برغم الجهود الكبيرة المبذولة من الأجهزة التشريعية والشرطية والقضائية في سن تشريعات وتغليظ العقوبات على مخالفي قواعد المرور في غزة، ومحاولة تطبيق هذه العقوبات إلا أنه يمكن القول بأننا نعيش حالة من عدم الالتزام بقواعد المرور لأغلب قادة المركبات تتمثل في عدة سلوكيات سلبية منها: السرعة الزائدة، وعدم الالتزام بالشارة المرورية وعدم الالتزام بمسافة كافية بين المركبات وغيرها من السلوكيات السلبية.
وقد تؤدي هذه السلوكيات السلبية للعديد من الحوادث المرورية والتي تُخلف إصابات وأضرار مادية وأحياناً وفيات، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الجهود التشريعية والشرطية والقضائية برغم أهميتها الشديدة غير كافية بمفردها للقضاء على الحوادث المرورية والحد منها ؟؟
باعتقادي أن سبب المشكلة يرجع لثلاث عوامل رئيسية، أولها الضوابط السلوكية لسائقي المركبات وعدم توعيتهم بالشكل اللازم من السلطات المحلية، أو تنفيذ أنشطة توعوية دورية لهم، بأهمية القيادة الحكيمة وضرورة الالتزام بالقواعد المرورية، العامل الآخر وهو الأهم هي ثقافة المجتمع في قطاع غزة، الطريق ليست مخصصة لسائقي المركبات وحسب، بل هي مخصصة للجميع بمن فيهم المواطنين الذين يسيرون في الشوارع، وأيضاً لا يلتزمون بالإشارات المرورية أو السير على خط المشاة، أو حتى الالتزام بأخلاقيات السير على الطريق.
وتنبع مشكلة ثقافة المجتمع بغزة، في سوء استخدام الطرقات العامة، إلى نقص وضعف في التربية السليمة للأطفال منذ الصغر، سواء في الأسرة أو المدرسة، ومن لنا أن يتذكر أنه في المراحل الدراسية المختلفة، تم تقديم شروحات مدرسية نظرية أو عملية عن آداب الطريق أو الإشارات المرورية، سوا بعض المعلومات النظرية السريعة.
أما العامل الثالث وهو الأخطر، هو عدم وجود تخطيط عمراني سليم وصحيح، بناءً على أسس علمية ومستقبلية، ونحن نتكلم عن غزة وهي الأكثر كثافة سكانية بالعالم، حيث تتميز بشوارعها الصغيرة والضيقة والمتهالكة، حيث أن بعض الشوارع الرئيسية والمركزية وذات الكثافة السكانية العالية لا يكاد يتجاوز عرض الشارع 25 متراً، وهذا أمر كارثي.
بالإضافة إلى صغر الطرقات، تضاف مشكلة أخرى ناتجة عن سوء التخطيط، وهي تكدس المقار الحكومية في أماكن متقاربة وذات كثافة سكانية، أو منح تراخيص إنشاء مؤسسات حيوية في مناطق مزدحمة، ولنا أن نرى الازدحام الشديد في الفترة الصباحية بمنطقة الجامعات وسط غزة، منطقة جغرافية صغيرة تضم ما يقارب ثلاث جامعات مركزية ومعهد ديني ومركز تدريب مهني، والعديد من المراكز التعليمية، وتكون قبلة لآلاف الطلاب الجامعيين بشكل يومي.
إن الحل لهذه المشكلات هي أن تتضافر جهود كافة المؤسسات من تعليمية وتثقيفية ودينية وإعلامية وإدارة محلية مع السلطات التشريعية والشرطية والقضائية للقضاء على عدم التزام أغلب قادة المركبات بقواعد المرور وبما يحمله من عواقب كارثية، ونشر ثقافة مجتمعة إيجابية لدى الناس، وذلك عبر إنشاء مركز وطني لسلامة المرور يضم خبراء ومندوبين من كافة الجهات المعنية لتقويم حالة الطرق وسلوكيات المرور وترسيخ ثقافة جديدة في عقل وضمير الأفراد نحو احترام آداب وقواعد المرور للحفاظ على أرواحنا وسلامتنا وأرواح وسلامة أحبائنا وللوصول بالسلامة إلى الجهات التي نقصدها ولنعيش في مجتمع أكثر أمانا وسلامة.