صحافتنا الوطنية… مرآة واقعنا

نبيل-عمرو-1-1.jpg
حجم الخط

بقلم: نبيل عمرو

 

كنت راغبا في كتابة مقال مختلف، غير ان عدد الثلاثاء من جريدة القدس أوحى لي بالكتابة في اتجاه آخر.

على الصفحة الأولى.. العنوان الرئيسي يقول في الطريق لتغيير الميزان الديموغرافي ، مخططات لبناء سبعة الاف وحدة سكنية في العيسوية والطور، ويجاور هذا العنوان الرئيسي عنوان آخر بذات الحجم يقول الاحتلال الإسرائيلي ينقل سبعة الاف وستمائة وسبعة وستين دونما من الخزينة الأردنية للاستيطان، وتحت العنوان الأول عنوان بنفس الحجم تقريبا يقول، الاحتلال يهدم ويخطر بتدمير تسعة عشر منشأة ومسكنا في ترقوميا ومسافر يطا وقلقيلية، وتحت نفس العنوان عنوان يقول إسرائيل تضاعف مراقبتها للفلسطينيين عبر برنامج التعرف على الوجه في الضفة الغربية، وتحت هذا العنوان آخر يقول.. بينيت مجددا لا مفاوضات سياسية مع الفلسطينيين.

وإلى جواره عنوان آخر يقول ومع صورة ملونة.. تقرير اممي.. إسرائيل هدمت اثنين وعشرين مبنى فلسطينيا في الضفة الغربية وشرقي القدس خلال أسبوعين، غير ان هنالك عنوانا ذا سمة كفاحية اخترق العناوين الكارثية يقول، المنظمة تحمل إسرائيل المسؤولية عن حياة الاسرى الذين يواصلون اضرابهم عن الطعام حتى نيل حريتهم.

وفي أمر الجرائم فإن اكتاف إسرائيل عريضة وتحمل ، وفي منتصف الصفحة الأولى مستطيل صغير المساحة يقول الاثنين عطلة رسمية بمناسبة اعلان ذكرى الاستقلال، ودعوة للمواطنين للمشاركة في الفعاليات التي ستقام يوم الخميس بمناسبة احياء ذكرى استشهاد الرئيس ياسر عرفات مع إشارة تقول ان الموظفين سيشاركون في الفعاليات.

ولأنني من الذين يواظبون على قراءة الصحف الفلسطينية الثلاث، فلا أكتفي بالصفحة الاولى التي اخترت عناوينها للمعالجة في هذا المقال بل اذهب الى الصفحات الباقية التي مهما بدت عناوينها مهمة الا انها تظل في المرتبة الثانية من حيث الأهمية بعد الأولى.

حين تحتل الفعاليات الإسرائيلية اكثر من 80% من العناوين الرئيسية وحتى الفرعية لصحافتنا الوطنية فهذا امر ينبغي ان يتجاوز الفضول الغريزي لدى القارىء في معرفة ما يجري، فمن تحتل فعالياته المساحة الأكبر في الصحافة فهو لا يحتل فقط المساحة الأكبر من الأرض ومصائر الناس بل يمتد احتلاله ليشمل مكونات الحالة الفلسطينية جميعا، وتُشكر صحافتنا الوطنية على نشرها ما يفعل الاحتلال، ذلك لا يندرج تحت بند الترويج له، فالناس يلمسونه على جلودهم وعلى كل جوانب حياتهم وانما يندرج تحت المهمة الأساسية والصحية والضرورية للصحافة الوطنية لترشيد الوعي الجمعي بما يجري بشأن حاضر الناس ومستقبلهم، ما ينير الطريق لمواجهة الخطر، فلو لم تنشر صحافتنا الوطنية كل ما يفعله الاحتلال بأدق تفاصيله تكون وقعت في خطيئة تعمية العيون ليس فقط عما يفعله الخصم بل عن كيفية وحجم وفاعلية مواجهته.

إن ما يظهر بؤس الحالة قلة عناوين الفعل الرسمي الفلسطيني أو ذهاب هذه العناوين الى اتجاه بعيد عن ما يجري على الأرض، ويبدو ان الجهد الأساسي ينصرف نحو القيام بحملة ديبلوماسية واسعة النطاق، مركزها الطلب من المجتمع الدولي لجم الممارسات الإسرائيلية العدوانية والعنصرية ولك ان تضيف ما تشاء من الاوصاف القبيحة للسلوك الاحتلالي وهنالك عنوان آخر للتحرك الديبلوماسي واسع النطاق هو انقاذ حل الدولتين المتوفى والا فإلى بدائله.

الحركة الديبلوماسية كانت دائما احد مكونات الفعل السياسي وبالنسبة للفلسطينيين فهي ضرورة لفتح الممرات نحو الحضور في المعادلات المؤثرة الا ان الامر صار بحاجة الى مزيد من التعديل والتنقيح ذلك برفده بمقومات اقناع للاصدقاء وغير الأصدقاء.
أساسها ما يجري على ارض الصراع المباشر مع إسرائيل وما يفعل من جانبنا على هذا الصعيد ولنقر بأنه متواضع للغاية، ولا يتردد الأصدقاء في الإشارة اليه حين يطلب منهم الدعم، اما حكاية لجم اسرائيل ومعاقبتها على ما ترتكب من أفعال إجرامية، فليست إسرائيل من يصغي للمناشدات فلقد تأسست كل سياساتها على أرضية اعتبار نفسها استثناءً عن كل القوانين الإنسانية والدولية، والمصيبة ان العالم كله صار يضع هذه الحقيقة في اعتباره وكثير من دوله تتعامل على أساسه بما في ذلك بعض العرب.
نريد فعلا جديا يملأ عناوين صحافتنا الوطنية بعد ان يملأ ارضنا وحياتنا.