اندلعت في الصيف الماضي موجة حرائق طالت غابات شاسعة في مناطق عديدة حول العالم (تركيا، الجزائر، لبنان، كاليفورنيا...)، وقبلها بسنتين اندلعت حرائق هي الأسوأ من نوعها دمرت مساحات شاسعة من حوض الأمازون، وأستراليا.. فضلاً عن سلسلة من الكوارث الطبيعية (فيضانات، أعاصير...) ضربت مناطق متفرقة من الكوكب، قابلتها موجات حر غير مسبوقة، أدت إلى جفاف أراض زراعية، وتصحر أراض أخرى.
كل هذه التقلبات المتطرفة في المناخ سببها ظاهرة «التغيّر المناخي».. وهي آخذة في التعمق والاتساع بشكل خطير، إلى درجة باتت تهدد أمن وسلامة العالم بأسره، وتنذر بكوارث مدمرة للبيئة، بل وتهدد مستقبل كوكب الأرض.
وفي تقرير الأمم المتحدة حول المناخ، وصف الأمين العام أنطونيو غوتيريس حال كوكب الأرض قائلاً: «وصل العالم إلى نقطة اللاعودة فيما يتعلّق بالحاجة إلى عمل خاص بالمناخ. أمّا الاضطرابات التي تعصف بكوكبنا ومناخنا، فهي أشدّ سوءاً ممّا ظننا، وأسرع ممّا توقعنا».
ومن أجل مواجهة تداعيات التغير المناخي، عقدت الأمم المتحدة سلسلة مؤتمرات دولية (كان أولها في ريو دي جانيرو 1992)، بمشاركة قادة وزعماء العالم، ونخبة من علماء البيئة والمناخ، وقد أصدر المؤتمرون مجموعة من التدابير والقرارات والخطط الطموحة، لكنها ظلت عاجزة أمام هذا الخطر الكبير. وفي هذه الأثناء تُعقد الدورة 26 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (31-10 حتى 12-11-2021)، في غلاسكو الإسكتلندية، برئاسة المملكة المتحدة. بمشاركة 197 دولة، بهدف إجراء حوار بنَّاء للتعامل مع مشكلات التغير المناخي، وما يتصل بها من مشاكل الغذاء والصحة والبيئة، وغيرها.
ويؤكد خبراء الأمم المتحدة أنّ التغيّر المناخي مرتبط مباشرة بالشأن السياسي؛ حيث إنّ الحكومات لم تلتزم بمقررات مؤتمرات المناخ السابقة، وإنها بعيدة عن المسار الذي حدّدته اتفاقية باريس للمناخ (2015)، ومرتبط أيضاً بالشأن الاجتماعي والاقتصادي والصحي، وقد ظهر ذلك بوضوح أثناء جائحة «كورونا» وتبعاتها وتداعياتها المختلفة.
وحسب صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، فقد أكد العلماء أن التغير المناخي وصل نقطة خطيرة، بحيث صار من المتعذر العودة عنها، بدليل أن العلامات الحيوية للأرض أخذت منعطفاً حاداً، حيث أدى تغير المناخ إلى دفع صحة الكوكب إلى ما وراء نقاط التحول التي لا يمكن عكسها، وقد تناول العلماء 16 مؤشراً من 31 علامة حيوية لكوكب الأرض، مثل تركيز غازات الدفيئة، وتحمض المحيطات، وتعداد الماشية المجترة، الشعاب المرجانية في المياه الدافئة، غابات الأمازون المطيرة، الصفائح الجليدية وذوبان الثلوج في جبال الهملايا والقطبين، نسبة التصحر، فقدان رطوبة التربة، حجم ثقب الأوزون، التقلبات المناخية الشديدة وما ينتج عنها من كوارث طبيعية. وهذه المؤشرات تظهر مدى التغيرات المدمرة في النظام البيئي للعالم، والتي تؤدي إلى انقراض أنواع من الحيوانات والنباتات، فضلاً عن آثارها السلبية والخطيرة على الإنسان.
ونشر موقع (Science) العلمي المتخصص تقريراً سلّط فيه الضوء على التغيرات المناخية خلال العشرين عاماً الماضية، مؤكداً تفاقم الاحتباس الحراري، وارتفاع درجات حرارة الأرض، وتزايد حالات الجفاف بشكل غير مسبوق منذ أكثر من 260 عاماً.
وفي مقال نشرته صحيفة «الإندبندنت»، ذكرت الباحثة دايزي دان أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى ذوبان التربة الصقيعية المتجمدة الواقعة في مناطق خطوط العرض الشمالية العليا، والتي تختزن كميات هائلة من الكربون، وهذا الذوبان يتسبب في إطلاق كميات إضافية من الكربون في الغلاف الجوي، ما يفضي بدوره إلى ارتفاع في درجات حرارة المناخ. وهذه الظاهرة تسمى «حلقات الارتجاع»، والتي تقود في نهاية المطاف إلى تسريع وتيرة زيادة درجات حرارة الأرض.
كما أن ارتفاع درجة حرارة المحيطات والغلاف الجوي يتسبب في ذوبان الجليد بوتيرة مرعبة. ولما كان الجليد الأبيض اللامع يعكس ضوء الشمس بعيداً، لذا فإنه ما أن يختفي، حتى يروح المحيط المظلم المكشوف يمتص مزيداً من أشعة الشمس، ما يؤدي إلى ارتفاع حرارة المحيط، من ثم إلى ذوبان إضافي في الجليد. وهكذا نكون وصلنا إلى النقطة الأخطر، التي لا عودة عنها.
ويرى علماء آخرون أن امتناع العالم عن إنتاج غازات الدفيئة، والتوقف عن تلويث البيئة، لن ينقذا كوكب الأرض بين ليلة وضحاها. في الواقع، سيستغرق مناخ الأرض عقوداً عدة قبل أن يصل إلى توازن جديد. وسبب ذلك بدرجة كبيرة الكيفية التي تخزن بها محيطات العالم الحرارة، والتي بدورها تترك تأثيرها الطويل في درجات حرارة الجو.
وهذا ما أكدته دراسة مناخية، نشرتها مجلة (Scientific Reports)، تطرح الادعاء الجريء الذي يقول: إننا تجاوزنا فعلاً نقطة اللاعودة فيما يتصل بالاحترار العالمي. بناء على نموذج محاكاة للأحداث المناخية التي يمكن أن يشهدها عالم افتراضي توقفت فيه انبعاثات غازات الدفيئة في العام 2020، حيث تجد الدراسة أنه في عمليات المحاكاة تستمر حرارة العالم في الارتفاع على مدى مئات السنين كنتيجة لـ»حلقات ارتجاع إيجابية» عدة، مثل ذوبان التربة الصقيعية.
لكن علماء آخرين شككوا في صحة ذلك النموذج المبسط، قائلين: إن هذا الطرح يشجع أصحاب المصانع، والمسؤولين عن التلوث، على الاستمرار في ممارساتهم التخريبية، كما أنه يضر بالجهود العالمية الرامية إلى معالجة أزمة المناخ، ويشيع روح الإحباط لدى الناس، وبالتالي قناعتهم بأنه لا مناص من الكارثة المناخية.
أما موقع «آفاز» فقد نشر نداء عالمياً مفاده أن البشرية فشلت حتى الآن في إيقاف أزمة المناخ، وأن كوكبنا يصرخ طلباً للمساعدة، داعياً قادة العالم لاتخاذ إجراءات جدية لمواجهة الأزمة، والقيام بما يلزم قبل أن ننزلق نحو الهاوية.
وأكد البيان أننا بعيدون بشكل كارثي عن الهدف الأساس المتمثل في خفض درجة حرارة الأرض لتصل إلى درجة ونصف درجة مئوية، بل إن حكومات العالم تساهم في تسريع وتيرة الأزمة من خلال صرف مليارات الدولارات على الاستثمارات في قطاع الوقود الأحفوري.
ودعا البيان للتمسك بهدف خفض درجة حرارة الكوكب، وإلزام الدول الصناعية للحد من انبعاث غازات الدفيئة، واعتماد بدائل الطاقة الخضراء، ودفع مبلغ 100 مليار دولار التي وعدت بها الدول الأكثر ضعفاً، لمواجهة الكوارث المناخية.
بالصور: برايتون يخطف نقطة من مارسيليا
06 أكتوبر 2023