هارتس : الصحافي، وزير الخارجية، نسي أنه يوجد احتلال

حجم الخط

هآرتس – بقلم عكيفا الدار

لو أنه وقّع على المقال الذي عنوانه "الأيام المئة الأولى لسياسة خارجية مختلفة" ("هآرتس"، 20/9) الصحافي يائير لابيد، وليس رئيس الحكومة البديل ووزير الخارجية، لما كان هذا النص وصل إلى الطباعة. من يحلل سياسة إسرائيل الخارجية دون ذكر الاحتلال الذي عمره 54 سنة ونيفا، هو في افضل الحالات غبي وفي أسوأ الحالات مضلل وسارق مقالات ويستخف بذكاء القراء. لابيد غير غبي. بقينا مع الخيار الثاني.
لنبدأ بتجربة وزير الخارجية في الإقناع بأنه "خلال ثلاثة أشهر من العمل الشاق" نجحت الحكومة الجديدة في تسخين العلاقات مع مصر والأردن "دون أن تضطر إسرائيل إلى التنازل حتى عن مصلحة وطنية حيوية واحدة". لا يفسر لابيد ما هي المصالح الوطنية الحيوية التي لم تتنازل إسرائيل عنها. هيا نحاول التنبؤ. إذا كان يقصد أن تعميق الاحتلال وتجميد العملية السلمية حتى الموت هو مصلحة وطنية حيوية فإنه حقا يستحق أن يكون في الحكومة. رفع علم إسرائيل بجانب رئيس الديمقراطية المصرية الكبرى هو إنجاز تاريخي، وسيجلب الخلاص لشعب إسرائيل. بهذا القدر أو ذاك، مثل النجاح التاريخي لحكومة بنيامين نتنياهو في نقل الأثاث من مبنى سفارة الولايات المتحدة في تل أبيب إلى مقرها في القدس. إذا كان تدهور إسرائيل الأخلاقي إلى أعماق "الأبرتهايد" يعتبر مصلحة وطنية حيوية فإن الحكومة تستحق هذا المديح على عدم اهتمام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.
حسب لابيد نجحت هذه الحكومة في تحقيق حلم اسحق شمير، "السلام مقابل السلام"، ولتذهب صيغة "الأرض مقابل السلام" الى الجحيم، وهي الصيغة التي طرحها اليسار. اذا كان الأمر هكذا فما هو الفرق بينها وبين سابقاتها من جناح اليمين؟ لأنه حتى نتنياهو لم يتنازل عن أي ذرة مقابل السلام مع الإمارات والسودان والمغرب والبحرين. ومثل رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، أيضا نتنياهو رفض الالتقاء مع محمود عباس، وهو أيضا قام بتسمين المستوطنين ورفض حل الدولتين. هذا هو المكان الصحيح للتذكير بأن رئيس المعارضة لابيد أثنى في حينه على "خطة السلام" للرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب. لأننا قمنا بإعادة احتمالية حل الدولتين إلى الساحة السياسية كأساس للمفاوضات. يبدو أن المستقبل السياسي الذي يُرى من مكتب رئيس الحكومة البديل يختلف عما يُرى من مكتب رئيس حزب "يوجد مستقبل".
التفسير بأن الأميركيين والأوروبيين، ومثلهم أيضا الزعماء العرب، قللوا من الاهتمام العلني في كل ما يتعلق بالنزاع لا يكمن في الآمال التي يعلقونها على الحكومة الجديدة، بل العكس هو الصحيح. فبعد الانتخابات الأخيرة فإن زعماء الدول الديمقراطية المتنورة والجيران العرب توصلوا إلى استنتاج بأن الجمهور في إسرائيل وقادته يفضلون العيش مع الاحتلال على دفع ثمن إنهائه.
اليأس يصرخ من أقوال شيوخ طواقم السلام الأميركية، السفير السابق دنيس روس والسفير مارتن اينديك، نجوم المسلسل الوثائقي "العامل الإنساني"، لدرور موريه. يتصرف الرئيس الأميركي، جو بايدن، حسب تراث عدد من أسلافه الذين حاولوا النبش في الصراع، واكتووا وقالوا: "لا نستطيع أن نرغب في السلام اكثر من الأطراف نفسها". وعلاقة بايدن الحميمية مع حكومة بينيت – لابيد ترتكز على اشمئزازه من اتباع الإدارة الأميركية القديمة اكثر مما ترتكز على حب الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
خلافاً لنتنياهو، الذي رسخ السياسة الخارجية على "الفكرة الكئيبة" التي تقول، إن التحالف مع الولايات المتحدة يرتكز إلى مصالح مشتركة، يؤمن وزير الخارجية لابيد بأن العلاقات مع الولايات المتحدة تقوم على قيم مشتركة. فهل سرقة الأرض من السكان الأصليين، العاجزين، ما زالت قيمة مشتركة للولايات المتحدة والمشروع الصهيوني؟ الآباء المؤسسون للولايات المتحدة، مثل الآباء المؤسسين للصهيونية، طمحوا إلى مجتمع مثالي يقوم على الحرية، قال لابيد، وأضاف: "الأميركيون نظروا الينا ورأوا فينا شيئا من انفسهم". هل قصد أن الأميركيين ينظرون للسجناء الإداريين المسجونين في إسرائيل دون محاكمة ويتذكرون السجناء الذين تعفنوا في معتقل غوانتانامو؟ أو يشاهدون شهادات الجنود الذين خدموا في الخليل في موقع "نحطم الصمت" (الذي يحب لابيد تشويه سمعته) ويتذكرون جرائم الحرب التي نفذتها دولتهم في فيتنام وفي كوريا؟ يبدو أن لابيد يعتقد أن قراء "هآرتس" هم مجموعة من الجهلة الذين يمكن إخبارهم بأن "القيم" هي الموضوع الأساسي في الساحة الإسرائيلية – الأميركية. وكأنهم لم يسمعوا في أي يوم عن اللوبي اليهودي "الأيباك"، الذي لو لم يفرض رعبه على أعضاء الكونغرس لما كانت إسرائيل تستطيع العمل في "المناطق" المحتلة كما تشاء لعشرات السنين.
كشف وزير الخارجية لنا أن طلابا في الولايات المتحدة وفي أوروبا يتظاهرون ضد إسرائيل "لأنه كان لدينا فشل إعلامي وقيمي". وحسب رأيه، يصوت أميركيون سياسيون ضد إسرائيل "لأن لا أحد شرح لهم موقفنا في الرواية". فليتفضل وزير الخارجية ويشرح لمواطني الدولة موقفنا في الرواية. من مقاله تعلمنا أنه لا يوجد نزاع أو احتلال أو شريك أو أمل. وصحافي يحترم نفسه لم يكن ليتجرأ على أن يخرج هذا النص من تحت يده، ولا حتى الصحافي يائير لابيد.

عن "هآرتس"