رغم مراوحة مفاوضات صفقة التبادل الثانية بين حماس و"إسرائيل" صعودًا وهبوطًا مكانها مُنذ العام 2014، بعد تمكن حركة حماس من أسر أربعة جنود "إسرائيليين" في قطاع غزة، إلا أنَّ عملية "نفق الحرية" في السادس من سبتمبر التي قادها الأسير في حركة الجهاد الإسلامي محمود العارضة "46" عامًا والذي أتم 26 عامًا داخل سجون الاحتلال، ومحكوم بالمؤبد إلى جانب أربعة من أبناء حركته، وقائد كتائب شهداء الأقصى في جنين وعضو المجلس الثوري لحركة فتح، زكريا الزبيدي "45" عامًا، والمعتقل مُنذ العام 2019، والتي كانت علامة فارقة في تاريخ الحركة الأسيرة، وحرَّكت المياه الراكدة في ملف المفاوضات.
إعادة اعتقال الأسرى الستة، الذين تحولوا إلى أبطال شعبيين، زاد الاهتمام الشعبي بقضية الأسرى، ورفع منسوب التفاؤل بإمكانية الإفراج عنهم، بعد خروج أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام، والوعد بأنهم سيكونون على رأس الصفقة القادمة.
لكن المفاوضات التي حركتها زيارة المكتب السياسي لحماس بشكل كامل، للقاهرة والاجتماع المركزي بالمخابرات المصرية، يقف في طريقها الكثير من العقبات؛ خاصةً أنَّ "إسرائيل" ترى بأنَّ الثمن الذي تُريده "حماس" مقابل الأسرى الذي لا يحظون بمرتبة الجندي شاليط باهظ جدًا، فهل يحتاج الفلسطينيون لمعجزة لإنجاز صفقة "وفاء الأحرار2"؟
الشيطان يكمن في التفاصيل
مدير المركز الدولي للاستشارات في حيفا، وديع أبو نصار، رأى أنَّ "إسرائيل" إذا أرادت إنجاز صفقة ستفعل وستجد مخرجاً لها، لكنّ الأمر صعب لسبيين الأول هو "عدم وجود ضغط شعبي قوى على الحكومة الإسرائيلية بقيادة نفتالي بينت، حتى من عائلات الأسرى الأربعة أنفسهم".
وأضاف أبو نصار في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "أما السبب الثاني فهو المعارضة اليمينية الشرسة، التي يعلم بينت أنّه بسبب سيدفع الثمن باهظاً لأيّ تنازل؛ وفي ذات الوقت إنّ أراد مخرجاً للصفقة سيفعل ذلك".
كما استبعد أنّ يتم "إنجاز الصفقة في المستقبل القريب، لأنَّ الفجوات لا تزال كبيرة بين حماس وإسرائيل؛ رغم تذليل حماس بعض العقبات أمامها".
واستدرك: "لكن هناك الكثير من الأسئلة التي لا تزال مفتوحة ليس فقط حول عدد الأسرى الذين ستُطلق سراحهم إسرائيل مقابل الأربعة المحتجزين في غزّة، بل حول إنّ كان الأسرى من ذوي المحكومات العالية وكم سيكون عددهم؟ وهل سيتم إبعاد الأسرى من الضفة إلى أماكن أخرى أم لا؟".
ومضى متسائلاً: "هل ستتم الصفقة على مرحلة أو مرحلتين أو مراحل أخرى؟، وهل سينضم وسطاء آخرون للمباحثات في ظل الحديث عن وساطة ألمانية؟".
وتابع: "دخول الوساطة الألمانية على خط التفاوض سلاح ذو حدين، حيث معروف عنهم أنّهم جديون ومهنيين؛ لكن بالمقابل يُقال بالعربية "كثرة الطباخين تُخرب الطبخة"؛ لأنَّ كثرة الوسطاء قد يضر باحتمال التوصل إلى صفقة".
ولفت إلى وجود العديد من اللاعبين في ملف الوساطة لإنجاز الصفقة، مثل الأمم المتحدة والترويج وسويسرا، وبعض الأطراف الإقليمية مثل قطر، والذين حاولوا إيصال رسائل، لكن تبقى مصر هي اللاعب الأساسي الذي لا يُمكن تخطيه، وهو ذات الأمر الذي حدث في صفقة شاليط عام 2011".
وعن تضارب الأنباء في الصحافة الإسرائيلية حول الصفقة، قال نصار: "إنَّ الإسرائيليين معنيين بالضغط أكثر ما يُمكن للتخفيف من مطالب حماس"، مُشيراً إلى تلويح "إسرائيل" بأنها ليست مستعجلة، وحال زاد الإصرار والضغط سيؤدي الأمر لسقوط حكومة بينت، وحال سقوطها قد تأتي حكومة متطرفة من شأنها توجيه ضربات لغزّة".
وأردف: "وهي أيضاً محاولة للضغط على حماس للتحفيف من المطالب"، لافتًا إلى أنَّ التسريبات من كل الأطراف في محاولة للضغط على البعض وعلى اللاعبين، خاصةً أنَّ الصفقة زادت فرصها خلال الأسابيع الأخيرة لا سيما بعد لقاء السيسي وبينت، وزيارة المكتب السياسي لحماس للقاهرة".
واستدرك: "شاهدنا محاولات وفرص للصعود والهبوط، لكن كما يُقال الشيطان يكمن في التفاصيل وصحيح الفرص عالية، لكن قد تحدث أمور تُعرقل الصفقة".
هل تشمل أسرى نفق الحرية؟
وبالحديث عن تحريك عملية "نفق الحرية" المياه الراكدة في مفاوضات صفقة التبادل، قال نصار: "إنَّ حماس ليس لها علاقة بالأسرى الستة لأنّهم لا ينتمون لها وحاولت الاستفادة من العملية ولم تُعطي أيّ غطاء حقيقي للأسرى، ليس من حماس بل من كل الفصائل"، مُستبعدًا وجود أيّ علاقة للحراك الحالي بملف الأسرى الستة".
وختم نصار حديثه، بالقول: "يبقى السؤال مفتوحاً هل ستنفذ حماس وعدها بوجود الأسرى الستة في الصفقة المرتقبة"، مُبيّناً أنَّ "إسرائيل" قلَّلت من أهمية وعد أبو عبيدة، لكن شمولهم إنجاز مهم لحماس.
ثمن الجنود الأربعة باهظ
من جهته، رأى المختص في الشأن الإسرائيلي، عليان الهندي، أنَّ المفاوضات حول صفقة التبادل بين حماس و"إسرائيل"، ذاهبة باتجاه الفشل؛ لأنَّ الأخيرة تعتقد بأنَّ المطالب التي قدمتها حماس في القاهرة مُبالغ بها من حيث العدد الذي تطلبه في الجنود الأربعة لديها.
وأضاف عليان في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "تُحاول إسرائيل من خلال الضغط على مصر، تنفيذ صفقة تعتبرها عادلة لها؛ لذلك قبل الجولة الأخيرة من المفاوضات كان هناك نوع من التفاؤل بعقد صفقة؛ لكن بعد استماع إسرائيل لمطالب حماس، يبدو أن أن إسرائيل غير ذاهبة نحو إنجاز الصفقة".
وحول جدية عقد صفقة تبادل في ضوء زيارة رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينت للقاهرة واجتماعه بالرئيس عبد الفتاح السيسي، قال عليان: "إنَّ الإسرائيليين يفهمون الزيارة عكس ما نُشر، لأنّهم يعتقدون الاجتماع تم بناءً على حاجة مصرية وليس حاجة إسرائيلية، والتي تتمثل في ضغط إسرائيل باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية حول أزمة سد النهضة وتحسين العلاقة مع الولايات المتحدة".
وأضاف: "بالتالي فإنّ اجتماع السيسي - بينت، بحث ملفات أخرى، وأرادت إسرائيل أنّ تقبض الثمن بالضغط على حماس باتجاه التهدئة ومسألة الجنود الأربعة المحتجزين لدى حماس في غزّة مُنذ العام 2014".
مصر اللاعب الرئيسي
أما عن الأسباب التي تمنع حكومة بينت من إنجاز صفقة تبادل مع حركة حماس، قال الهندي: "إنَّ الإسرائيليين الذين بقبضة حماس، واحد عربي قصاص أثر وآخر يهودي أثيوبي، وبالتالي طالما لم يكن هناك يهودي من الإشكناز والشرقيين القدامى، لن يكون لديها تفكير جدي بالتحرك في الملف".
وفي رده على سؤال حول جدية الصفقة في ضوء الإعلان عن دخول الوسيط الألماني على خط التفاوض، رأى عليان، أنَّ "الوسطاء كُثر، كما يوجد في الوقت الحالي اتصالات مباشرة بين حماس وإسرائيل تتم هاتفيًا؛ ولكن ليس على مستويات قيادية عالية".
واستدرك: "تتم اتصالات بواسطة الصحفيين والطرفين يرفضون الإعلان عنها، وكذلك تتم اتصالات بواسطة الأوروبيين والألمان؛ لكن تبقى القناة المصرية هي المعتمدة بين المصريين والإسرائيليين لاعتبارات كثيرة".
الفشل سيؤدي لحرب جديدة في غزة
ورأى أنَّ مشكلة كل صفقة تبادل هو أنَّ "إسرائيل" تصنع المشكلة ومن ثم تطلب من الفلسطينيين حلها، مُضيفاً: "إسرائيل حددت معايير لمن ستُفرج عنهم في صفقات التبادل؛ بناءً على القانون الإسرائيلي، الذي يرفض الإفراج عن أشخاص ملطخة أيديهم بدماء يهود، وبالتالي تحت هذا التعريف ترفض الإفراج عنهم".
واستطرد: "يأتي كل ذلك في الوقت الذي يحتاج فيه الشعب الفلسطيني للإفراج عنهم وكذلك حماس كجهة تُسيطر على قطاع غزّة بحاجة للإفراج عن الأسرى الذين يحظون بقيمة ورمزية لدي الفلسطينيين سواء من عرب الداخل أو أسرى من دول عربية ومن هم قبل أوسلو وعددهم كبير".
وبشأن اهتمام الاعلام "الإسرائيلي" بقضية التبادل وتضاربها في ذات الوقت، بيّن عليان، أنَّ "الفلسطينيين الأكثر تألمًا والأكثر متابعة للتسريبات حول اجتماعات القاهرة"، مُردفاً: "إسرائيل جزء من الضغط على حماس، وترفض إعادة إعمار غزّة، وفي المقابل حماس ترفض تخفيض شروطها؛ لأنَّ عدد الأسرى هائل، وتسعى لتجنب عيوب صفقة شاليط".
وأخيراً بالحديث عن تداعيات فشل الصفقة، قال عليان: "إنَّ إسرائيل تضغط في ملف إعادة الإعمار، ولن يكون هناك إعمار حقيقي بل تسهيلات، وإذا زادت الضغوط ستتجه الأمور نحو حرب إسرائيلية قادمة، لكن إسرائيل تشترط الإفراج ومن ثم الإعمار، وهو ما سيؤدي لمراوحة الملف في مكانه".