المُضرب عن الطعام منذ 118 يومًا

كايد الفسفوس.. جسدٌ هزيلٌ وإرادة صلبة لن تلين في وجه الاحتلال

الأسير كايد الفسفوس
حجم الخط

رام الله - خاص وكالة خبر - إسماعيل نوفل

تسرح الطفلة جوان في مخيلتها، وترسم فيها صورة والدها المفتول بالعضلات، والجسم الرياضي الذي يتمناه أيّ شابٍ آخر، مع ملامح الحزن والشوق التي تعلو وجّهها؛ لأنّها لم ترَاه منذ شهور، وعند وصولها إلى الغرفة التي يُقيم فيها، تفاجأت مما رأت، وأسرعت إلى أحضانه، وعينيها مغرقةً بالدموع.

كانت الطفلة جوان، ترسم السعادة على وجهها إلى أنّ صُدمت مما صار إليه والدها، فقد أصبح جسده هزيلًا جدًا، حتى أنّ عظامه أصبحت باديةً، والعضلات المرسومة على جسده أمست من الماضي، وخسر أيضًا من الوزن نحو 50 كيلو جرامًا، ويُعاني أيضًا العديد من مشاكل صحية عدة.

عانت جوان ذات الأعوام الثمانية من الصدمة، عقب رؤية والدها الأسير كايد الفسفوس (32 عامًا)، من مدنية دورا التابعة لمحافظة الخليل في الضفة الغربية المحتلة، المضرب عن الطعام لليوم الـ118 على التوالي، رفضًا للاعتقال الإداري، الذي فرضته سلطات الاحتلال الإسرائيلي عليه، ظلمًا ودون وجه حق، بزعم أنّ وجوده وحريته تُشكّل خطرًا على أمن ما تسمى بـ"إسرائيل".

إضراب وأشقاء معتقلين

لجأ الأسير كايد الفسفوس، بتاريخ 15 يوليو/ تموز 2021، إلى خوض إضرابٍ مفتوحٍ عن الطعام، بعد أيام من تبليغه بتمديد اعتقاله الإداري، وفقًا لما أملته عليه تجربته الشخصية، التي لُخصّت بأنّ موقفه هذا لا ينفع فيه إلى الإضراب عن الطعام للضغط على سلطات الاحتلال، والإفراج عنه.

ولم يكن هذا الإضراب هو الأول بالنسبة لكايد، فقد خاض في عام 2019، إضرابًا لأول مرة، برفقة إخوته ومجموعة من أبناء مدينته المعتقلين، رفضًا للاعتقال الإداري الذي طالهم جميعًا، وتكلل بالنجاح، بعد أنّ استمر لمدة 25 يومًا.

وفي حديثٍ خاص بوكالة "خبر" الفلسطينية، مع خالد شقيق الأسير كايد الفسفوس، نفى خلاله أنّ عائلته قد اجتمعت على مائدة طعام واحدة، فقد تعرّضوا للاعتقال بشكل متفاوت ما منعهم من الاجتماع معًا، فلدى الأسير كايد حاليًا 3 أشقاء آخرين رهن الاعتقال، وهم: "أكرم، ومحمود وحافظ".

آلام كايد

وبعد إضراب دام لـ118 يومًا على التوالي، يعاني الأسير كايد من وضعٍ صحي مرير ومتردّي، وصل إلى مرحلة صعبة وخطيرة، قد تؤدي لاستشهاده في أي لحظة، وفقًا لتحذيرات المؤسسات المعنية بشؤون الأسرى، حيث بدأ بفقدان الذاكرة، ويعاني من إرهاق وهزال وآلام في جميع أنحاء جسده، ولم يعد قادرًا على الحركة بالتزامن مع آلام شديدة بالكلى والقلب، إضافةً إلى ضعف النطق والرؤية، وانتشار الفطريات في فمه.

كما يُعاني كايد، المتواجد حاليًا في مشفى "برزلاي” الإسرائيلي، من مشكلة في الجهاز العصبي، وتقرحات في الظهر؛ سبّبها الإهمال الطبي المتعمّد بحقّه من قبل إدارة المشفى، وفقًا لحديث خالد.

ينام الأسير كايد على سرير قديم وصفه شقيقه خالد بـ"غير طبي"، خلافًا عن غيره من المرضى، فالمشفى لا تعامله كأي مريض آخر، فلا تقدّم له الخدمات اللازمة "حتى شربة ماء لا تتوفر"، ما أدّى إلى تردّي حالته الصحية من سيء إلى أسوء.

كما أجبرت سلطات الاحتلال الأسير كايد على المكوث وحيدًا في غرفة المشفى، دون مرافق يعينه وساعده، وهذا ما أكّده خالد الفسفوس، لافتًا إلى أنّ العائلة قدّمت طلبات لمرافقته في المشفى، ولكنّها دون جدوى حتى الآن، فلم تتلقَ العائلة أي ردٍّ على ذلك.

محطات الإضراب

أدخلت سلطات الاحتلال، الأسير كايد عقب إعلان إضرابه المفتوح عن الطعام في محطاتٍ كثيرة، بعضها أشد من بعض، منها: إصدار قرارٍ بتجديد الاعتقال الإداري لمدة 4 أشهر أخرى، بعد 20 يومًا من إضرابه قضاها في سجن "النقب"، في محاولةٍ منها لإقناعه بأنّ خياره هذا دون جدوى.

وبعد مُضي 25 يومًا على الإضراب، قررت ما تُسمى "مصلحة السجون" التابعة للاحتلال، نقل الأسير كايد، إلى سجن "بئر السبع"، ثم إلى العزل الانفرادي في "عسقلان"، بعدها إلى سجن "الجلمة" أقصى شمال فلسطين المحتلة، ثم إلى عيادة سجن "الرملة"، واستقر بالنهاية في مشفى "برزلاي".

ذاق الأسير خلال هذه التنقلات الأمرّين، فقد تعرّض خلالها إلى التعذيب والضرب المبرح واعتداءات شديدة، نُقل على إثرها في أحد الليالي إلى المشفى سرًا، عقب تردّي وضعه الصحي.

وفيما يخصّ "البوسطة"، وهي سيارة مخصصةٌ لنقل الأسرى ، وصفها: بـ" العذاب، فهي مكونة الحديد بشكل كامل، لا يستطيع الأسرى الأصحاء تحمّلها، فما بالك بأسير مضرب يعاني من وضع صحي سيّء، انتقل خلالها عشرات المرات".

أرادت سلطات الاحتلال خلال هذه المحطات، كسر عزيمة وإرادة الأسير كايد الفسفوس، ولكنها لم تستطع، بل زادت من إصراره على مواصلة إضرابه عن الطعام، الذي لن ينتهي إلا بـ"ما بكسر الإضراب حتى أكسر القيد"، وفقًا لشعار المضرب كايد.

ومن ضمن الأساليب التي مارستها سلطات الاحتلال، لكسر إضراب الأسير كايد وجعله يتناول المدعّمات، قرارها بتجميد الاعتقال الإداري الذي استمر لنحو 4 أيام، ثم أعادته؛ لعدم جدواه، فإرادة كايد لم تلن وعزيمته لم تكسر، ولم يستطع الاحتلال التحايل عليه، وفقًا لشقيقه خالد.

وعلى إثر الإهمال الطبي والتعذيب التي تلقاه الأسير كايد في إضرابه عن الطعام، يُطالب الآن، بنقله إلى مشفى فلسطيني حتى يتلقّى العلاج بين يدي أبناء بلده، وقدّمت عائلته هذا الطلب لكن لم يصدر أي قرار بهذا الشأن حتى الآن، وفقًا لحديث مراسل "خبر" مع خالد الفسفوس.

الأسرة

لم تُدرك عائلة الأسير كايد الفسفوس، أنّ إضراب ابنها سيستمر لهذه المدة الطويلة، ما أثرّ عليهم بشكل كبير، حتى دخلت إلى عقولهم فكرة أنّه من الممكن فقدان كايد في لحظة، وهذا ما ظهر جليًا عليهم فقد أعلنوا الحداد في أفعالهم، فهم لم يشاركوا في أي مظهر للفرح.

كما فاض الصبر عند والدته المسنة فوزيّة، الأمر الذي بدا ظاهرًا في كلماتها التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية والدولية: "بدي ابني يروح"، التي أعربت خلالها عن عدم مسامحتها لكل من كان في استطاعته نصرة ابنها كايد، تخاذل عن ذلك.

ومع كلّ دقّة عقرب من عقارب الساعة، يزاد خوف المسنّة فوزيّة على ابنها كايد، فقد فقدت في وقت سابق، زوجها أثناء اعتقاله في سجون الاحتلال، ما جعل القلق لديها مضاعف، خوفًا عليه من أن يلحق زوجها.

ولفت خالد الفسفوس، إلى وجود تقصير كبير من طرف الصليب الأحمر، في دعمه لشقيقه كايد، مطالبًا إياه بالمزيد من الدعم والاهتمام بقضيته وقضية إخوانه الأسرى المضربين عن الطعام.

وفي ختام حديث خالد مع مراسل وكالة "خبر"، أعرب عن شكره لأبناء شعبنا الفلسطيني على تضامنهم ودعمهم لقضية كايد وإخوانه المضربين عن الطعام، داعيًا إلى المزيد من الدعم والإسناد على أرض الواقع.

ويخوض إلى جانب الأسير كايد الفسفوس، 5 أسرى آخرين إضرابًا مفتوحًا عن الطعام؛ رفضًا لاعتقالهم الإداري، وهم: مقداد القواسمة المضرب منذ (111 أيام)، وعلاء الأعرج منذ (94 يومًا)، وهشام أبو هواش منذ (84 يومًا)، ولؤي الأشقر المضرب منذ (30 يومًا)، عياد الهريمي المضرب عن الطعام منذ (48 يومًا).