في حوار سابق له مع مقدمة البرامج والاعلامية لميس الحديدي ولبرنامج "من قلب مصر" الذي تذيعه فضائية النايل ليف وامام ابداع تلك الاعلامية المخضرمة تلعثم عباس أكثر من مرة في الرد على بعض الاسئلة المحرجة التي طرحتها لميس الحديدي .
ولا اريد هنا أن افند كل ما جاء في هذا الحوار الملئ بالمغالطات التاريخية والموضوعية ولكن سأقف عند مصطلح البراغماتية الذي وصف نفسه بها مدعيا ً أنه وياسر عرفات مشتركان في نفس البرنامج السياسي البراغماتي .
بداية وقبل أن نفهم طبيعة العلاقة بين السيد عباس وابو عمار البراغماتية تعني لغة وممارسة الذرائع في تنفيذ رغبات محددة لا تخلو من المزاجية ويمكن أن تكون البراغامتية هي برنامج مستقبل لدى الشخص ويقوم بتنفيذه بناء على أوامر مسبقة وجدولة زمنية تأخذ فيها التفاصيل حيزاً كبيرا ً على حساب الهدف الرئيسي او الاستراتيجي ، البراغماتية وكما عرفها كثير من المفكرين تأتي من اسم "يوناني" ومعناه ميول الشخص للناحية العملية والتنفيذ العملي للفكرة .
ومن هنا مفتاح المقاربات والمباعدات بين شخصية عباس وشخصية أبو عمار الذي حاول فيها الأول ان يدمج شخصيته بشخصية ياسر عرفات .
ياسر عرفات عندما رمى حجرا ً في نهر الاردن كان هو التنفيذ العملي للفكرة ومجيباً على تساؤل سأله أحدهم انه سيغير مجرى التاريخ ، وبالفعل براغماتية ابو عمار في هذه اللحظة غيرت مجرى التاريخ في المنطقة سواءا ً ايجابا او سلبا ً وهنا لسنا بصدد البحث عن الفكرة والبحث في التطبيق والبحث في النتائج .
ابو عمار البراغماتي كما وصفه "عباس" هو الذي كان على خط التماس في الضاحية الجنوبية ابان العدوان الصهيوني على جنوب لبنان في 1982 ،وابو عمار هو من كان في مُغر الكرامة وجرش والسلط ورمال معان والكرك والطفيله وهو من تشققت اقدامه في وديان السلط والغور وهو الملاصق للحاضنة الوطنية والمجيب لطلبات الحابل وطلبات النابل.
ترجم ابو عمار براغماتيته كتنفيذ عملي للفكرة وهي مصداقية تحرير فلسطين بانطلاقة حركة التحرر الوطني الفلسطيني فتح ببيانها الاول وعمليتها الاولى ، ابو عمار يجيد اللعب بأكثر من حجر ولا يهمل حجر يفيد ايجابيا ً في تنفيذ الفكرة وهنا تأتي قدرة الرجل والزعيم والقائد على احتواء الظروف الذاتية والتعامل مع الظروف الموضوعية بفكرة قد تصيب وقد تخطأ ولكن لا تحيد عن الهدف .
ابو عمار بما له وبما عليه لم يهمل الفكرة بل سخر الحابل والنابل في سبيل تنفيذ تلك الفكرة وهنا يوضع ابو عمار محل انتقاد في كثير من الممارسات التي مارسها ولكن النتيجة هي ما آلت اليه شخصية ابو عمار كما تحدث السيد عباس عنه في هذا اللقاء ان المحيط للنظام العربي قد ظلموه وخاصة الرؤساء العرب وعزلوه قبل اغتياله .
عندما ذهب أبو عمار لممارسة دور الدولة على غزة والضفة الغربية لم ينتبه او انتبه لكثير من المشوبات لفكرة أوسلو ومن ثم نتائجها ، فكانت الأوبئة قد اصطادت ما اصطادته في الايقنونة الثورية ، وكانت ايضاً الظروف الموضوعية جارفة في اتجاه مغاير للفكرة التي ذهب إليها ابو عمار راسما ً حدودها وتضاريسها ومساحتها ، ومن هنا قوطع أبو عمار وعزل أبو عمار واستضعف ابو عمار من اخوته وقبل انهم رفاق الدرب وطبقة المستفيدين والمتشابكين بمصالحهم مع الاحتلال
اما براغماتية أبو مازن فكما اوضحت في المقدمة فهي براغماتية تنفيذية تأخذ من الذرائع والضعف تنفيذ لسياسة وقائع رسم الامر الواقع وما هو ممكن في وجهة نظره فقط بعيدا ً عن المؤسسات القوية حيث أن هذه النوعية من البراغماتية تحاول ان تضعف المؤسسات وتلغيها من أجل تنفيذ فكرة هو مطلوب ان ينفذها وليس هو راسمها ، وهذا هو الشيء المدمر في هذا النوع من البراغماتيين .
براغماتية أبو مازن دخلت في حيز لايمكن ان يدخله البراغماتيين لأنها قضية وطن وقضية شعب وقضية تاريخ وقضية مستقبل وقضية سلوك ومسلكية ،ففي مثل تلك القضايا التاريخية في حياة الشعوب الايديولوجية هي السلوك والمنقذ لكل المتاهات التي يمكن ان تتعرض لها الشعوب نتيجة الازمات والغزوات والاجتياح والاحتلال بكل انواعه .
براغماتية أبو مازن والمقارنة هنا بين براغماتية أبو عمار وبراغماتيته لا مكان لها ،براغماتية عباس أتت من خلفية لتنفيذها يجب القضاء على كل البراغماتية التي اعدها ابو عمار والمؤسسين ، فهي البراغماتية التي حللت ثم انهت كل الاطر والمؤسسات الثورية المستندة للتاريخ وللتجربة وبذرائع أن الشعب الفلسطيني تعب ، ان الانتفاضة عادت بالويلات على الشعب الفلسطيني ، ان المقاومة تحرق فلسطين ، ان المقاومة لايمكن ان تحقق اهدافها ، البراغماتية العباسية هي براغماتية اخذ سياسة الواقع لواءا ً لتحضير الذرائع في الاتجاه نحو اسقاط الحقوق وذرائع من اجل اقامة علاقات ثابتة مع العدو مهما كانت الظروف ومهما كانت الخسارة ،ففي مبرراته وذرائعه في هذا اللقاء الاعلامي تحدث عباس عن مقاطعة منتجات المستوطنات الصهيونية كحملة سلمية ضمن نهجه المبتكر بالمقاومة السلمية للاحتلال وكأن المقاومة السلمية يوما ً قد حررت أرض واعادت وطن ، قائلا :"اننا لسنا ضد دولة اسرائيل ولسنا ضد مقاطعة اسرائيل ، ولكن نحن ضد المستوطنات" اجابة مذهلة واجابة تنم عن براغماتية مميته .
البراغماتية العباسية التي تدعو للتنازل عن 82% من اراضي فلسطين ،وهي التي تدعو إلى حل الصراع نهائيا ً وليس مرحليا ً ضمن هذا المنظور ، ذرائع عباس بأن العرب لا يريدون المقاومة والقتال وغير مستعدين ، ذرائع لا تصل ولا ترتقي ان نتنازل عن الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني في فلسطين مهما كانت المبررات المرحلية التي تسوقها الانظمة العربية فهي مرحلة من التاريخ وليست كل المراحل .
براغماتية عباس تعني انتشال العدو من ضعفه وانتشال العدو من النقط التي تؤلمه ولذلك هذه المغالطات التي ساقها السيد عباس في حديقه مع الاعلامية المخضرمة لا تعدو انها هي سياسة البراغماتية السلبية المحطمة والمنفذة لبرامج معادية ضد الشعب الفلسطيني .