هل نقترب أم نبتعد من إنجاز الاستقلال؟

C36AD0ED-ED36-47F2-A1A8-616125715312.jpeg
حجم الخط

بقلم نهاد ابو غوش

 

روزنامتنا الفلسطينية مليئة بالأحداث والمناسبات، غالبيتها محزنة وكئيبة لارتباطها ‏بالنكبات والنكسات والاحتلال والمجازر والاغتيالات، وأقلّها ما يتصل بمناسبات يفترض ‏أنها إيجابية أو أنها تبعث على التفاؤل كما يفترض بذكرى إعلان الاستقلال الفلسطيني ‏الذي نحتفل به في الخامس عشر من تشرين الثاني كل عام. وقد مضى على هذا الإعلان ‏‏33 عاما من دون ان يتجسد هذا الاستقلال واقعا ماديا على الأرض، بل على العكس بتنا ‏نرى الاحتلال يكرس حضوره في حياتنا، ويثبت تبعيتنا له في كل أمور حياتنا. والانقسام ‏الفلسطيني يتواصل ويستطيل، ومؤسساتنا السياسية تضعف، وظهيرنا العربي منقسم بين ‏من هو متضامن معنا ولكنه عاجز عن دعمنا، ومنشغل بهمومه الذاتية، وبين من يهرول ‏للتطبيع وإقامة العلاقات الكاملة مع الاحتلال والتسليم بأن إسرائيل العنصرية هي دولة ‏طبيعية.‏
ما زلنا نحتفل بعيد الاستقلال، أو الأدق ذكرى إعلان الاستقلال، بتعطيل الدوائر الرسمية ‏وتنظيم بعض الاحتفالات، وتجديد العهد على المضيّ قدما في العمل من أجل الاستقلال ‏الفعلي، لكن الحقيقة التي يلمسها كل منا أن الاستقلال أصبح مثل السراب، نقترب منه ‏فيبتعد، في بعض الاحيان يبدو قريبا وعلى مرمى حجر منا، وفي أحيان أخرى يبدو ‏أصعب منالا مما حسبنا وظننّا. وهذا التشخيص لا يدعو للتشاؤم او الإقلاع عن الفكرة ‏التي كانت وما زالت وسوف تبقى صحيحة لأنها ترجمة لتوقنا الجماعي للحرية على ‏أرضنا، لكن المراجعة في جميع الأحوال مطلوبة سواء للشعارات أو اشكال النضال ‏وأدواته، أو التكتيكات والعلاقات الداخلية والخارجية وسبل تنظيمنا لأنفسنا وكيفية إدارة ‏واستثمار مواردنا وطاقاتنا.‏
شكّل إعلان الاستقلال في حينه، أي خلال دورة المجلس الوطني الفلسطيني التاسعة ‏عشرة عام 1988، جهدا سياسيا وتنظيميا ودعاويا فلسطينيا مكثفا لتتويج الانتفاضة ‏الفلسطينية الكبرى التي انطلقت قبل ذلك بنحو عام، وتسليحها بهدف سياسي واقعي ‏وملموس ومقبول عربيا ودوليا، كان ذلك يعني انخراط منظمة التحرير الفلسطينية ‏ومؤسساتها وبعثاتها الدبوماسية، وعموم الجاليات الفلسطينية في الخارج، في جهد كفاحي ‏وسياسي نوعي جديد يهدف لاستقطاب الدعم الدولي للاتفاضة وأهدافها في الحرية ‏والاستقلال، وهكذا سرعان ما بادرت عشرات الدول للاعتراف بدولة فلسطين باعتبارها ‏حقا مشروعا للشعب الفلسطيني، وتجسيدا لحق تقرير المصير.‏
ومن المهم لمناسبة الحديث عن إعلان الاستقلال الإشارة إلى الأهمية التاريخية لمضون ‏هذه الوثيقة المتميزة التي صاغها شاعرنا العظيم محمود درويش، ليس فقط بسبب ما ‏عبرت عنه من أهدافها السياسية، بل وكذلك لما شملته من مبادىء حضارية وديمقراطية ‏وإنسانية لدولتنا العتيدة، وسف تحتفظ هذه المبادىء بأهميتها وقيمتها في تنظيم علاقاتنا ‏الداخلية، وحتى في مجال سن القوانين التي تنظم شؤون حياتنا المختلفة.‏
التطورات اللاحقة جاءت متناقضة، بعضها ساهم في تعزيز الآمال، وأحيانا الأوهام، ‏بقرب الاستقلال الذي بات قاب قوسين او أدنى في نظر بعض المسؤولين. وبعض ‏التطورات ساهم على العكس في جعل تحقيق هذا الهدف أكثر صعوبة من قبل، فاتفاق ‏أوسلو جعل تحقيق الاستقلال رهنا بنتائج العملية السياسية والمفاوضات، أو بمعنى آخر ‏رهنا بموافقة إسرائيل. ولعل أكبر ضربة تلقتها آمال شعبنا في الاستقلال تمثلت في ‏الانقسام ونتائجه، واستمراره حتى الآن دون ان تلوح اي فرصة واقعية لإنهائه، وكل ذلك ‏أظهر أن التناقضات والخلافات الداخلية الفلسطينية الفلسطينية، هي أكثر أهمية لدى ‏بعضنا من تناقضنا كشعب مع من يحتل ارضنا ويصادر حقوقنا الوطنية. ‏
في عهد حكومة الدكتور سلام فياض ( 2007-2013) طرحت خطط لإرساء وبناء ‏مؤسسات الدولة على الأرض وقبل انتزاع الاستقلال السياسي، وأنجزت خطوات عملية ‏ملموسة على هذا الطريق، لكن كل هذه الإنجازات خبت وتبددت مع تراجع مستوى الأداء ‏العام في كافة المجالات، وغياب نهج مراكمة الإنجازات، وسيادة منطق البدء من الصفر ‏في كل مرة.‏
محطة اخرى مهمة كانت الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة بصفتها دولة غير ‏عضو في الأمم المتحدة، وهو القرار الذي اتخذته الأمم المتحدة في 29/11/2012 ومكّن ‏فلسطين من التقدم لاكتساب عضوية عدد كبير من المنظمات الدولية بينها المحكمة ‏الجنائية الدولية.‏
ومن الواضح أن إسرائيل عدلت خططها وأهدافها في سياق الصراع المستمر بينها وبين ‏الشعب الفلسطيني، وإذا كان بعض المسؤولين الإسرائيليين اضطروا في السابق للإقرار ‏ولو لفظيا بمبدا قيام الدولة الفلسطينية كما فعل بنيامين نتنياهو ظاهريا في خطاب بار ‏إيلان الشهير عام 2009، لكن استقرار حكم اليمين لأكثر من عشر سنوات، والضعف ‏المستمر للحالة الفلسطينية، والضعف الأكبر في الدعم العربي والدولي للفلسطينيين، ‏وتواطؤ المجتمع الدولي وعجزه عن إلزام إسرائيل بتنفيذ أي من قرارات الأمم المتحدة، ‏وما نفذته إسرائيل طوال السنوات من بناء استيطاني وتهويد للقدس، وتقويض مستمر ‏لحل الدولتين، كل ذلك دفع دولة الاحتلال للمجاهرة بأهدافها التوسعية للسيطرة على أكبر ‏مساحات ممكنة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، والرفض الصريح لقيام الدولة ‏الفلسطينية المستقلة، إلا إذا أسمينا المعازل التي شملتها صفقة القرن دولة.‏
ربما نظر البعض للاستقلال المنشود باعتباره جزءا من فعل التسوية، وتنازلا عن معظم ‏أراضي فلسطين، لكن التاريخ اثبت أنه ليس كذلك، بل هو هدف عزيز يتطلع له ‏الفلسطينيون أينما كانوا، وهو حتما لن يأتي لا على طبق من فضة، ولا بفعل المناشدات ‏واقتناع العالم بحقوقنا، وإنما من خلال تغيير ملموس لموازين القوى وتعديل الاختلال ‏الفادح فيها لغير صالحنا. فدون الاستقلال تضحيات كثيرة ما زالت مطلوبة، وإجراءات ‏وترتيبات داخلية ملحة، يستحيل أن نتقدم على طريق الاستقلال بغير توفيرها والوفاء ‏باستحقاقتها