على المنظومة السلطوية أن يجن جنونها

حجم الخط

يديعوت– بقلم ناحوم برنياع

” تبدو المنظومة السلطوية في اسرائيل اكثر جدية من اي وقت مضى في خطتها لمواجهة الجريمة العربية “.

قبل سنتين ونصف دعي يوآف سغلوبيتس، نائب حديث العهد، للمشاركة في ندوة في كفر قاسم. استعد سغلوبيتس في البحث في قانون القومية. في كل ما يتعلق بالوسط العربي، كان هذا هو الموضوع الذي اشغل في ذاك الوقت بال اليهود. ففوجيء إذ اكتشف بان في سلم الغضب لا يوجد قانون القومية الا في المكان الثالث. قانون كامينتس الذي سعى لان يسوي بقوة الجرافة عشرات السنين من مخالفات البناء في البلدات العربية، كان في المكان الثاني. وفي المكان الاول فوق كل شيء، كانت الجريمة.

 وصل الى النقاش في كفر قاسم بدعوة من د. ثابت ابو راس، مدير عام  مشارك في المنظمة اليهودية العربية مبادرات ابراهيم. اما الزيارات التالية فقد قام بمبادرته. وصل الى باقة الغربية بعد أن قتل مجرمون امرأة في الساعة 12 ظهرا في الشارع الرئيس في المدينة. حظيت جريمة القتل بنبأ صغير في هوامش وسائل الاعلام. رئيس البلدية رائد دقا ادخل سغلوبيتس الى جلسة مجلس المدينة. احد خارج الوسط لا يهمه، اشتكى اعضاء المجلس. اقوال مشابهة سمعها حين وصل الى خيمة العزاء في كفر قرع، بعد مقتل ابن رئيس المجلس السابق. وقرر الانضمام الى لجنة في الكنيست تبحث في الجريمة في الوسط. بتعابير سياسية كانت هذه خطوة شاذة: لم يكن فيها مجد ولم يكن فيها ناخبون. “من جاء الى الجلسات؟” يسأل سغلوبيتس ويجيب “العرب وانا”.

 في هذه الاثناء وصل عدد المقتولين منذ بداية السنة الى 95؛ المدن المختلطة بدأت تعتمل؛ والعناوين الرئيسة صرخت. بعد أربعة اسابيع من تشكيل الحكومة عرض وزير الامن الداخلي عومر بارليف ست بطاقات لرئيس الوزراء بينيت. كان فيها اقتراحات لاعمال للمدى القصير، حتى تسعة اشهر، ولسنة ونصف حتى سنتين. بينيت صادق. المحطة التالية كانت المالية: حصل بارليف على مليار وربع شيكل. وبدأ بلقاءات في الوزارات الحكومية.

كان يفترض بسغلوبيتس ان يعين رئيس لجنة الدستور في الكنيست. تغير الاتفاق الائتلافي في اللحظة الاخيرة وعين نائب وزير الامن الداخلي. عمليا، خفض منصبه. فمنصب نائب الوزير يبهر فقط عندما يطبع على بطاقة الزيارة. توزيع العمل  في وزارة الامن الداخلي واضح: في كل ما يتعلق بالشرطة، المفتش العام هو المرجعية. الوزير يحصل على الشرف اما نائبه فلا يحصل الا على اللقب. 

اعد سغلوبيتس بمبادرته خطة طواريء لمعالجة الجريمة في الوسط. رفعها الى بارليف. ويقول بارليف ان “الوثيقة التي اعدها تحدثت بلغة مشابهة جدا لموقفي. اصبحنا فريقا”. 

خدم بارليف في سييرت متكال، اما سغلوبيتس ففي الشرطة. لقد تربيا في عالم من المهام. يوجد أنا وتوجد حساسيات ومصالح وحروب اقاليم، ولكن محظور تركها تخرب الامر الاساس. حملة، هكذا اسمى سغلوبيتس خطته الطواريء. في الحملة  يخزن الناس الأنا. يجتهدون، على الاقل. 

قبل اسبوع من عرض الخطة على الحكومة،  عرض رئيس هيئة الامن القومي ايال حُلتة بحثا مع بينيت. المفتش العام تحدث، وبعده بارليف، الذي اعطى حق الحديث لسغلوبيتس. “يوآف هو فنان”، قال لي بارليف بعد ذلك. “هو يعرف اكثر من الجميع كيف يربط سلطة تبييض الاموال بسلطة الضرائب والشرطة وان يخرج منها جميعا نتائج”. “حسنا”، قال بينيت وانتقل الى الانجليزية: “Who owns it?، أي لمن هذه المهمة”. هذا سؤال يكثر بينيت من طرحه. حين لم يحصل على جواب قال: “انا اكلف هيئة الامن القومي بالتنسيق”. بارليف اقترح تكليف سغلوبيتس بالمهمة. “هو لن يكون مسؤول مشروع حيال الجريمة”، اوضح على مسمعي، “هو سيكون مسؤول مشروع حيال الوزارات الحكومية، بتكليف من رئيس الوزراء”. 

كي يكون الجميع هادئين، بدون حروب اقاليم، تقرر ان تجرى لقاءاته في مكاتب هيئة الامن القومي، بمحاذاة مكتب رئيس الوزراء. 

خطة سغلوبيتس تحتل بالاجمال صفحتين مطبوعتين على ورق عادي– أزرق، برتقالي واسود على أبيض. يدور الحديث عن سلسلة خطوات فورية، بعيدة الاثر، مهمتها تغيير الواقع على الارض في غضون ستة اشهر. يمكن أن تشبه نية الخطوات بجهاز التنفس: فهي لن تشفي المريض، ولكن لعلها تعيده الى الوضع الذي يمكن فيه البدء بمعالجة امراضه. 

حسنا ان جئنا

الخطة هي القصة. ومع ذلك، لا مفر من بضع ملاحظات هامشية. واحدة مغمسة بالمفارقة: سغلوبيتس، 62 سنة كان، كان شرطيا متميزا. في ذروة حياته المهنية الشرطية ترأس قسم التحقيقات. انبهر السياسيون جدا من كفاءاته بحيث انهم حرصوا على سد طريقه الى المفتشية العامة. أحد من خضع للتحقيق لديه كان افيغدر ليبرمان. عندما اغلق المستشار القانوني للحكومة فينشتاين لليبرمان الملف، ثار سغلوبيتس: فقد طالب بلائحة اتهام. اليوم ليبرمان هو وزير المالية، وسغلوبيتس ينتظر الميزانية. كيف يدور الدولاب. 

الملاحظة الثانية تتعلق باللقب. التقاليد السياسية والادارية عندنا لا تعترف بمدراء المشاريع. التجربة التي جرت على الكورونا لم  تنجح. فالحكومة السابقة ترددت في اثناء الجائحة بين ثلاثة القاب. مدير مشروع، منسق ومقدم عروض – ولم تعرف اي حلوى تختار. مدير المشروع يدير، المنسق ينسق ومقدم عروض يسوق. سغلوبيتس يعتزم دفع خطته من الخلف وان يترك الادارة والتسويق للاخرين. 

الملاحظة الثالثة تتعلق بالكلمات الزائدة التي سكبت هذا الاسبوع على مشاركة الجيش والشباك. الجيش ليس مشاركا في الخطة: هو يفترض به ان يقاتل سرقة السلاح من مخازنه وتهريب السلاح من الاردن دون صلة بما يحصل في الوسط العربي؛ والشباك لن يعالج الا المخالفات على خلفية وطنية. قانون الشباك لن يتغير. 

تطالب الخطة بتشديد العقاب في عدة قوانين جنائية واستكمال التشريع في غضون اسابيع – خطوات يصدها المستشار القانوني للحكومة بشكل عام. التقى سغلوبيتس مع المستشار ومساعده وفوجيء. “حسنا أن جئت”، قالوا له. القانون الاول يقرر عقوبات حد ادنى على حيازة وبيع الاسلحة. والتعليل: “اسرائيل غارقة بالسلاح غير القانوني. اكثر من 90 في  المئة منه موجود في الوسط العربي، بما في ذلك صواريخ وقنابل يدوية. ورغم ذلك تكتفي المحاكم احيانا باعمال خدمة. مشروع القانون يفترض أن يجاز بالقراءة الثانية الاسبوع القادم. 

الخطوة القانونية الثانية هي توسيع صلاحيات المحاكم الاقتصادية. وهي موجهة اساسا ضد منظمات الجريمة. اقرت ملاكات لستة قضاة آخرين. الخطوة  الثالثة هي توسيع صلاحيات الشرطة للتفتيش في بيوت المشبوهين دون امر قضائي. خطوة رابعة تسمح باعتقال حتى نهاية الاجراءات لمشبوهين بحيازة السلاح وبالخاوة. وزير العدل، جدعون ساعر يعتزم رفعه لاقرار اللجنة الوزارية لشؤون التشريع في الجلسة القائمة. 

“الوضع كارثي”، قال لي ساعر هذا الاسبوع. “الجمهور اليهودي لا يرى الا طرف الجبل الجليدي – اعمال القتل. من خلف قسم كبير من جرائم القتل تقف جريمة منظمة. مجرمون يسيطرون على سلطات محلية، يبتزون بالتهديد منتخبي الجمهور واصحاب المصالح التجارية”. 

يذكرني الوضع ببابلو اسكوفار، امير المخدرات الكولمبي. “في مرحلة معينة شعر اسكوفار بانه اقوى من الحكومة. وصل حتى قتل قضاة، شرطة وسياسيين. يحتمل أن في المواجهة مع منظمات الجريمة نصل الى هذا الوضع”.

اقترح سغلوبيتس على مندلبليت ان يقف عميت مراري، مساعد المستشار للقضاء الجنائي،  على رأس الفريق القانوني الذي يرافق الحملة. فاستجاب المستشار. فريق آخر يكافح صناعة الفواتير المزورة، مخالفات الضريبة، مصادر التمويل للسيارات الفاخرة. على رأس الفريق يقف رئيس سلطة الضرائب. فريق ثالث يعنى بالمال وبالبنوك. على رأسه يقف رام بلينكوف، مدير عام وزارة المالية. المشكلة: في الوسط يتعاملون بالنقدي. البنوك تخاف اقراض المال. والنتيجة هي ازدهار السوق السوداء.

فريق هيئة الامن القومي سيعالج تهريب السلاح من الاردن والثغرات لغرض سرقة السلاح من معسكرات الجيش. وسيعمل الفريق مع الجيش الاسرائيلي. فريق برئاسة مدير عام وزارة الداخلية سيعالج عطاءات السلطات المحلية العربية. رئيس مركز السلطة المحلية حاييم بيباس سيعمل مع الفريق. 

قصة العطاءات هي مثال كلاسيكي على النوايا الطيبة التي تؤدي الى الجحيم. بعد عشرات السنين من الظلم بدأت الدولة تضخ المال للسلطات العربية، لغرض الاعمال. تنشر السلطات عطاءات. من يفوز بها؟ المجرمون. عمليا، الدولة تمول منظمات الجريمة. 

رؤساء السلطات رفعوا الايدي. فهم غير قادرين على ان يرفضوا المجرمين. اقترحوا على سغلوبيتس ان يأخذ منهم العطاءات وان ينقلها الى جهة خارجية – مثل شركة المرافق والاقتصاد لمركز الحكم المحلي. المشكلة هي ان الشركة تطالبنا بالدفع، قالوا. تشاور سغلوبيتس مع بيباس ومع آييلت شكيد. اقترح بيباس حلا: نفتح عنقودا لا يضم الا سلطات عربية، نعفيها من الدفع. ولا يكون هكذا للمجرمين رؤساء سلطات ليبتزوهم. اذا فسرت الامر على نحو سلم، يدور الحديث في واقع الامر عن تأميم مؤقت للسلطات العربية. 

يأتي سغلوبيتس الى هذا الكفاح بطاقة لم تكن فيه. “اريد للمنظومة ان يجن جنونها”، يقول. منصور عباس ورفاقه يدعمونه في هذه اللحظة؛ يدعمه ايضا اعضاء القائمة المشتركة. دعمهم سيجتاز اختبارا ليس بسيطا اذا ما وعندما يكون اشتباك ناري بين المجرمين والشرطة في قلب بلدات عربية، اذا ما نجحت الحملة اكثر مما ينبغي او اذا ما فشلت. 

توجد حملات ليس لها اسم، ولكن يوجد لها معنى. هذه هي احداها.