بدأت نهاية الشهر المنصرم، وتنتهي هذه الأيام، أي بعد أكثر من عشرة أيام من الانعقاد، قمة المناخ السادسة والعشرون، في مدينة غلاسكو الإسكتلندية في بريطانيا، وبحضور معظم زعماء وقادة ووزراء البيئة والطاقة في العالم، وآلاف من العلماء والمختصين والنشطاء، سواء بشكل مباشر، أيْ في غلاسكو، أو من خلال المشاركة الافتراضية.
ورغم هذا الزخم الهائل والضجة الإعلامية وتكدس الرؤساء والوزراء والمسؤولين والخبراء والباحثين، ورغم عشرات بل مئات الدراسات والأبحاث، وعرض النتائج التي تشير وبشكل علمي إلى تفاقم تداعيات التغيرات البيئية، والاحتباس الحراري وما تبعه من التغيرات المناخية، ورغم التعهد من الدول الغنية، بتقديم حوالى 100 مليار دولار للدول الفقيرة للتعامل مع تداعيات تغيرات المناخ، إلا أنه أصبح من الواضح وحتى الآن، أن نتائج هذه القمة، وأسوة بنتائج القمم السابقة، ستكون باهتة وغير ملزمة، ولا ترتقي للتوقعات التي كانت تعوّل عليها.
فالدول الكبيرة مثل الصين والهند وإلى حد ما الولايات المتحدة، لن تلتزم أو توقع على تعهد وقف انبعاث الغازات إلى طبقات الجو، أو بالأدق التوقف عن استخدام الفحم الملوث الأكبر للجو، كأحد مصادر الطاقة الأساسية، وبالتالي ستتواصل تداعيات التغيرات المناخية، ليس على هذه الدول فحسب، ولكن على دول العالم قاطبة، لأن تغيرات وتداعيات المناخ لا تعرف حدوداً معينة.
وبالنسبة لفلسطين، وكما أوضح رئيس الوزراء الفلسطيني في كلمته خلال القمة، فممارسات الاحتلال الإسرائيلي ستفاقم الأوضاع البيئية عندنا، وتلك التي تصيبنا عاجلاً أو آجلاً فيما يتعلق بتغيرات المناخ، وسوف نتأثر في مواضيع مهمة وربما مصيرية بالنسبة لنا، من موضوع شحّة وجودة المياه، ومواضيع استغلال أو فقدان الأرض أو التربة الخصبة التي اعتدنا زراعتها، وبالتالي تداعي الأمن الغذائي وسلامة الطعام، وموضوع تراكم النفايات والملوثات وبأنواعها، وقضايا ظهور أمراض أو أوبئة أو حشرات جديدة، وبالتالي الحاجة إلى استخدام المزيد من المواد الكيميائية، وما يفاقم كل هذه التداعيات من ممارسات للاحتلال الإسرائيلي على أرضنا وفي بلادنا.
وكما عرض الباحثون خلال قمة الأطراف السادسة والعشرين في مدينة غلاسكو، فالسبب الأساسي لهذه التغيرات المناخية هي الدول الصناعية الكبرى التي تتحكم في الاقتصاد العالمي، من خلال زيادة انبعاث الغازات والملوثات إلى طبقات الجو، وما ينتج عن ذلك من ارتفاع درجة حرارة الأرض والتربة، ومن زيادة التصحر، أي عدم القدرة على زراعة التربة بسبب ملوحتها أو قلة الأمطار، ومن ذوبان للجليد، وبالتالي التسبب بالفيضانات، وإغراق مساحات من الأرض والبلدان، وكذلك الجفاف وبالتالي الاستخدام المكثف للمبيدات الكيميائية وتراكمها في التربة والطعام الذي يصل إلينا.
وحين الحديث عن الحد من الغازات التي تلوث الجو والبيئة، فهذا يعني الحديث عن الحد من النشاطات الاقتصادية، أو التوجه أكثر نحو الاستثمار في نشاطات اقتصادية صديقة للبيئة، أو نشاطات صناعية نظيفة وخضراء، وهذا يعني الاستثمار والعمل والتشغيل، ويعني بالضبط السياسة وتداخل المال مع السياسة، أو تداخل وتأثير رجال المال والاقتصاد على السياسيين، ما يعني مدى صعوبة نقاش أسباب التغيرات المناخية في قمم المناخ العالمية من قبل الزعماء والسياسيين، وبالتالي الالتزام بخفض انبعاث الغازات، وبالأخص من قبل الدول الصناعية الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين واليابان والهند وغيرها، حيث يلعب المال الدور الرئيس في إيصال أو بقاء السياسيين في الحكم.
وفي ظل ذلك، وفي غياب ما يعرف بـ»العدالة المناخية»، في العالم، أيْ تأثر الفئات الأكثر هشاشة أو الأدقع فقراً أو الأكثر ضعفاً، بما تحدثه الفئات الأكثر قوة، أو الأغنى أو المحصنة أكثر، فإنه من دون شك أن تأثيرات التداعيات البيئية والمناخية ستكون أكثر على هذه الفئات من الدول والمجتمعات والمناطق، وفي داخل المجتمع الواحد سوف تتأثر الفئات الأكثر هشاشة، أو الأقل قدرة، على الوصول إلى المصادر والفرص وتحقيق الإمكانيات وملاءمة الظروف حسب المتغيرات، وهذه الفئات ستعاني وتخسر أكثر، وبمعنى آخر سيكون التأثير من منطلق النوع الاجتماعي، أكثر حدة على النساء أو على المرأة بشكل فردي أو جماعي، حيث سوف تكابد المرأة أكثر للتأقلم مع ظروف بيئية ومناخية وصحية وزراعية، وحتى تنموية جديدة وصعبة، وبالأخص في المناطق الفقيرة والمهمشة والريفية والبعيدة عن الخدمات، وعن إمكانية توفر الفرص أو الوسائل، وكل ذلك بفعل التغيرات البيئية التي أحدثها البشر، وبشكل رئيس الجزء الآخر من النوع الاجتماعي، وبالتحديد في المناطق الغنية المتقدمة والتي توفر وسائل التكيف وإمكانيات التغلب على التغيرات في النظام البيئي والنظام الحيوي، أكثر بكثير من المناطق الفقيرة.
وهذا ينطبق وبوضوح على الواقع الفلسطيني وبالتحديد على المرأة الفلسطينية، التي تعمل في الزراعة؛ حيث تفقد التربة خصوبتها، أو تجاهد للحصول على المياه النظيفة غير الملوثة، أو الطعام السليم الآمن، أو تكون المرأة الأكثر تعرضاً للأمراض الجديدة بفعل الآفات الجديدة التي تظهر بسبب التغيرات المناخية أو تزايد الأمراض المزمنة، أو التي تضطر إلى الهجرة أو تغيير المكان بسبب التصحر وارتفاع الحرارة وتضاؤل الحيز المكاني القابل للحياة.
والتغيرات البيئية تؤثر كذلك وبشكل بعيد على العدالة المناخية والمجتمعية، وعلى المرأة بشكل شديد من خلال ندرة المياه النظيفة الصالحة للاستعمال البشري، حيث تؤكد تقارير دولية أن مياه قطاع غزة على سبيل المثال ملوثة بنسبة تصل إلى حوالى 95%، سواء من ناحية التلوث البيولوجي أو الكيميائي من معادن ومواد عضوية وغير عضوية، وأن مياه مناطق الأغوار تزداد فيها نسبة الملوحة باطّراد، بسبب الاستهلاك المتزايد للمستوطنات، وأن مناطق في جنوب الضفة وحتى في الوسط لا تصل فيها المياه إلى المنازل إلا يوماً أو عدة أيام في الأسبوع، ولكل ذلك آثار وخيمة على المرأة التي تدير المنزل وتربي الأولاد وتحافظ على صحة البيت وسلامة الطعام.
وفي ظل النتائج الضعيفة لقمة غلاسكو للتغيرات المناخية، وفي ظل غياب ما بات يعرف بالعدالة المناخية، ومع تبدل الأولويات من منطلق النوع الاجتماعي بفعل هذه التغيرات البيئية المناخية السريعة والعنيفة، سوف تتمحور اهتمامات العالم ومن ضمنهم الناس في بلادنا، على التركيز على الحفاظ أو الحصول على الأشياء الأساسية للحياة، من مياه نظيفة وإنتاج زراعي آمن وهواء غير ملوث وحيز للعيش بعيداً عن الفيضانات والتصحر وشدة الحرارة والآفات والأمراض، وهذا يعني الابتعاد أكثر للفئات الضعيفة أو المهمشة، مثل المرأة، عن التطلع إلى إحداث تغييرات قاعدية على المستوى القيادي السياسي والاجتماعي والتمكين الاقتصادي، والتركيز أكثر للحصول أو للاحتفاظ بأمور حياتية حيوية.