في ظل تطور العلاقات التركية الإسرائيلية، ورفع التمثيل الدبلوماسي للمستوى القنصلي والقائم بالأعمال بعد سنوات من "التراشق الاعلامي" عقب حادثة مرمرة والتي أودت بحياة عدد كبير من الأتراك، تبعه تخفيض مستوى العلاقات الثنائية إلى مستوى سكرتير ثاني، عادت مرة أخرى العلاقات إلى طور التصاعد بين الدولتين خاصة في الجانب الاقتصادي والسياسي.
العلاقة الثنائية والمصلحة المتبادلة
بدأت العلاقات الثنائية بين البلدين، منذ قيام دولة إسرائيل في 1948، حيث كانت تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل والثانية في العالم بعد تسعة شهور من قيامها.
تحدث الخبير في العلاقات التركية الاسرائيلية الدكتور ابراهيم عبيد ، عن دوافع تركيا للاعتراف بإسرائيل الاقتصادية من منطلق حاجة إسرائيل المستمرة للمياه، حيث اتفق البلدين على توريد كميات مهولة من المياه الى اسرائيل بواسطة شركة كندية لكن المشروع لم ينفذ لأنه تطلب اجراءات لوجستية من الصعب القيام بها لاسيما اننا نتحدث عن عملية نقل مياه وهناك مسافة كبيرة بينهما .
وعن الدافع السياسي وهو الأهم، لا يتوقف على قيام الجمهورية التركية على النسق الحديث والغربي، انما يمتد إلى رغبة تركيا باستغلال علاقاتها الجيدة مع اسرائيل بأن تُسهل عبورها الى بوابة الاتحاد الاوروبي التي تحاول تركيا ان تكون عضواً فيه.
وأضاف أن هناك علاقات مخابراتية أيضاً ، فقد سبق وأن اتفقت الدولتين على ارسال اسرائيل صور حية ومباشرة عن تحركات حزب العمال الكردستاني في شمال العراق لتركيا.
كما سمحت تركيا سابقاً للطائرات الإسرائيلية أن تهبط في المطارات التركية المدنية، لافتاً إلى أن العلاقات بين الطرفين هي نابعة من المصلحة المتبادلة بينهما.
العلاقة لم تتأثر حتى بعد حادثة مرمرة
في سياق الحديث عن التدهور " المؤقت" في العلاقات بين البلدين، يرى الكاتب والمحلل السياسي حسن عبدو، أن هذه العلاقة لم يطرأ أي تغيير عليها إلا بعد حادثة مرمرة حيث تم سحب السفراء من كلا البلدين، ولكن وعلى الرغم من هذه الحادثة إلا هذه الاضرار التي لحقت في العلاقات لم تنقطع نهائياً، وبقيت العلاقات التجارية والاقتصادية قائمة حتى الآن.
و يوافقه الرأي د. عبيد ،- ووفق دراسته- فهو وجد أن العلاقات الاسرائيلية التركية لم تتأثر على الاطلاق وفيما يتعلق في حادثة مرمرة فهي" مسرحية مرمرة" على حد تعبيره.
وأضاف أن ما صرح به رئيس الوزراء التركي –حينها- أردوغان في مؤتمر دافوس بوصفه الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز بأنه قاتل الأطفال، ما هو إلا في اطار سياسة التلميع مشيراً إلى أن تركيا ارادت ان تنقل رسالة للغرب" اذا لم تقوموا باستيعابنا في الاتحاد الاوروبي انا- اردوغان - باستطاعتي لعب دور في الاقليم "
ولفت إلى أن العلاقات التركية الاسرائيلية لم تتأثر - وان تأثرت- فهي في الجوانب الاعلامية وهناك خط واضح ومتوازي بين السياسية الخارجية الاسرائيلية والخارجية التركية تجاه تركيا والعكس .
العلاقة الثنائية والقضية الفلسطينية
وبحسب ما يراه عبدو، فإن تركيا تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في مطالبه العادلة لإنهاء الاحتلال وهذه السياسة مستمرة لكن تركيا في دعمها وتأييدها للقضية لا يصل لمستوى القطيعة الكاملة مع اسرائيل، مضيفاً أن اسرائيل تستغل كل الظروف من أجل التحريض على الفلسطينيين لكن السياسة التركية لا تزال تقف الى جانب السياسة الفلسطينية.
وفسر عبدو عدم انزعاج حركة حماس من هذا التقارب، أن العلاقات التركية الاسرائيلية هي سابقة من ناحية زمنية وجود حركة حماس نفسها وبالتالي تطور العلاقات بين تركيا وحماس هو أحد المتغيرات الجديدة، بينما العلاقات التركية الاسرائيلية قديمة وقبل وصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة.
ويرجح أن حماس ترى أن تطور العلاقات قد يؤدي إلى خطوة مهمة في سبيل إنهاء الحصار الذي وعد به سابقاً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مشيراً إلى أن حماس في النهاية تريد ان تبني علاقات اوسع مع العالم الاسلامي وهذا لا يتطلب بالضرورة ان تقطع هذه الدول علاقاتها مع اسرائيل.
ويخالفه في الرأي عبيد في أن تركيا لم تستثمر علاقاتها الجيدة مع اسرائيل فيما يخدم القضية الفلسطينية الا ببعض التصريحات الاعلامية لتعزيز الدور التركي في القضية الفلسطينية، مضيفاً "أننا لا نستطيع القول ان هذا التعاطف هو ليس حقيقياً ولكن المصالح تقُدم فهي تظهر تعاطفها مع فلسطين ولكنها لم تستغل علاقاتها الاستراتيجية مع اسرائيل في دعم قضيتنا، وكأن البلدين اتفقتا ان يبقى الدور التركي في القضية الفلسطينية اعلامي فقط."
يشار إلى أنه ليس غريباً على الدولتين هذا التقارب خاصة وان العلاقات الاسرائيلية التركية ليست علاقات طارئة انما هي ممتدة وقديمة وهي منذ قيام اسرائيل.