هل استمعتم لخطاب بينيت أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة؟
من لم يستمع لبينيت عليه ان يعود للتسجيلات ليستمع له جيداُ حتى يكتشف الداء الذي تعاني منه اسرائيل والذي يحاول بينيت ان يخفيه تحت مظاهر التباهي بالقوة والتهديد المبطن ومحاولة ارعاب الغرب بان اسرائيل قد تتصرف بما يهدد مصالح الغرب وليس فقط مصالح شعوب المنطقة.
يلجأ القادة الاسرائيليون عادة عندما تصل خلافاتهم مع حلفائهم في الغرب، خاصة هؤلاء الحلفاء الذين يزودون اسرائيل بالمال والسلاح ووسائل القوة والتغوق.
يلجؤون الى سياسة التهديد المبطن:
التهديد المبطن ليس لاعداء اسرائيل فالتهديد الواضح هو لاعداء اسرائيل كما يحددها القادة الاسرائيليون بل ان التهديد المبطن الذي يوجه القادة الاسرائيليون هو لحلفاء اسرائيل خاصة هؤلاء الحلفاء الذين يزودون اسرائيل بماء الحياة واكسيرها اي بالمال والسلاح ونتائج الابحاث المتطورة التي تتباهى اسرائيل بأنها هي التي اخترعتها بينما هي التي اما سرقتها او اعطيت لها من قبل الشركات الامريكية التي في ( اغلب الأحول ) يملكها يهود امريكيون يوافقون على تزويد اسرائيل بأسرارهم مجاناً من أجل دعم اسرائيل كقاعدة للحركة الصهيونية.
والذي يتتبع ايضاً تصرفات الاسرائيليين يعلم ان لهجة التهديد هذه بالتحرك الاحادي من قبل اسرائيل ذات القوة التي تصل الى مساوة قوة الغرب خاصة الولايات المتحدة ، الذي يتتبع يرى ان اسرائيل تلجأ لهذا التهديد عندما تشعر ان التأييد اليهودي العالمي وحتى الصهيوني العالمي قد بدأ يفتر أي بدأت تخف حرارته وبدأ يخف التحمس الكبير لقادة الحركة الصهيونية ومليونرية اليهود في العالم لدعم برامج اسرائيل التوسعية في الضفة الغربية والضفة الشرقية كما هو مخطط لدى الحركة الصهيونية.
ولا شك ان الافرازات الواضحة لمثل هذا التحول قد بدات تظهر في اطر هي عبارة عن زبدة وخلاصة ومحصلة تلك العلاقة الداعمة من قبل اللوبي الصهيوني لاسرائيل ومن قبل الصهاينة الامريكيين لاسرائيل ومن قبل اليهود المليونيريين الامريكيين لاسرائيل.
وهذا يعني ان الموقف الذي اتخذه عدد من نواب الكونغرس الامريكي تجاه اعطاء اسرائيل مليار دولار لتطوير القبة الحديدية ، هذا الموقف الرافض او المحذر او المؤخر لدفع هذا المبلغ هو نتيجة هذا التردد الذي بدأ يستشري في صفوف المؤيدين لاسرائبل داخل اطر الأحزاب الأمريكية (الجمهوري و الديمقراطي) وعلى صعيد الرأي العام الامريكي بشكل عام وحتى على صعيد الهيئات الصهيونية او اليهودية الامريكية في الولايات المتحدة.
اذن الملاحظ ان هذا الانفراد الاسرائيلي بالتهديد العلني او المبطن لقوى حليفة لاسرائيل بأنها تتصرف بشكل احادي وان هذا التصرف قد يجر هذه الدول لمواجهات ساخنة هي في غنى عنه في هذه الظروف بالذات، هذا التصرف الاسرائيلي هو نتيجة شعور قادة اسرائيل بالضعف وبتآكل مؤسساتها او بازدياد الصراعات الداخلية بين قيادات الحزب الواحد او بين قيادات الإتلاف الحاكم في اسرائيل.
ولا شك ان غانتس كان صريحاً جداً في لقائه كما ذكرنا في مقال سابق مع الرئيس محمود عباس ، فلقد قال له اننا نختلف ايدولوجياً أي ان اسرائيل لا توافق ولن توافق على اقامة دولة فلسطينية مستقلة كما يطرح الرئيس محمود عباس ويفكر “وهو مخطىء” ان اقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس أمر ممكن بنشاط دبلوماسي يعتمد على موقف الولايات المتحدة ، الخطأ الكبير الذي يرتكبه ابو مازن هنا هو عدم اللجوء لحسابات دقيقة والاستفادة من دروس السابق والتجارب السابقة في الف مفاوضة ومفاوضة تمت حتى الان بين الفلسطينيين والاسرائيليين بجهاتهم المختلفة سواء حزب العمل او الليكود او كاديما او سميه ما شئت والان بينيت الخادم الامين لنتنياهو وسارة زوجة نتنياهو يحاول ان يصنع من نفسه بطلاً ، بطل الانفراد باتخاذ القرارات واطلاق التهديدات العلنية والمبطنة لاعداء اسرائيل وحلفائها في ان واحد.
نحن نرى ان اسرائيل هي على وشك ان يصل الصراع والخلاف بين قادتها الى نقطة التفجير وهذه هي المرة الاولى التي يبدأ هذا الصراع وهذا الخلاف بالظهور الى السطح من خلال الخلافات في المؤسسة العسكرية والامنية والاستخباراتية ، مما يدل دلالة واضحة على ان الازمة التي تعاني منها اسرائيل لم تعد أزمة عابرة ولم تعد أزمة مواقف وأهواء شخصية او فساد حاكم كنتنياهو وزوجته ام لا ، أصبحت تعبر بوضوح على ان الازمة الاسرائيلية أزمة تكمن في هيكلية الكيان واساب وجوده واستراتيجيته وافاق تلك الاستراتيجية ومستقبل اسرائيل.
يحصل هذا في ظل تنامي لحشد غير متوقع بتصاعده وتكاثفه وامتداداته على صعيد الضفة الغربية المحتلة ، اذ ازداد التوتر الاسرائيلي وازداد القتل بالرصاص الحي من قبل الجنود الاسرائيليون والقوات الخاصة وقوات الامن والمخابرات والاستخبارات على الفلسطينيين المدنيين في شمال الضفة الغربية وجنوبها ووسطها والقدس تحديداً.
هذه الازديادة اضطرت المقاطعة على اصدار بيان لأول مرة علناً يدين فيه عمليات القتل التي تمارسها القوات الاسرائيلية الاحتلالية في الضفة الغربية ، بعد استشهاد خمسة من الشباب برصاص الجيش الاسرائيلي الحي الذي اطلق عليهم جزافاً وظلماً وكراهية ، أصدرت المقاطعة بياناً يدين ذلك، ويطالب بوقف ذلك فوراً وهذا تطور لا شك له نوعية مختلفة عن السياسة السابقة التي التزمت الصمت تجاه الجرائم الاسرائيلية واتجاه التنسيق الامني بين السلطة الفلسطينية والمخابرات والقوات الامنية والعسكرية الاسرائيلية.
تجري هذه الصراعات والتوترات داخل اسرائيل واطرها الحاكمة في اللحظات التي (كما قلنا) تتصاعد فيه اوتار ونغمات المقاومة الشعبية المتصلة والمتسعة والمترابطة بين منطقة ومنطقة اخرى في الضفة الغربية وبين محافظة ومحافظة اخرى ، الشيء الذي يذكرنا بالايام التي سبقت اعلان شمولية الانتفاضة الاولى بحيث ان المظاهرات التي كانت تنطلق في نابلس هذا اليوم، لتنطلق في اليوم التالي مظاهرة في الخليل ، لتنطلق في اليوم الثالث مظاهرة في غزة ، وهكذا الى ان توحدت هذه المظاهرات زمنياً ومكانياً بحيث اصبحت تشمل كل القطاع وكل الضفة في كل وقت في وجه قوات الاحتلال الاسرائيلية.
اننا ننتظر مثل هذا التصاعد والتماسك حتى تصبح الانتفاضة الفلسطينية الشعبية المواجهة للاحتلال مستمرة وممتدة على كامل التراب الفلسطيني وفي كل من غزة والضفة الغربية وخاصة في مدينة القدس التي تسميها اسرائيل الكبرى او العظمى او القدس الجديدة والتي تمثل ثلث الضفة الغربية حسب حسابات اسرائيل سوف تمتد وتتسع هذه الانتفاضة بحيث تجد القوات الاسرائيلية العسكرية والامنية نفسها امام خط مواجهة يمتد من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب ، خاصة في نقاط المحاور والحواجز والنقاط التي تتفرع عنها الطرق النظيفة والمضاءة نحو المستوطنات في الضفة الغربية.
هذا التصعيد وهذا الامتداد وهذا التناغم زمنياً ومكانياً سوف يعني بكل وضوح: (انتقال الحصار من حصار اسرائيلي على الشعب الفلسطيني الى حصار فلسطيني للإحتلال الاسرائيلي ).
الاستراتيجية لدى محور المقاومة واضحة كل الوضوح ، اذ كما قال القائد حسن نصر الله لم تعد قضية القدس تحريراً للأقصى وحماية لأهل القدس ومنعاً لتهويدها ، لم تعد مسؤولية فلسطينية فقط، بل أصبحت مسؤولية محور المقاومة أي ان الدفاع عن اولى القبلتين وثالث الحرمين واحياء القدس العربية واهلها العرب وعدم السماح بتهجيرهم وهدم بيوتهم، أصبحت مسؤولية فلسطينية ولكن مدعومة بكل الدعم من قبل فصائل محور المقاومة بشكل عام.
اما النقطة الثانية في الاستراتيجية، استراتيجية المقاومة ، محور المقاومة، التي يجب اتباعها في ظل غياب استراتيجية اسرائيلية فهي ايجاد القنوات السليمة والمحسوبة لهذا الدعم من قبل فصائل المقاومة المختلفة ، وفصائل المقاومة الفلسطينية ، فهنالك حدود عربية فلسطينية لابد من استعمالها واستخدامها من أجل تطوير قوات وقوى المقاومة الفلسطينية ، اذ لا تمطر السماء سلاحاً ، ولا ذخيرة ، بل على المقاومة ان تستنبط وتجد سبل ووسائل التسلح حتى تصبح في أقل تقدير قادرة على الدفاع عن المدنيين في قراهم وعن الدفاع عن أهالي القرى والمخيمات عندما تهاجمهم اسرائيل.
هذه المعادلة ، يشكل هذا عاملاً واحداً منها يجب ان يضاف له عامل اخر فوراً هو ان العلاقة بين فصائل محور المقاومة بشكل عام وفصائل المقاومة الفلسطينية ليست علاقة ذات اتجاه واحد ، بل يجب ان تكون علاقة ذات اتجاهين ، اي هنالك دور للمقاومة الفلسطينية تلعبه لاغناء وتصعيد النضال ضد اعداء الشعوب في المنطقة في اماكن اخرى تماماً كما ان لفصائل محور المقاومة دوراً في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي دعماً للمقاومة الفلسطينية.
وهذا الامر سوف يتجلى عنه أشياء كثيرة منها اقامة صناعات داخل الضفة الغربية لصناعة الاسلحة القادرة على التصدي للارهاب الصهيوني الدموي ، اذ لا حلول عبر التهريب عبر النهر او الجبال ، الحل هو الانتاج المحلي ان ننتج السلاح ، وان تنتج وسائل المقاومة مهما كانت بسيطة ان ننتجها في الضفة الغربية وفي قطاع غزة ، هذا امر سوف ينتج عن العلاقة ذات الاتجاهين بين فصائل المقاومة الفلسطينية وفصائل محور المقاومة على صعيد المنطقة.
هذا سينتج عنه الأمر التالي :
سوف تشهد المنطقة هبوطاً متتابعاً متسارعاً للمؤسسات الصهيونية وصراعاً متصاعداً بين أطراف الإتلاف الحاكم، وبين الفاسدين في الحكم في اسرائيل وسوف تنشر الفضائح حول فساد السلطة وكون اسرائيل هي المركز الرئيسي لتبييض الأموال وتهريب المخدرات في منطقة الشرق الأوسط سوف تفضح اسرائيل وهذا ما سيزيد من الصراعات الداخلية وكشف دور كبار المسؤولين في تغطية هذه الجرائم التي تحاكم القوانين الدولية والتشريعات الدولية، اذ كيف تدافع اوروبا ودولها عن فساد اسرائيل ولعبها الدور الرئيسي في تبييض الاموال وتهريب المخدرات الى اوروبا، سؤال كبير، سوف تظهر نتائجه واثاره على الإتلاف الحاكم.
هذا من علائم الانهيار ، فالرعب الذي تشعر به إسرائيل لا يعشش فقط في الاوساط الحاكمة، الرعب والقلق وعدم الاستقرار، أصبح يمتلىء ويملىء صدور الاسرائيليين والرأي العام الاسرائيلي، فلقد ارتفع مرة اخرى وبوتيرة لا نقول واسعة انما متصاعدة ولو ببطء، السؤال، هل اسرائيل ستبقى دولة قائمة، ام ستزول هذه الدولة.
ان السياسة التي تتبعها الحكومة الاسرائيلية الحالية وضباط المؤسسة العسكرية والمخابراتية والامنية هي السياسة التي تقود لانهيار المؤسسات الاسرائيلية، ولو كنت مكان اي مواطن في اسرائيل لبدأت في توضيب حقيبتي لألتحق ببيتي في نيويورك او باريس او بروكسل او امستردام.