بينيت يكشِّر عن أنيابه بعد إقرار الميزانيّة

9BC6F706-D2EF-4B97-B26B-8D0C74E2B942-e1601732801548.jpeg
حجم الخط

بقلم عبير بشير 

 

لا يحمل وعد بلفور للفلسطينيّين، الذي جاء في تشرين الثاني للعام 1917، ذكرى مؤلمة فقط، بل يراه الفلسطينيّون أيضاً المؤسّس للظلم التاريخيّ الذي وقع عليهم منذ أكثر من عقد من الزمان، وسبباً لمعاناتهم الممتدّة منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا.

ولم تنتهِ معاناة الفلسطينيّين منذ وعد بلفور، على الرغم من قبولهم بحلّ الدولتين، وتنازلهم عن 78% من فلسطين التاريخيّة، واعترافهم بدولة إسرائيل عام 1993 عبر اتفاق أوسلو الذي كان يُفترض أن يكون المدخل لتأسيس دولة فلسطينيّة، إلى جانب دولة إسرائيل. لكن بعد أكثر من ربع قرن على توقيع ذلك الاتفاق، يبدو أنّ حلّ الدولتين في مهبّ الرياح.

وبعدما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت موقفه الرافض لحلّ الدولتين، ها هو يعلن موقف حكومته الحقيقيّ من القرار الأميركي بفتح القنصليّة الأميركية في القدس الشرقية للفلسطينيّين.

لا يحمل وعد بلفور للفلسطينيّين، الذي جاء في تشرين الثاني للعام 1917، ذكرى مؤلمة فقط، بل يراه الفلسطينيّون أيضاً المؤسّس للظلم التاريخيّ الذي وقع عليهم منذ أكثر من عقد من الزمان، وسبباً لمعاناتهم الممتدّة منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا

بينيت “يفوز” بالميزانية

وفي مؤتمر صحافيّ مشترك مع وزير المال ليبرمان ووزير الخارجيّة لابيد، بعد إقرار الكنيست الإسرائيلي الميزانيّة، قال بينيت: “موقفي أنّه لا مكان لقنصلية أميركية تخدم الفلسطينيّين في القدس. ونحن نعبّر عن موقفنا بوضوح وبدون دراما. القدس هي عاصمة دولة إسرائيل”، فيما قال لابيد: “هناك سفارة في القدس، والسيادة في القدس لدولة إسرائيل”.

وردّاً على ذلك، قال القيادي في حركة فتح حسين الشيخ إنّ “تصريحات بينيت عن القنصلية الأميركية في القدس الشرقية هي تحدٍّ جديد من حكومة تل أبيب لإدارة الرئيس بايدن التي أعلنت في أكثر من مرّة قرارها بفتح قنصليّة أميركية في القدس الشرقية”.

ولم يكتفِ بينيت بإعلان موقفه من فتح القنصليّة، بل قال خلال المؤتمر في ما يشبه التحدّي إنّه ينوي إقامة مستوطنة إيفياتار على النحو المتّفق عليه مع قادة المستوطنين.

الحقيقة أنّ بينيت يشعر بفائض قوّة، بعد نجاحه في تمرير الميزانية الإسرائيلية، وتعليقاً على المصادقة على الميزانية قال: “هذا يوم عيد لإسرائيل. فبعد 3 سنوات من دون ميزانية ومن الفوضى، قمنا بتشكيل حكومة وانتصرنا على فيروس كورونا، والآن نجحنا في تمرير ميزانيّة الدولة، ونستمرّ نحو الأمام بكلّ قوّة”.

لقد استطاع نواب الائتلاف الحاكم، البالغ عددهم 61، المصادقة على ميزانيّة ما تبقّى من 2021 ولعام 2022، وهو ما يعادل تصويتاً بالثقة في إسرائيل. وقد حُرِمت منه تل أبيب لمدّة ثلاث سنوات، ووقعت في دائرة فوضويّة من أربعة انتخابات تشريعية في عهد بنيامين نتانياهو. وكان البرلمانيون قد رفضوا، واحداً تلو الآخر، مئات المقترحات التي قدّمتها المعارضة بقيادة “المشعوذ” نتانياهو، والتي فشلت في إحداث انشقاق واحد، من أجل كسر أغلبيّة من واحد وستّين صوتاً من أصل مئة وعشرين.

وعنونت صحيفة “لوموند” الفرنسية: “بينيت يحقّق فوزاً رئيساً”، وقالت إنّ إقرار البرلمان الإسرائيلي للموازنة يغلق فترة من عدم الاستقرار ويسمح للحكومة بأن تدوم.

وفي وقت سابق، علّق بينيت على الحملة التي دشّنتها المعارضة بقيادة نتانياهو للضغط على مكوّنات الائتلاف في محاولة لتعطيل تمرير الميزانية: “لن يذهب ولو قرش واحد من ميزانيّة الدولة إلى غزّة أو حماس”. ووجّه بينيت إصبع الاتهام إلى نتانياهو، قائلاً: “لم أكن أعتقد أنّه سيتطرّق إلى أموال حماس، بعد كل شيء، والحقائب الماليّة التي نُقِلت إلى حماس، والتي هي من اختراعه، قد أوقفناها، ولكن على كل حال. لا منطق في الجنون”.

لم تنتهِ معاناة الفلسطينيّين منذ وعد بلفور، على الرغم من قبولهم بحلّ الدولتين، وتنازلهم عن 78% من فلسطين التاريخيّة، واعترافهم بدولة إسرائيل عام 1993 عبر اتفاق أوسلو الذي كان يُفترض أن يكون المدخل لتأسيس دولة فلسطينيّة، إلى جانب دولة إسرائيل .

تمويل جمعيات إسلامية؟

وكانت جهات محسوبة على نتانياهو قد ادّعت أنّ الميزانية العامّة الإسرائيلية تشمل تمويلاً حكوميّاً لجمعيّة إغاثة إسلامية مرتبطة بـ”القائمة الموحّدة، الإسلامية الجنوبية”. وزعمت أنّ الجمعية على صلة بحركة “حماس” في غزّة، الأمر الذي نفاه رئيس القائمة الموحّدة، منصور عباس، داعياً “سلطات إنفاذ القانون إلى التحقّق”، مشيراً إلى أنّ الجمعية نشطت خلال حكم نتانياهو.

لكنّ نجاح بينيت في تمرير الميزانيّة لا يعني أنّه سينجح في تفكيك الألغام التي قد تفجّر حكومته في أيّ لحظة.

أحد أهمّ هذه الألغام هو الخلاف داخل الحكومة الإسرائيلية حول فتح القنصليّة الأميركية في القدس، حيث يرفض أعضاء في الائتلاف هذا القرار الأميركي، فيما يتجاوب آخرون مع الضغوط الأميركية بهذا الخصوص. ويبدو أنّ بينيت وأقطاب حكومته قرّروا أن يتبنّوا علانيّةً رفض القرار الأميركي بخصوص فتح القنصلية في القدس بعد المصادقة على الميزانيّة.

صحيح أنّ إدارة جو بايدن قد أرجأت قرار فتح القنصلية إلى ما بعد مصادقة الكنيست على الميزانية، على خلفيّة هشاشة الائتلاف الحكومي. وصحيح أنّ إدارة بايدن تحرص على دعم صمود حكومة بينيت في وجه المعارضة الهائلة التي يقودها نتانياهو. ولكنّ الأسابيع الأخيرة أظهرت أنّ بينيت بدأ يتلاعب بإدارة بايدن، مستفيداً من هذا الحرص ومن خشيتها من عودة نتانياهو، مستثمراً بذكاء كبير هذا العامل. وخلافاً لمزاعم حكومة بينيت أنّها باتت أقرب إلى إدارة بايدن من حكومة نتانياهو السابقة، فإنّ ذلك لا يعود إلى متغيّرات سياسية حقيقية، بل إلى ضعف هذه الحكومة وهشاشتها اللذين قد يضطرّان واشنطن إلى مهادنتها خشية سقوطها، وهذا يتيح لبينيت قدرة أكبر على المناورة والتلاعب بالمواقف، وربّما يصل الأمر إلى عدم تنفيذ قرار فتح السفارة الأميركية في القدس.

وتوجد ألغام أخرى تعترض طريق حكومة بينيت، منها مشاريع قوانين حكومية تنتظر عرضها على التصويت، لكن تمّ التوافق على إرجائها إلى ما بعد تمرير الميزانية. ومن هذه المشاريع مشروعا قانون يتّصلان بتقييد ولاية رئيس الحكومة، ومنع متّهم بمخالفات جنائية من تشكيل حكومة. وقد اقترحهما وزير العدل جدعون ساعر. ويلقى كلا المشروعين معارضةً من قبل وزيرة الداخلية شاكيد، وعدد من نواب حزب “يمينا” الذي يقوده بينيت.