استطلاعات الرأي .. الأداة الأهم في عالم السياسة

577
حجم الخط



قبل فترة طويلة في القرن الماضي، توصلنا في حزب العمل الى الاستنتاج بأن علينا البدء في استخدام استطلاعات الرأي العام. صحيح أننا كنا في حينه في المستوى البدائي للتطور السياسي. لكننا كنا من العالم الكبير الذي أعطى فيه الناس وبأفواههم توصية حميمية: استخدموا استطلاعات الرأي كأداة تتوسط بين مواقفكم وبين مواقف الجمهور. علمونا أن هناك تأييداً للحزب والقائد ويجب قياسه وأخذه في الحسبان.
عندما انطلقت عملية «اوسلو» تم استطلاع موقف الجمهور، وكان واضحا أنه يوجد تخوف بسبب التأثيرات الامنية للعملية السياسية. هذه الرسالة لم تغير السياسة، لكنها أدت الى ابراز النقاط التي ترتبط بالشؤون الامنية.
لأننا فشلنا في التشخيص الاساسي لم نفهم بأن الاستطلاع ليس أداة وليس وسيلة مساعدة. إنه الموضوع نفسه، هو الجوهر والمضمون. كنا في حينه في حالة جهل عميقة ولم ننجح في الاعتراف بذلك: بأن الايديولوجيا والقيم هي مسائل متغيرة. وأن الموقف السياسي هو مقدمة للتغيير. وأنه لا يوجد أساس للعمل السياسي باستثناء الانتصار.
خذوا مثلا افيغدور ليبرمان. كان يجب أن يكون هذا الشخص معتكفا في بيته يعيش على الذكريات ويتمنى الافضل، حيث تحطم حزبه الى اشلاء، ويتم التحقيق مع قادته بشبهة الرشوة والفساد، لكن شعبية القادة تعلو وتعلو – يتم النظر اليه كرجل أمن، رغم أنه لم يكن مسؤولا حتى عن قسم. لماذا كل هذا؟ لأن ليبرمان شخص حكيم وعصري، ليس مثلنا دقة قديمة.
لقد أجرى استطلاعات للرأي، وأظهرت له أن كراهيته للعرب هي قيمة مهمة في المجتمع الاسرائيلي، صحيح أنه تحدث دائما عن العرب بتعال، لكن الاستطلاعات دفعته الى التطرف اكثر لدرجة أنه لا يهمه كمهاجر جديد نسبيا ان يطالب بطرد مواطنين قدماء من الدولة.
تبعه في ذلك زعيم حزب الوسط الذي يطمح ليكون رئيس حكومة. انقض يائير لبيد على الاستطلاعات من جميع الاتجاهات: استطلع وحلل واستطلع ووصل الى الاستنتاج بأن المجتمع الاسرائيلي في ذروة انتفاضة السكاكين هو يميني أكثر مما هو يساري. صحيح أنه يوجد في حزبه شخصيات يسارية وسطية. ومنهم من ألفوا كتبا تعكس مواقفهم. لكن في «يوجد مستقبل» لا يسألون الناخبين أو المكتب السياسي أو المركز والمؤتمر. هذا ملائم للأحزاب القديمة فقط. لا يوجد ماضٍ مجيد لـ «يوجد مستقبل»، فقط حاضر متدن ومستقبل واعد. وضع لبيد دستوراً يقول إنه هو فقط من يحدد البرنامج اليومي والقائمة للكنيست ويتعامل مع حزبه وكأنه رائحة نتنة ملتصقة به، وبالتالي هو من يحدد أن حزب يوجد مستقبل هو حزب وسط – يمين.
جزء كبير من الجمهور لا يؤمن بالاتفاق مع الفلسطينيين. ولن يناضلوا في «يوجد مستقبل» من اجل تغيير مواقف الجمهور ولن يتحدثوا عن المخاطر الكامنة في ظل غياب الحسم. وأوجد لبيد الحل لذلك: الانفصال عن الفلسطينيين عن طريق المفاوضات التي تتجاوز الفلسطينيين. قد يكون هناك من يُذكره أن الدول العربية المعتدلة تشترط أي تعاون مع اسرائيل بالتقدم الحقيقي من اجل اتفاق دائم مع الفلسطينيين الذين يجب أن ننفصل عنهم، وليس مع السعودية أو مصر. لكن ردا على ذلك سيُريهم استطلاعات تشير الى زيادة شعبية «يوجد مستقبل».
كل من يؤمن بأن التطور سيتغلب على البدائية يمكنه التأكد من هذا عن طريق نجاحات ليبرمان ولبيد، مقابل الفشل الذي يحققه من ما زال يؤمن أن هناك طريقا وفكرة.

 عن «هآرتس»