أخرج المكتب المركزي للإحصاء الأحكام والانطباعات المسبقة حول التقدم المحرز لجهة المشاركة السياسية للمرأة من إطار التوقعات والاجتهادات، إلى وضعها في حيِّزها المعلوماتي العلمي وإسنادها بمؤشراتها الرقمية. لتظهر الحقيقة جليّة وكما هي دون تجميل أو أحكام نظرية.
الأرقام تتكلم عشية اليوم الوطني للمرأة تاركة لنا قراءتها وتحليلها، تذكرنا بنسبة مشاركة المرأة في المجلس الوطني والمجلس المركزي بواقع 10.9% و5.7% على التوالي، لافتة الانتباه إلى مجازفة الهيئتين بعدم تطبيق قرارهما على نفسَيهما من باب أولى، كونهما الهيئتين صاحبتا قرار تخصيص 30% من حجم جميع بنى الدولة وهياكلها.
أما نسبة من تبوّأ منصب محافظ فقد بلغت 6.3% باقتصارها على محافظة رام الله والبيرة، دون أي تغيير منذ العام 2010. أما على صعيد تمثيلها في مجلس الوزراء فقد بلغت 12.5% بتسمية ثلاث وزيرات فقط، بينما كانت في الحكومة الثالثة عشرة 25% بوجود ست وزيرات.
وبلغ عدد رئيسات المجالس المحلية 1.8% من إجمالي عدد الرؤساء، بواقع ثلاث رئيسات جميعهن في المناطق المصنفة «ج»، في حين بلغت نسبة مشاركة الطالبات الجامعيات في مجالس الطلبة 4.3%، ونسبة القاضيات 8%. أما على صعيد ترؤس النقابات فقد بلغت 9% مع انتخاب امرأة لنقابة المهندسين مؤخراً، بينما لم تتجاوز مشاركة النساء في الغرف التجارية نسبة 4%.
أما على صعيد مشاركة النساء في القطاع المدني فقد بلغت 44%، بينما نسبة من تبوأن منصب مديرة عامة فلم تتجاوز نسبة 14%، في حين بلغت نسبة المدراء العامين 86%.
وتراجعت مشاركة المرأة في القوى العاملة 16.1% بعد أن بلغت في العام 2019 حوالى 19%، في حين بلغت معدلات البطالة في صفوف النساء 40.1% وبلغ الفقر الأنثوي 29.7%، بينما بلغت نسبة من يترأسن الأسر 11% في المحافظات الشمالية والجنوبية.
أما على صعيد مشاركة المرأة في قيادة الأحزاب السياسية فيمكن الحديث بلا حذر، عن اقتصار مشاركة المرأة في لجنة حركة «فتح» المركزية على 5% بواقع امرأة واحدة، وفي مجلسها الثوري لم تتجاوز نسبة 9% رغم القاعدة الجماهيرية لحركة «فتح» بما يعوَّل عليها في صنع التغيير إنْ شاءت، في الوقت الذي تراوحت نسبة المشاركة في باقي الأحزاب المصنفة «يسار» بين 15%- 30% بسبب تماهي مواقفها الاجتماعية مع مواقف اليمين، أو بسبب ضمور قاعدة بعضها للحد الذي أفقدها مبرر وجودها الوطني والاجتماعي.
وبعيداً عن الكلام المُعاد، واضح أن ركب مشاركة المرأة يتجه نحو الخلف عموماً، منسوباً إلى عديد العوامل، على رأسها تقف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير كونها مرجعية السلطة الوطنية، وثانيهما تتحمل الحكومة ذلك كونها الجهة التنفيذية صاحبة المسؤولية والواجب، ومن ثم تأتي الأحزاب السياسية التي تقوم بتنظيم وتأطير المرأة في صفوفها، ولا يمكن استثناء مؤسسات المرأة وأطرها القيادية من المسؤولية.
يتضح عجز الحكومة الثامنة عشرة بعد أكثر من ثلاث سنوات على تشكيلها عن إحداث نقلة تغييرية، ويظهر بوضوح عدم جديتها في إفساح المجال أمام مشاركة المرأة في صنع القرار. تبدو الحكومة الحالية بلا رؤية تطبيقية للمرجعيات المحلية ممثلة بوثيقة الاستقلال والقانون الأساسي، علاوة على ظهورها عاجزة عن فرض رؤيتها، وضعيفة وصامتة إلى حدود غير معقولة أمام هجوم القوى الأصولية والمتطرفة على المرأة ومؤسساتها، وظهور إحجامها عن تحدي القوى المحيطة، رغم انضواء أحزاب وشخصيات تقدمية في عضويتها. إلا أنه لم يُلْمَس لها أي أثر كان مُنتظراً.
لا تقلّ مسؤولية الأحزاب والفصائل عن مسؤولية الحكومة، فعندما تعجز الحكومة عن صنع ثقافة مدنية تنويرية تغييرية، تقوم الأحزاب بملء الفراغ وتميز نفسها سواء بما توجهه للمجتمع من رؤى تقدمية وقيم المشاركة والمساواة والتعددية. ما فعلته الأحزاب أنها أخلت المكان للعشائرية وقيمها التمييزية والتقليدية، عوضاً عن تقديم نموذجها الخاص للمشاركة المتساوية واقتراح التدابير كـ»الكوتا» لتصحيح الخلل في التوازن ووضع المرأة في وضع تنافسي.
أما على صعيد مسؤولية المؤسسات النسوية، تحديداً الأطر المُصَنَّفة بالجماهيرية ومن في حكمها كالنقابات والاتحادات الشعبية التي تضم النساء في عضويتها كالمعلمات والعاملات والصحافيات والمحاميات، فيقع على عاتقها جزءٌ من المسؤولية، لأن الجزء الأكبر يقع على الوزارة والأحزاب السياسية. مسؤولية النساء تتركز في العمل على تضافر الجهود والتنسيق، وخوض معركة المشاركة كقضية نسوية واحدة دون تجزئة.
مسؤولية المرأة تتركز في وقف خطاب البكائيات، واستخدام أدوات ولغة المصالح، واستثمار مواطن القوة في تحصيل المنافع في علاقتها مع الأحزاب وباقي الأطر المشتركة كالنقابات المهنية. المرأة اليوم بحاجة إلى الإجابة عن الأسئلة التي تكشف عن قدرتها على إحداث تغيير في نظرة رفيقها في الحزب والفصيل أو في المجلس البلدي وفي النقابة وفي مجلس الطلبة والمنظمة الشبابية.. أو أنها وشركاءها انخرطوا في تنفيذ السياسات الاستبدادية للسلطة القائمة، رسمية أو نقابية أو حزبية.. هل استطاعت تغيير النظرة بالاستعانة كذلك بأدوات أخرى، منها الجدال المثمر والتثقيف والتدريب.. أم ما زالت نظرة التمييز والدونية والشكوك وعدم الثقة تسيطر على العلاقة بينهما؟
الأساس الانخراط في معركة التغيير، واستكمال مهام التحول الديمقراطي على هدى إستراتيجية تغيير مشهد الاستبداد والسيطرة وفكفكته.. التي تقودها منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية والأحزاب والمجتمع المدني، إذا كانت ثمة إرادة سياسيّة وبقية من التراث التحرري والديمقراطي.
أذابت مؤشرات المكتب المركزي للإحصاء الثلج كاشفة المرج الذي يخفيه. لم يكن أول الأرقام ولن يكون الأخير، ما دام أصحاب القرار يوفرون الغطاء للسياسات التي تحافظ على التمييز، مهما كان مصدره، لأسباب فئوية على الغالب. ما دام الاهتمام بالشكل الخطابي وخلْق انطباعات زائفة عن التمسك بالهوية الديمقراطية، التي بالتجربة ذهبت أدراج الرياح مع الهجمة التقليدية.