أردوغان والزوجان الإسرائيليان المعتقلان في تركيا

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل

 

 


لا ريب في أن نتالي وموردي أوكنين هما جاسوسان ذكيان. فقد اجتازا تدريباً طويلاً في «الموساد»، وتعلما استخدام الكاميرا المحمولة والحبر السري الذي تم إخفاؤه في قلم أحمر شفاه نتالي. تصوير بيت أردوغان كان يمكن أن يكون مهمتهما الأخيرة قبل تعيين نتالي مديرة لـ «تيفل». موردي مرشح ليحل محل أحد رؤساء الأقسام الذين سيتقاعدون من «الموساد» في أعقاب إعادة تنظيم الجهاز الذي يقوم به رئيس «الموساد». ولكن مرة أخرى تبين أن أجهزة المخابرات التركية أكثر نجاعة مما تم توقعه منها. فقد تم إلقاء القبض عليهما والتحقيق معهما، وتم إحباط المؤامرة.
خطأ صغير، لكنه مصيري، كشف نواياهما. «هذا هو بيت أردوغان»، كتبت نتالي في «واتساب» الذي أرسلته لمشغلها في «الموساد». ولكن بدلاً من إرسال البيان على الخاص، نشرته في المجموعة العائلية الكبيرة لها.
اعتقال الزوجين لم يفاجئ مواطني تركيا. كل متصفح للشبكات الاجتماعية يعرف أنه يجب عدم استخدام كلمة «أردوغان» في المراسلات الإلكترونية. هذا المفهوم يوقظ على الفور حواسيب الرقابة للمخابرات والشرطة، ربما حتى أكثر من مفهوم «داعش». في الشهر الماضي، على سبيل المثال، تمت محاكمة متصفح في «فيسبوك» لأنه كتب «أردوغان يهودي بغطاء إسلامي». في البداية حكم عليه 10 أشهر سجن و20 يوماً. ولكن هذه العقوبة تم تخفيضها إلى غرامة بمبلغ 720 دولاراً. من العام 2014 وحتى 2019 قدمت دعاوى قضائية ضد 129 ألف شخص من مستخدمي الإنترنت بتهمة «إهانة الرئيس التركي». إهانة الرئيس هي مخالفة عقوبتها تصل إلى أربع سنوات سجن، وبناء على تعليمات الحكومة الصادرة في آب الماضي، فإن الطلاب الذين أدينوا بها سيتم طردهم من السكن الجامعي.
الزوجان أوكنين لم يقوما بإهانة أردوغان، لكن كان يكفي ذكر اسمه من أجل إثارة شكوك النادل، الذي بدوره سارع إلى إبلاغ الشرطة. المشكلة الحقيقية التي أثارت الاشتباه بالتجسس هي تصوير بيته.
من غير الواضح أي بيت تم تصويره. فيوجد لأردوغان بيت في حي أوسكودار في إسطنبول. أثارت الفيلا العائلية عاصفة في السابق في 2010 عندما اتهم رئيس المعارضة أردوغان بأن فيلته كلفت دافع الضرائب 9 ملايين دولار، وتم فيها تركيب حنفيات مذهبة. جار أردوغان، رجل الأعمال جهاد دوندار، نفى هذه الاتهامات، ودعا رئيس المعارضة لزيارة بيته «الذي بني بالمواد ذاتها بالضبط والذي لا توجد فيه حنفيات مذهبة». بعد مرور ست سنوات على ذلك كان هذا الحي مركزاً لهجوم معارضي أردوغان، الذين حاولوا القيام هناك بانقلاب عسكري. في حينه قتل هناك 15 شخصاً على الأقل. اعتاد أردوغان على المكوث في الفيلا بين حين وآخر. وفي 2019 تم تصويره قرب عربة تسوق وهو يشتري من السوبرماركت في الحي ويختار بالتحديد البسكويت من إنتاج تركي لرجل أعمال مقرب منه. في حينه لم يعتقل أي أحد بتهمة التجسس المصور في وكالة الأنباء الحكومية «الأناضول».
المقر الرئاسي الرسمي في إسطنبول هو قصر يلديز المجاور لقصر دولماباتشا الذي يقع على شاطئ البوسفور، والذي بناه السلطان العثماني عبد الحميد. في 2015 نقل القصر لاستخدام الرئيس رغم معارضة حركات جودة البيئة التي قالت: إن كل المنطقة هي محمية طبيعية. بعد ذلك قام أردوغان ببناء عدة قصور أخرى بتكلفة مئات ملايين الدولارات، وتحولت إلى رمز لغروره وتبذيره. وهذه ادعاءات قام بنفيها بالقول: «لا يوجد توفير في كل ما يتعلق بكرامة ومكانة تركيا».
ربما أن قصر الرئاسة في أنقرة، «القصر الأبيض»، والذي بني في 2014 رغم أمر المنع الصادر عن المحكمة، والذي هو بتكلفة 650 مليون دولار، هو العرض المعماري الأكثر إغضاباً، وهو يواصل إثارة الخلافات في أوساط الجمهور. ولكنه ليس الوحيد. في تموز نشر المهندس المعماري، الذي خطط المقر الصيفي لأردوغان في شمال مرمريس، صور القصر الذي تم استكمال بنائه قبل سنتين تقريباً. شاهد المواطنون في تركيا في حينه للمرة الأولى حجم فخامة وترف القصر، الذي بني على خليج خاص، بتكلفة 74 مليون دولار. نشر الصور في الوقت الذي كانت لا تزال فيه تركيا غارقة في أزمة اقتصادية شديدة، وعلى خلفية التوجه للجمهور من قبل السيدة الأولى، أمينة أردوغان، وطلبها منه تقليل وجبات الطعام من أجل التوفير، أغضب هذا الجمهور. الوقاحة الرئاسية تلقت سيلاً من الإدانات في الشبكات الاجتماعية. وبعد سنة، في آب 2020، دشن أردوغان قصراً رئاسياً جديداً قرب بحيرة فان في شرق تركيا. حسب التقارير دفع مواطنو تركيا حوالى 16 مليون دولار لما اعتبر «قصر ضيافة لرجال الدولة». وفي 2021 خصص له 13 مليون دولار لشراء معدات وأرض لمنشآت الاستجمام.
كل هذه القصور تم تصويرها من الخارج ومن الداخل. وقد نشرت الصور في مواقع حكومية، وبعضها يمكن زيارته بناء على تنسيق مسبق. حتى الآن لم يقدم أحد للمحاكمة على نشر الصور.
اعتقال أجانب ليس ظاهرة نادرة في تركيا. ففي السنة الأخيرة اعتقل عشرات من الروس والأميركيين والبريطانيين، ونسبت إليهم كل أنواع الجرائم، مثل التجسس والارتباط مع «داعش»، وتأييد الواعظ الديني فتح الله غولن، أو دعم حزب العمال الكردستاني الذي يعتبر منظمة إرهابية. ربما أن قضية الزوجين أوكنين هي نتيجة حماس وتصميم زائد في أوساط رجال الأمن في تركيا التي خرجت عن السيطرة. والسؤال هو: ما ارتفاع الشجرة التي يريد أردوغان أن يتسلقها؟

عن «هآرتس»