف. ربما ايضا أن هذه الحرب ستشوش علاقات اسرائيل مع الدول العربية السنية – التي سيضطر سلاح الجو الاسرائيلي أن يحلق فوق اراضيها في موجات الهجوم ضد ايران – وربما حتى ستضر بعلاقات اسرائيل مع الولايات المتحدة واوروبا. الدول السنية المعتدلة في الحقيقة تريد تحييد ايران، لكن لن تقف علنا الى جانب اسرائيل في حربها ضد دولة عظمى اسلامية (وربما ضد الفلسطينيين). 

هذا سيناريو مخيف – لكن ربما هو اقل رعبا من البديل، الذي هو ايران نووية حكم على اسرائيل بالعيش الى جانبها لسنوات وعقود. ايران نووية تقاد من قبل متعصبين متوحشين ومتدينين (انظروا كيف أن النظام في طهران يتصرف مع خصومه في داخل ايران)، يمكنها في يوم من الايام أن تقامر بهجوم نووي على اسرائيل – والاعتماد على الله بأن يحميها من رد نووي اسرائيلي (قدرة على “ضربة ثانية”، التي حسب مصادر اجنبية تتجسد بغواصاتها المشهورة، المزودة بسلاح غير تقليدي). الرئيس الايراني “المعتدل”، علي اكبر هاشمي رفسنجاني (1989 – 1997) اعتبر ذات يوم اسرائيل “دولة القنبلة الواحدة”؛ بكلمات اخرى، قنبلة نووية واحدة على تل ابيب ستؤدي الى دمار الهيكل الثالث. 

لكن ايضا اذا لم تقامر ايران وتبادر الى هجوم نووي على اسرائيل، واسرائيل تضطر الى العيش تحت غيمة هذه الاحتمالية، في كل ما يكتنف ذلك من ناحية نفسية ومن ناحية التكاليف والاستعدادات المطلوبة – فان ايران نووية ستشوش بصورة شديدة على مكانة اسرائيل في المنطقة وعلى الحياة فيها. فشل اسرائيل وامريكا المتمثل بعدم منع سلاح نووي عن ايران سيعتبر انتصار كبير لايران والاسلام على الغرب وعلى اسرائيل، وسيشجع المسلمين في ارجاء العالم، بما في ذلك الفلسطينيين، على القيام بكل ما في استطاعتهم من اجل المس باسرائيل. يمكن الافتراض أن هذا الامر سيضر بشدة ايضا بالعلاقات بين اسرائيل والعالم السني المعتدل، ويبعد الفلسطينيين “المعتدلين” عن أي تفكير باتفاق مع الدولة اليهودية (ليس لأن هناك الكثير مثل هؤلاء). جيراننا، القريبون والبعيدون، سيعرفون أنه من الافضل المراهنة على طهران وعدم المخاطرة بعلاقتهم مع القدس/ تل ابيب.

على أي حال، الامن الشخصي لحلفاء ايران ورعاياها سيزداد وسيشجعها على القيام بنشاطات عنيفة ضد اسرائيل (ربما حتى ضد السعودية وحلفائها)، في الوقت الذي تكون فيه محمية تحت مظلة نووية ايرانية وواثقة من أن اسرائيل ستتجنب ردود شديدة ضدها. 

إن تسلح ايران بسلاح نووي سيضر بشدة باسرائيل من ناحية اقتصادية: هي ستضطر الى انفاق مبالغ ضخمة لاغراض دفاعية، الاجانب سيخافون من الاستثمار في اسرائيل، اسرائيليون سيغادرون البلاد لصالح اماكن اكثر امنا فيما وراء البحار. القادمون الجدد المحتملون سيفضلون البقاء في اماكنهم أو الهجرة الى اماكن اخرى. إن امتلاك ايران للسلاح النووي يمكنه ايضا أن يدفع دول اخرى في المنطقة، بما في ذلك السعودية وتركيا ومصر، الى السعي للحصول على سلاح نووي وحث دول اخرى مثل سوريا في محاولة للحصول على قدرة نووية مرة اخرى – الآن في ظل ايران نووية. من ناحية اسرائيل، زيادة الدول التي تملك سلاح نووي في الشرق الاوسط لا تبشر بالخير.

يبدو أن الوقت يضغط. اللحظة التي فيها ستضطر اسرائيل الى الحسم بين ضربة وقائية ضد المنشآت النووية الايرانية وبين التسليم بايران نووية والعيش في ظلها، قريبة جدا (هناك نوع من المفارقة في أن حكومة نفتالي بينيت، الذي كان في السابق المساعد الشاب والباهت لنتنياهو، ستكون هي التي ستبت في هذه القضية وليس حكومة الثرثار والمخضرم نتنياهو).