حول بعض المراوغات الصهيونية حيال حق العودة

عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

بقلم: عبد المجيد سويلم

كما نعرف فإن كافة الأحزاب الصهيونية لا تعترف بأي شكل من أشكال حق العودة للشعب الفلسطيني (وتطبيق هذا الحق على وجه الخصوص)، والذي يمثل جزءًا عضوياً من حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية غير القابلة للتصرف.
وبهذا المعنى بالذات فإن الإجماع الصهيوني على الرفض المطلق وشبه الشامل لهذا الحق الفلسطيني يعتبر التعبير الأكثر سفورا عن الأبرتهايدية (الفصل العنصري) المفضوحة بأشد أشكالها إيمانا بانتهاك القانون الدولي، وأكثرها فظاظة في التنكر لمقتضيات هذا القانون.
في السنوات الأخيرة، وخصوصا بعد التحولات الكبيرة التي طرأت على الثقافة السياسية في إسرائيل، وبعد أن انزاح المزاج السياسي العام فيها نحو (إسرائيل الكبرى)، أو نحو السيطرة و»السيادة» الكاملة على كامل فلسطين التاريخية الانتدابية في ضوء سطوة أحزاب اليمين المتطرف واليمين الأكثر تطرفا على مقاليد الحكم والسلطة في إسرائيل فقد شعر هذا اليمين بأن «الفرصة» للانقضاض على حق العودة باتت «متاحة»، وأن الظروف باتت مهيأة وممهدة للوثوب على هذا الحق.
في هذا الإطار كنا قد بدأنا نلاحظ أن الأحزاب الصهيونية كثفت الحديث عن «حق اليهود» الشرقيين، واليهود العرب على وجه الخصوص والتحديد بالحصول على التعويض الكامل عن ممتلكاتهم في بلدانهم العربية التي هاجروا منها أو (هجروا) «منها عنوة» كما تدعي هذه الأحزاب.
وأصبحت الأصوات تتعالى عن «الإمكانية» مستقبلا لمقايضة تلك الملكيات مع ملكيات الفلسطينيين التي تركوها «وراءهم بعد «حرب الاستقلال»، أو ما يوازي. بعد النكبة بالنسبة لنا، وبالنسبة للقانون الدولي أيضا.
لم تقف الأمور عند هذا الحد بل إن بعض عتاة التطرف اليميني في إسرائيل باتوا يتحدثون عن أملاك اليهود العرب باعتبارها «حقوقا» ليست مطروحة عن أي شكل من أشكال «المقايضة» لأنها حسب زعمهم تندرج في إطار الحق المقدس «للملكية الثابتة» ثبوتا قطعيا في بلادهم» لأن «أرض إسرائيل هي أصلا أرض لليهود، لهم تعود ملكيتها وقد تم تحريرها» بعد ثلاثة آلاف عام !، وبالتالي فان حق الملكية الفلسطينية في فلسطين ليس «ثابتا» ولا أصيلا.
اليمين المتطرف والأكثر تطرفا يلتقي (ضمنا أو علنا) في هذه النظرة مع الغالبية الساحقة من الأحزاب الصهيونية، «وسطاً» و»يساراً»، «متديناً» و»علمانياً»، «ليبرالياً» وفاشياً، «متنورا» أو أصوليا متحجراً، إذ يعتبر كل هؤلاء أن حق إسرائيل هو إلهي وقديم، وبقي هكذا، واستمر، «وتحقق» بقيام «الدولة اليهودية» واستكمل بعد حرب الأيام الستة.
ثم أن يظل هذا الحق المزعوم «ثابتا» لهؤلاء المعينين لمدة ثلاثة آلاف سنة، دون أن يتأثر أو يتزحزح عن اليوم الموعود في الأرض الموعودة فهذه نظرية مضحكة، وهي تزدري التاريخ البشري كله، ولو عملت البشرية وفق هذه النظرية لكانت الولايات المتحدة نفسها أولى ضحايا هذه النظرية كما قال يوما شاعرنا العظيم محمود درويش.
بالعودة إذاً إلى صلب موضوع هذا المقال، فإن الأحزاب الصهيونية وخصوصا بعد مرحلة «السلام الإبراهيمي»، تصورت أنها وجدت ضالتها، وأنها رمت في وجوهنا «بقنبلة متفجرة» عندما بدأت تطرح (مع «السلام الإبراهيمي») التعويضات للملكية اليهودية في البلدان العربية أو عندما بدأت بإعداد الحسابات والأرقام الفلكية لهذه الملكيات، وعندما حاول البعض منها أن يلمح لإمكانية مقايضة ملكية الفلسطينيين بها.
والحقيقة أنه بقدر ما نتحدث هنا عن الحق الفردي فإنه حق يفترض أن يصان بالكامل سواء بالنسبة للفلسطيني في العودة إلى ممتلكاته في فلسطين أو سواء بالنسبة لليهودي العربي بالعودة إلى ممتلكاته في بلده العربي.
وليس لدى الفلسطيني «أي فلسطيني» ما يمانع به أو يعترض، أو يرفض حق هؤلاء اليهود في العودة إلى أوطانهم، أو بالوصول إلى ممتلكاتهم، لأنه وبكل بساطة لا تناقض، ولا تعارض بين هذين الحقين، إلا إذا اعتبر هذا الحق حكرا على اليهودي العربي، دون أن يكون للفلسطيني نفس هذا الحق من حيث المبدأ، ومن حيث حق التصرف بهذه الممتلكات بما في ذلك الحق بالميراث كما تنص القوانين الدولية، (وبما لا يتعارض مع قيم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومع حق الملكية (Titles) وخاصة حق الميراث.
ونرفض بصورة قطعية، أي وكل المحاولات الصهيونية الأبارتهايدية الإسرائيلية، مثل محاولات المنظمة العالمية ليهود البلدان العربية (WOJAC) لربط أو مقارنة الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في التطهير العرقي في فلسطين ومعاناة عائلات اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين العام 1948، بوضع اليهود العرب - الشرقيين.
وبقدر ما يكون اليهود العرب ۔ الشرقيون مناهضين للصهيونية السياسية والأبارتهايدية الإسرائيلية، ومستعدين للعمل المشترك معا وسوية من أجل الوصول إلى حقوق كل طرف فإننا سنكون على أتم الاستعداد لمثل هذه الأعمال المشتركة النبيلة والمنسجمة مع القانون الدولي وخصوصا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ليس هذا فقط، وإنما نحن في الواقع لا ندعم إخوتنا اليهود العرب الشرقيين فقط بالحصول والوصول إلى أملاكهم في البلدان العربية والشرقية فحسب، وإنما ندعم العائلات الأوروبية في العودة إلى بلدانهم والحصول على ممتلكاتهم وخاصة الحق في الميراث مع مراعاة المعايير الدولية المتوافقة مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بما في ذلك دعمنا لمنظمة (WJRO) التي تسعى لاستعادة الأملاك الجماعية والخاصة لليهود في بلدانهم الأوروبية.
لا مكان إذا للمقايضة، ولا مجال أبدا للمقارنة لأن حق العودة هو حق جماعي لشعب بأكمله، وحقوق الأفراد لا تنتهي بالتقادم، والحق الفردي مقدس لكل بني البشر. والفكرة الجوهرية في هذا المجال وعلى النقيض من المقايضة والمقارنة هي سحب الذريعة من كل الأحزاب الصهيونية التي تحاول المتاجرة بأملاك اليهود العرب لاعتبارات صهيونية عنصرية، وللتنصل من مقتضيات القانون الدولي.
فحقنا في العودة لا ينقضه أي حق آخر وهو لا يتناقض ولا يتعارض مع أي حق آخر.
الصهيونية تريد وتحاول أن تضع هذا التناقض وهذا التعارض، أما نحن، وإخوتنا اليهود العرب المناهضون للصهيونية السياسية وللعنصرية الإسرائيلية فإننا لا نقايض ولا نقارن، بل نتوحد في مسار كفاحي ضد الصهيونية ومشروعها الاقتلاعي والإحلالي والاحتلالي والذي خدع اليهود أولاً.
بقي أن أؤكد أن الفكرة الجوهرية، والدعائم القانونية في هذا المقال تعود أساسا لصديقي وزميلي الدكتور أوري دیفیس فله كل الشكر والامتنان.