وجه اللواء توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، رسالة الى القيادي في حركة حماس المفكر د.احمد يوسف، وهذا نصها:
أمّا، وبعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومثلها على أخي د. أحمد يوسف، الذي طالبني باعتذارٍ عن كلام قلته في مقابلة تلفزيونية بحق جماعة الإخوان المسلمين، مفادها أن حالة الانقسام ستنتهي بمجرد إخراج جماعة الإخوان المسلمين من المشهد لأن تاريخ الجماعة وأيديولوجيتها تعرقل كل مساعي لمّ الشمل، فإنني نزولاً عند موجبات الاعتذار الذي طلبه منى لجماعة الإخوان، وأَتبَعَهُ بقوله أن تاريخ الإخوان ناصع بالعطاء لفلسطين وأهلها، واخْتَتَمَهُ بدعاء الله بالغفران لي، أقول له بأنني أستغفر الله وحده، وألوذ إليه وحده، وأخاف منه وحده، وأعتذر منه عن خطايا وحده، وإن أخطأت بحق شخص بعينه عن غير قصد أمتلك الشجاعة الكاملة للاعتذار منه لما تحتِّمه علي أخلاقي واحترامي لذاتي، وبعد،
أيها الأخ العزيز د.أحمد يوسف: "شِدَّةُ القُربِ حِجاب"
أعلم جيداً بأنك واحداً من مجموعة من أصحاب النوايا والطموحات الطيبة الذين التحقوا بجماعة الإخوان المسلمين في سبعينيات القرن المنصرم، بعد أن فتح الرئيس السادات لها باب العمل واسعاً، ولم تروا في الجماعة إلا كونها صاحبة مشروع إسلامي تطهري لإصلاح الاعوجاج في الدنيا والأخرة وفي المؤسسة الدينية، ومشروعاً لاستئناف حياة إسلامية تشبهاً بالسلف الصالح، لكنكم لم تلتفتوا لتاريخ الجماعة السياسي والتنظيمي والعنفي، وساعدكم على هذا التجاهل، أن الدولة المصرية كانت قد مسحت ومنعت ما نشر سابقاً وما نشر فيما بعد من مذكرات قادة الجماعة ، كما ساعدكم على هذا التجاهل أيضاً أن البيئة السياسية التي انبعثت فيها الجماعة من جديد، كقوة تنظيمية أيديولوجية لأداء مهمة لا يستطيع القيام بها أحد، ألا وهي محو إرث الرئيس جمال عبد الناصر الذي يحمل رؤية قومية والتزاماً عروبياً جعلت له ولمصر مقاماً ومكاناً ومكانة وزعامة شعبية غامرة، عملت جماعة الإخوان على دحضها بتأويل الحديث النبوي الشريف عن العصبية "النتنة"، ولكن الجماعة وقعت في مأزق الموائمة بين كرم النظام معهم، ومعاهدة الصلح المنفرد مع إسرائيل الذي لا يجيزه الشرع ولا السياسة.
وهنا، لن أدخل في التفاصيل التي كتبها في مذكراته العديد من قادة التنظيم الخاص والجهاز السري بعد خروجهم عن الجماعة، لأن ذلك يحتاج إلى مساحة واسعة وشهوراً لمناقشتها، ولكن أذكر سريعاً عناوين وأحداث تعرفها ويعرفها الكثيرون، ومنها مقتل القاضي المستشار أحمد بيك الخزندار، وحادثة نسف شركة الإعلانات الشرقية، وحادثة السيارة الجيب وأوراق التنظيم السري المسلح، ومحطة اللاسلكي، ومحاولة نسف محكمة الاستئناف، ومقتل التقراشي باشا رئيس الحكومة، ومحاولة اغتيال إبراهيم عبد الهادي، وقضية الأوكار.
والقصة الأنموذج هي قصة الشيخ الإمام حسن البنا، الذي شحن نفوس أتباعه بالمشاعر الإرهابية إلى أقصى مدى، وحرض ضد الحكومة تجاه قضية فلسطين في قضية اتفاقية الهدنة، الذي وجد نفسه مطالباً إما أن يواجه القصر والحكومة، أو يواجه أتباعه، ولكنه حاول اتخاذ موقف وسطاً، وفي حادثة فناء كلية طب القصر العيني عندما حاول البوليس ردعهم، استخدم الإخوان المتفجرات، وألقوا بقنبلة على سيارة حكمدار العاصمة سليم زكي فقتلوه، وقرر مجلس الوزراء حل الجماعة، ولما حاول البعض الخروج من مقر المركز العام للجماعة، وجدوه محاصراً، ثم اقتحمه البوليس ليلقي القبض على كل من فيه باستثناء البنا الذي ترك طليقاً بحجة عدم صدور أمر باعتقاله.
وبعد مقتل رئيس الوزراء النقراشي باشا على يد عناصر من الجماعة وتنظيمها السري، واعتقال القتلة واعتقال العديد من عناصر التنظيم وكشف قيادته وتشكيلاته في حادثة الجيب، كان المتهمون الذين تعرضوا في التحقيق لصنوف التعذيب وصمدوا صموداً كبيراً وصلابة مستمدة من "البيعة" التي أقسموا بها بين يدي الشيخ أو من يمثله في حجرة مظلمة، فتفاجئوا ببيان للشيخ البنا عنوانه "بيان للناس"، يستنكر فيه أعمال رجاله ورفاق دربه ويدمغها بالإرهاب والخروج عن تعاليم الإسلام، فانهار المتهمون جميعاً بعد سماعهم استنكار البنا لأعمالهم الإرهابية التي أمرهم هو بتنفيذها مراراً وتكراراً، واتَّهَمَ القائمين بهذه الأعمال بأنهم ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين.
وقد اتَّهَمَ الشيخُ البنا رفاقَه وأتباعه الذين قاموا بهذه الأحداث بأنهم مجموعة من العابثين، وقال، بأن الحكومة حريصة على الشعب في ظل جلالة الملك المعظم، وحرض الشعب على التعاون مع الحكومة للقضاء على الظاهرة الخطيرة "رهبان الليل وفرسان النهار" أحد تشكيلات التنظيم السري الدموية، وأدى سلوكهم الارهابي الى القيام باغتيال "مؤسس الجماعة".
لقد مارست الجماعة العنف وحضت عليه ومارست الاغتيالات وأشعلت النار في الكنائس في الزقازيق والإسماعيلية وقتلت أبرياء ودفعت اليهود المصريين إلى إسرائيل.
تاريخ الإخوان مشبع بالعنف السري والعلني، وهذا يؤكد عليه رموزٌ من الإخوان تركوا الجماعة، ولن يخفف من وطأة هذا التاريخ أن وطنيين شرفاء مثل د.أحمد يوسف انضموا للجماعة وتجاهلوا حقائق التاريخ وتطلعوا للمستقبل بطموحات إسلامية بريئة.
إن من طبائع الإخوان، عدم قدرتهم على التحالف مع أحد في إطار الجماعة الوطنية والمجتمع، وهذا أخطر ما يكون على شعبنا الذي يعاني من الاحتلال ما يعانيه، ويطلب حقه في دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الجغرافيا الفلسطينية واحدة موحدة، فكيف سيرتضي هؤلاء الوحدة مع مكونات الشعب الفلسطيني إن لم يرتضوها مع حركات إسلامية أخرى مثل الجهاد الإسلامي، التي كابدت ما كابدته من حركة حماس في القطاع الأغر، ولا ننسى أعمال القتل والاغتيالات والسحل الذي مارسته الحركة بحق أبناء حركة فتح حين الانقلاب وبعده، والتي تأتي في نفس السياق والمنهج الذي سردناه عن الجماعة.
إن أحد المخارج الضرورية لما نحن فيه من عنت وتراجع وانقسام وتفكك هو غياب الإخوان عن المشهد في فلسطين، لأنهم ليسوا جماعة وئام ووحدة موقف وطني في وجه المحتل، وعلى حركة حماس أن تتبنى استراتيجية فلسطينية وطنية ليست مرتبطة بالخارج وبسياق الجماعة العام الذي له اعتباراته ومصالحه التي تتعارض مع فلسطين في معظمها.
هذا قراري، وهذا اعتذاري للقدس وفلسطين لأنها لم تتحرر بعد، وللاجئين لأنهم لم يعودوا إلى ديارهم بعد، وللشهداء لأنهم لم تقرّ أعينهم بعد، وللأسرى لأنهم لم رجعوا بعد.
السلام على وطني، وعلى كل وطنيٍّ فيه
توفيق الطيراوي..
وكان قد طالب د. أحمد يوسف القيادي في حركة (حماس)، توفيق الطيراوي عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح)، بتقديم اعتذار عن تصريحات اتهم فيها جماعة الإخوان المسلمين بعرقلة إنهاء حل الإنقسام الفلسطيني.
وقال يوسف في تدوينة له على صفحته على موقع التواصل الإجتماعي (فيسبوك): "لله يا أبا حسين...هل يعقل أن يخرج هذا الكلام من شخص مثلك؟!!، وهل الإخوان بمثل هذه العقد التي ذكرت؟".
وتابع "هذا كلام يتوجب الاعتذار عنه، فالإخوان تاريخهم ناصح بالعطاء لفلسطين وأهلها، غفر الله لك يا أبا حسين".
وكان الطيراوي قال أنَّ حالة الانقسام ستنتهي بمجرد إخراج جماعة الإخوان المسلمين من المشهد، منوِّهًا بأنَّ تاريخ الجماعة وأيدولوجياتها تعرقل كافة مساعي لم الشمل.
وقال الطيراوي ، “اتفاق لم الشمل بين فصائل منظمة التحرير لن تنجح في ظل وجود تنظيم يشاهد الأمور من نظرة ضيقة لتحقيق مكاسب حزبية على حساب الهدف أو المشروع الوطني الحقيقي”.