هارتس : تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي: الفشل معلوم، أما الفاشلون فمجهولون!

C619D187-8362-4CA4-8F52-0E435A743C9F-e1548772995239.jpeg
حجم الخط

بقلم: نير حسون

 


مثلما هي الحال في أي إصدار جيد، أصدر مكتب مراقب الدولة مؤخراً مقطعاً دعائياً تمهيدا لتقرير أزمة المناخ. فيلم قصير مدته 40 ثانية، مصنوع وفق كل قواعد استوديوهات مارفل: موسيقى دراماتيكية وسرد إيقاعي وصور مرئية مخيفة. "أزمة المناخ أصبحت عندنا! إسرائيل وافقت! إسرائيل تعهدت! إسرائيل وقعت! لكن ما الذي تم بالفعل؟"، اعلن المذيع.
من السهل الاستهزاء بغرور فيلم الفيديو، لكن ازمة المناخ بالتأكيد تبرر مقاربة دراماتيكية. تقرير مراقب الدولة هو وبحق وثيقة مؤثرة بكل المقاييس. 665 صفحة تحلل بتفصيل وبعمق مثير عوامل ازمة المناخ العالمية وتأثيراتها الاقتصادية والامنية والاجتماعية. التقرير يصف ايضا بتفصيل الطريقة التي فشلت فيها هيئات الدولة حتى الآن في مواجهة الازمة، وهو غني بالبيانات والرسومات البيانية والمقارنات الدولية. يبدو أن ادعاء أن الأمر يتعلق بالوثيقة الحكومية الأشمل والأعمق التي صدرت في إسرائيل حول قضية المناخ لم يكن مبالغا فيه.
تنبيه خاطئ لمن شاهد المقطع الدعائي ولم يقرأ التقرير بعد. الاستنتاجات القاطعة هي أن إسرائيل فشلت والحكومة لم تقم بالوفاء تقريبا بأي هدف من الأهداف التي وضعتها لنفسها في كل ما يتعلق بخفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري، رغم أن الاهداف كانت اقل بكثير مقارنة مع دول اخرى؛ مقارنة دولية لكل بيان يرتبط بأزمة المناخ، مثل كمية الانبعاثات للفرد وعدد السيارات الكهربائية والانتقال الى الطاقة المتجددة وغيرها تضع اسرائيل في وضع محرج جدا.
لم تتمكن الحكومة الإسرائيلية أيضا من الاستعداد للواقع الجديد الذي أوجدته الأزمة، التي عواملها هي إحداث مناخية متطرفة مثل حالات القحط وهزات في الأسواق المالية وأزمات صحية وغيرها. الإخفاقات في كل هذه المجالات وصفت في التقرير بوفرة، وهذه الأوصاف يرافقها انتقاد لاذع، لكن رغم التفصيل والعمق إلا أن التقرير تنقصه بضع كلمات مهمة مثل أسماء المسؤولين عن هذا الفشل. ومن سيقرأ التقرير سيكتشف أن المسؤولية عن هذه الإخفاقات تتوزع بين هيئة غير متبلورة تسمى "إسرائيل" وبين آليات مثل "الحكومة" و"وزارة المالية" و"وزارة المواصلات" الخ.
يبدو أن هناك شخصا قام بتخفيف التقرير من القاء مسؤولية غير مباشرة بواسطة استخدام ألقاب "رئيس الحكومة" و"ووزير المالية" و"وزير المواصلات". كلمات "رئيس الحكومة" مثلا، تظهر في التقرير 48 مرة، لكن في 45 مرة منها هو جزء من مصطلح "مكتب رئيس الحكومة". من بين المرات الثلاث الباقية تظهر هذه الكلمات مرّتان في ملاحظة هامشية تتناول ادوارا استشارية لرئيس الحكومة. في المرة الثالثة هذا التعبير متضمن في رد وزارة الطاقة: "في إسرائيل هذا الحل (تركيز جهود الحكومة، مثلما هي الحال في الولايات المتحدة) سيساعد فقط اذا قاد رئيس الحكومة هذا الموضوع.
في مئات صفحات التقرير، لم يظهر مراقب الدولة ولو مرة واحدة رئيس الحكومة باعتباره هو الذي يتحمل المسؤولية.
في فصل التخفيف الذي يتناول الفشل في تقليص انبعاث غازات الاحتباس الحراري هناك تفاصيل حول الاهداف التي وضعتها الحكومة في مجالات مثل خفض السفريات الخاصة وتشجيع المواصلات العامة، وزيادة نجاعة الطاقة ومعدل الطاقة المتجددة في قطاع الكهرباء. لم تقم الحكومة بالوفاء بأي واحد من الاهداف التي حددتها هي نفسها. "التقدم في تحقيق الاهداف القطاعية"، كتب في التقرير، "يتراوح بين التخلف والصفر".
من الذي اتخذ القرارات؟ من شجع استخدام السيارات الخاصة بدلا من المواصلات العامة؟ من الذي فشل في ازالة العقبات من امام الطاقة المتجددة؟ من الذي رفض المصادقة على الميزانيات المطلوبة من اجل الدفع قدما بهذه العمليات؟. القارئ الذي يتعمق ويصل الى الصفحة رقم 125 في التقرير سيجد جدول فيه أجوبة الوزارات على أسئلة المراقب فيما يتعلق بتنفيذ قرارات الحكومة. في عمود "الحالة" كتب "لم ينفذ"، في التطرق الى تسعة من بين 11 قرارا. وعن القرارين الآخرين كتب "نفذ بشكل جزئي". المواطن الذي يريد معرفة من هم الوزراء أو الموظفون الذين كانوا هم المسؤولون عن عدم تطبيق القرارات يجب عليه إكمال المهمة بنفسه والتوجه الى ويكيبيديا لمعرفة الأسماء وإضافة عمود في الجدول: "اسم الوزير أو الجهة المسؤولة".
إبعاد المسؤولية عن متخذي القرارات، الوزراء وكبار الموظفين، هو السمة التي تميز تقارير مراقب الدولة في عهد متنياهو انغلمان. تصرف إسلافه في المنصب  بشكل مختلف. على سبيل المثال، في تقرير خاص عن وضع المواصلات العامة الذي نشره المراقب السابق، يوسف شبيرا، كتب في المقدمة: "هذا الوضع يجثم على عتبة وزارة المواصلات برئاسة الوزير إسرائيل كاتس، الذي يتولى منصبه منذ شهر آذار 2009". اسم كاتس كان يجب أن يظهر أيضا في التقرير الحالي عن أزمة المناخ. كاتس، الذي كان وزيرا للمواصلات مدة اكثر من عشر سنوات، صمم خلالها وسائل المواصلات في إسرائيل، بما في ذلك الازدحامات المرورية والتلوث وانبعاث غازات الاحتباس الحراري من المركبات. كاتس تفاخر دائما بشق الطرق وإقامة الجسور والمفترقات الجديدة وتجاهل تحذيرات الخبراء الذين أوضحوا بأن هذه الاستثمارات فقط ستزيد السفر والازدحامات. عندما وجه له سؤال مباشر حول الأمر أجاب: "دعك من النظرية المضحكة بشأن الشوارع التي تؤدي الى الازدحامات". ربما النظرية تكون مضحكة ولكن الواقع حزين.
مسؤول آخر هو د. يوفال شتاينيتس، وزير الطاقة في الأعوام 2015 – 2021، والذي كان قبل ذلك وزيرا للمالية. شتاينيتس يصف نفسه كفارس الغاز الإسرائيلي والذي بفضله تم تسجيل خفض الانبعاثات نتيجة تقليص حجم إنتاج الكهرباء من الفحم. ولكن من يتعمق في التقرير سيرى أن وزير الطاقة ووزارته قد فشلا في الانتقال لاإنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة. الوزارة لم تحقق حتى الهدف المتدني للعام 2020 وهو 10 في المئة من انتاج الكهرباء بالطاقة المتجددة. وقد اضطررنا الى الاكتفاء بـ 6 في المئة البائسة.
مسؤولون آخرون هم وزراء المالية في الحكومات الاخيرة برئاسة بنيامين نتنياهو، كاتس وموشيه كحلون ويئير لبيد وشتاينيتس. وزارة المالية، حسب المراقب، كانت عائقا رئيسيا أمام  منع تمويل برامج لتقليل الانبعاثات والتكيف مع ازمة المناخ. ايضا وزراء حماية البيئة في تلك السنين، آفي غباي وزئيف الكين وغيلا غملئيل، هم الذين يتحملون المسؤولية. صحيح أن وزارتهم غير مليئة بالميزانيات، لكنهم فشلوا في مجال ادارة القمامة التي تساهم بشكل كبير في انبعاث غازات الاحتباس الحراري، ولم يعرفوا كيفية اشعال الضوء الاحمر كي يوضح لرئيس الحكومة وللحكومة خطورة ازمة المناخ.
يوجد أيضاً مسؤولون آخرون من بينهم وزراء الدفاع والمدراء العامون في وزارة المالية وفي وزارة الإسكان وفي وزارة المواصلات وفي وزارة الطاقة ورؤساء ادارة التخطيط وسلطة أراضي اسرائيل وأعضاء سلطة الكهرباء وأعضاء لجنة المالية في الكنيست وأعضاء الكنيست جميعهم. ولكن فوق كل هؤلاء جميعا يبرز شخص واحد يتحمل عبء الفشل المهين لحكومات إسرائيل في إعداد الدولة للأزمة الأكبر في تاريخها. فقط شخص واحد كان هنا رئيسا للحكومة خلال الـ 12 سنة الماضية. اسم نتنياهو، اذا تساءلتم، لا يظهر في التقرير أبداً.
عن "هآرتس"