تغيُّر موقف واشنطن من إيران: إسرائيل بحاجة إلى خطة عمل جديدة

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


مع كثرة الإشارات المتبادلة يصعب أحياناً تشخيص الرسالة. ينشغل الجيش الإسرائيلي، الآن، بسلسلة طويلة وكثيفة من المناورات في ساحات مختلفة، جزء كبير منها يعتبر تحذيراً، بشكل ما، لإيران. الولايات المتحدة، التي من ناحيتها ترسل قوات للتدرب في المنطقة، تبث بذلك الدعم لإسرائيل ولأصدقائها في الشرق الأوسط. أيضاً إيران تستعرض هنا وهناك عضلاتها عبر المناورات العسكرية.
تجري كل هذه العمليات في ساحات ثانوية، مقارنة بالساحة الرئيسية الإستراتيجية. وهناك يبدو أن إيران، بعد تردد كبير وتأخير، مستعدة لاستئناف المفاوضات مع الدول العظمى حول الاتفاق النووي، لكن بشروطها فقط وطرح طلبات متشددة، في حين أن أميركا تعطي إشارات بأن اهتمامها الوحيد هو التوصل إلى حل دبلوماسي للمعضلة، وأنه ليس لها أي نية لاستخدام القوة العسكرية، بالتحديد رسالة تثير عدم الرضا إلى درجة قلق شركائها في المنطقة.
في نهاية تشرين الأول أجرت أجهزة الأمن الإسرائيلية مناورة الجبهة الداخلية السنوية، التي في إطارها تم فحص مواجهة الجبهة الداخلية مع سيناريو إطلاق آلاف الصواريخ من لبنان ومن قطاع غزة. في الأسبوع الماضي تم إجراء مناورة واسعة لفرقة احتياط في قيادة المنطقة الشمالية. وفي هذا الأسبوع تتدرب هناك فرقة أخرى تشمل أيضاً ألوية نظامية.
التجديد الأساسي يكمن في المناورة البحرية التي تجري في البحر الأحمر. يتعاون الأسطول الأميركي الخامس هناك مع أسلحة البحرية لدول المنطقة مثل إسرائيل والإمارات والبحرين. وقررت الولايات المتحدة أن تعلن عن المناورة المشتركة، وهي الأولى منذ اتفاقات التطبيع التي وقعت قبل أكثر من سنة، وفاجأت قليلاً إسرائيل. أيضاً وحدة مظليين أميركية تدربت مع قوة للجيش الإسرائيلي في النقب. وإذا لم يكن هذا كافياً فقد نشر، أول من أمس، أن قائد سلاح الجو، الجنرال عميكام نوركن، قام بزيارة رسمية أولى إلى الإمارات.
لا تعكس المناورات الكثيرة قلقاً ملموساً من حرب قريبة، بل إدراكاً في القيادة العسكرية بأن هناك حاجة إلى التحسين وزيادة القدرات، على خلفية الصعوبات المالية وقيود وباء «كورونا»، التي أضرت بحجم التدريب، بالأساس لوحدات الاحتياط. في ترتيب الأولويات في هيئة الأركان العامة ومصادقة المستوى السياسي، فإن قطاع غزة لا يعتبر المكان الرئيسي بشكل خاص رغم جولة القتال الأخيرة في أيار الماضي وعملية «حارس الأسوار». سياسة إسرائيل الواضحة تريد كسب الوقت في القطاع، تهدئة حكم «حماس» بوساطة تقديم تسهيلات اقتصادية وإصدار تصاريح لدخول المزيد من العمال والتجار للعمل في إسرائيل، فقد ارتفع العدد إلى عشرة آلاف، وتطالب «حماس» بثلاثين ألفاً. بقي هناك عائق واحد من الصعب جداً حله، يتعلق بصفقة الأسرى والمفقودين. ستواصل إسرائيل الرد على «الإرهاب» ضدها، وفي حالات معينة ستعمل أيضاً ضد محاولات «حماس» تطوير سلاح متطور أكثر. ولكن إضافة إلى ذلك، العيون شاخصة نحو الشمال، نحو لبنان وسورية، وشرقاً نحو إيران.
التطور الأساسي الذي بدأت إسرائيل تستوعبه يتعلق بتغيير السياسة الأميركية. الاهتمام الذي تظهره واشنطن بالمنطقة آخذ في التضاؤل. وبوتيرة أسرع منه يقل الاستعداد لاستخدام القوة، حتى كإشارة إلى الحاجة إلى تحقيق هدف أكبر. بالنسبة للإسرائيليين، تعتبر حكومة بايدن الدبلوماسية عقيدة لا أداة.
«هذه الانعطافة تقتضي إعادة فحص الكثير من فرضياتنا»، قالت مصادر أمنية. هذه الأمور تجد تعبيرها البارز في ضبط نفس أميركا إزاء عمليات نسبت لإيران والمليشيات الشيعية التابعة لها في الفترة الأخيرة، وهي مهاجمة الطائرات المسيّرة للقاعدة الأميركية في التنف في شرق سورية، ومهاجمة منزل رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي.
في السابق كانت استعراضات القوة العسكرية هي التي دفعت إيران إلى إعادة فحص طريقها أكثر من العقوبات الاقتصادية. هذا ما حدث مع وقف إطلاق النار، الذي أنهى الحرب بين العراق وإيران في 1988، وبعد «حرب المدن» التي استخدمها الرئيس العراقي، صدام حسين، الذي قصف بالصواريخ المدن الإيرانية. وهذا ما حدث مرة أخرى بعد 15 سنة عندما جمّد النظام في إيران الانشغال الحثيث بالمشروع النووي العسكري بتأثير الغزو الأميركي للعراق.
في نهاية الشهر الحالي يحتمل أن تستأنف في فيينا المحادثات بين إيران والدول العظمى حول الاتفاق النووي. لن يشارك وفد أميركي في المحادثات. في واشنطن يقدرون أن الرئيس الجديد، إبراهيم رئيسي، سيظهر خطاً متشدداً. وفي القدس أيضاً يتفقون مع هذا التقدير. كلمة «تنازل» لا تظهر في هذه المرة في قائمة الطعام الإيرانية، قال مصدر عسكري. مقاربة إيران الصقرية يتم تشخيصها جيداً في المنطقة، يبدو أنها تقف خلف الاتصالات الأخيرة بين السعودية والإمارات وبين طهران، واستعداد دول عربية سنية للعودة وإقامة علاقات مع نظام الأسد في سورية رغم الفظائع التي ارتكبها في فترة الحرب الأهلية.

عن «هآرتس»