نظمت جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية قبل عدة أيام، زيارات الى عدد من التعاونيات التي أسستها وتعمل بها وتقودها نساء، وبالتحديد نساء ريفيات، أو فلاحات، أو مزارعات. وكان واضحاً النجاح الذي حققته هذه التجمعات التعاونية، والتي بدأت بعدد قليل من الأفراد وفي الغالب بمبادرات ذاتية وبدافع الحاجة، سواء في مناطق بيت لحم أو الخليل أو رام الله أو نابلس، حيث تنوع الإنتاج بين الزراعي النباتي والحيواني، وصولاً إلى النمو الكبير وتحقيق الاستدامة، سواء في الإنتاج أو في التسويق أو كمثال يمكن الاقتداء والبناء عليه.
والتمكين الاقتصادي، أو تشجيع التأثير من خلال المشاركة السياسية، أو توفير الدعم والتعامل مع ظروف تقيد تمكين المرأة وتوفر لها الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني، هي مسارات متعددة، تقوم عليها فلسفة وبرامج جمعية المرأة العاملة الفلسطينية للتنمية، من أجل الارتقاء بالمرأة الفلسطينية، وبالتالي الوصول الى مجتمع فلسطيني متقدم في إطار العدالة الاجتماعية والمساواة المبنية على تحقيق التوازن والظروف، وتوفير الإمكانيات والوصول الى المصادر والفرص في إطار النوع الاجتماعي. أي تحقيق ذلك للمرأة وللرجل في ظل ظروف وعادات وأنظمة المجتمع الذي نحيا فيه، وفي إطار توفير الفرص للمرأة، فإن من الفرص السانحة الآن وبشكل واضح، هي فرصة المشاركة في الانتخابات المحلية، التي من المفترض أن تتم المرحلة الأولى منها خلال الشهر القادم، وبالتحديد للمرأة الريفية، حيث من المتوقع أن تتم المرحلة الأولى من الانتخابات في مناطق ريفية، وفرصة مشاركة المرأة الريفية في هذه الانتخابات، وبالتحديد من خلال الترشح، سوف يتيح لها الفرصة للتأثير وللضغط وبالتالي لإحداث التغيير، في مجتمعها المحلي، سواء في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو غيرهما.
وهذا الوضع ينطبق بشكل أكثر وضوحاً على المرأة الريفية الشابة، وهي التي تقود وبنجاح التعاونيات التي قمنا بزيارتها، حيث من المعروف ان المجتمع الفلسطيني بكافة تجمعاته هو مجتمع فتي أو مجتمع شاب. وهذه الفئة الضخمة من فئات المجتمع العمرية من المفترض ان تأخذ زمام المبادرة وتشارك في الانتخابات المحلية القادمة، من حيث المساهمة في إحداث التغيير في موازين القوى في البعد الاجتماعي والاقتصادي، أي في تحسين الأحوال والوصول الى الإمكانيات والمصادر والفرص والتمكين، وهذا ما يمكن وبوضوح أن توفره المشاركة في الانتخابات المحلية القادمة.
ومشاركة المرأة بنفسها ومن خلال إمكانياتها في الانتخابات ومن ثم بالتغيير هي الوسيلة الأمثل للوصول الى حقوقها المنقوصة، ومنها توفير فرص العمل، والمساواة في التعليم والأجر، وفرص القيادة والمشاركة في صنع القرار، وتوفير ظروف ومتطلبات الصحة والسلامة المهنية، وكذلك تطبيق الحد الأدنى للأجور، وبالأخص للمرأة العاملة، التي ما زالت تتقاضى أقل مما يجب.
ومن ضمن الحقوق توفير بيئة العمل السليمة والصحية، حيث في بلادنا، ورغم أن المرأة العاملة الفلسطينية تشكل فقط حوالي 16% من القوى العاملة الفلسطينية، إلا أن تأثير ظروف العمل غير السليمة أو غير الصحية عليها، يمكن ان يكون اكثر حدة، وله انعكاسات بعيدة المدى وآثار أكثر سلبية أو ديمومة، خاصة إذا كانت المرأة العاملة حاملاً، أو تقوم بالإرضاع أو تعمل على تربية الأبناء، وإذا ما كان تعرض المرأة الى مؤثرات العمل، من كيميائية أو فيزيائية أو ميكانيكية او بيولوجية يتم بشكل متراكم ومتواصل.
فمن المعروف ومن خلال الأبحاث والدراسات المنشورة ان تعرض المرأة العاملة الحامل لمواد كيميائية في بيئة العمل يؤدي الى انتقال هذه المواد من خلال المشيمة الى الجنين، وبالتالي إحداث تأثيرات عقلية وجسدية بعيدة المدى على الجنين، وكذلك يمكن لهذه المواد الكيميائية ان تنتقل من خلال حليب الأم العاملة المرضع الى الجنين، ومن الأمثلة على ذلك التعرض للمبيدات الكيميائية للنساء العاملات في قطاع الزراعة، ومعروف أن نسبة كبيرة من النساء الفلسطينيات يعملن في الزراعة، وخاصة في مناطق الزراعة المكثفة كمناطق الأغوار ومناطق الشمال في الضفة وفي قطاع غزة، وكذلك التعرض إلى المعادن الثقيلة والمركبات العضوية للعاملات في الصناعات الكيميائية والغذائية وفي صناعة الدمغ والصقل، وفي صناعة الأدوية.
واذا اقتنصت المرأة الريفية هذه الفرصة، وشاركت بفعالية وان لم يكن بالترشح بشكل خاص بل بالاقتراع والمراقبة والمتابعة، فإنها سوف تحقق خطوة من خطوات في طريق التأثير في قرارات وفي تغيير أوضاع، تصب في المحصلة لصالحها ولصالح العدالة من منظور النوع الاجتماعي ولصالح المجتمع بشكل عام، مع العلم أن المرأة الفلسطينية تشكل حوالي 48% من السكان، ونسبة النساء المتعلمات، وكما تدل إحصائيات مؤسسات التعليم العالي، تصل الى نسبة الـ 70% من مجموع الطلبة، وجزء كبير منها من المرأة الريفية، التي تستطيع أن ترفد حيزها المحلي والعام بالإمكانيات نحو تحقيق التنمية الخاصة وعلى صعيد البلد قاطبة.